تغيير اسم حركة النهضة: محاولة لإعادة التموقع أم مراجعة فكرية حقيقية

73
تغيير اسم حركة النهضة: محاولة لإعادة التموقع أم مراجعة فكرية حقيقية
تغيير اسم حركة النهضة: محاولة لإعادة التموقع أم مراجعة فكرية حقيقية

أفريقيا برس – تونس. ألمح أمين عام حزب حركة النهضة في تونس العجمي الوريمي في الآونة الأخيرة، إلى إمكانية تغيير اسم الحزب واسم مجلس الشورى، في خطوة فتحت باب التساؤلات عن مغزى الحركة من وراء هذا التغيير، إن كانت تريد المناورة بمحاولتها إعادة التموقع في المشهد من جديد أم أنها استخلصت دروس تجربتها في الحكم وتوصلت إلى ضرورة قيامها بمراجعات فكرية حقيقية.

وذكر الوريمي الذي عين حديثا في منصبه، على حسابه الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أن “تغيير اسم النهضة وارد وقد طرح ذلك داخل لجنة الإعداد المضموني”. ولكنه أشار إلى أنه “ليس هناك ما يدعو إلى اتخاذ هذه الخطوة قبل تنظيم مؤتمر الحزب الحادي عشر.”

لن نقوم ببدعة

أثار تصريح الوريمي جدلا واسعا داخل الأوساط السياسية التونسية حيث تباينت الآراء بين مرحب بخطوة تغيير اسم الحركة ومن اعتبرها توجها جديا نحو التجديد والتطوير واستشراف آفاق جديدة وبين مشكك في نواياها واعتبارها مجرد محاولة لتخفيف الضغوط عليها من قبل السلطة والشارع الذي يُحمل حزب النهضة وكل شركائها السابقين في الحكم مسؤولية تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية طيلة عقد من الزمن.

وأوضح الوريمي في حديثه لـ”أفريقيا برس” ردا على هذا الجدل الدائر بالقول أن “كل سياق تاريخي له متطلباته وبالتالي كل الأحزاب السياسية الحية والديناميكية والمتفهمة لمواقفها والتي تقيم الدروس من تجاربها الماضية تحدث تعديلات، وهي تعديلات في الخط السياسي والتموقع السياسي والتحالفات وفي البرنامج وحتى في الأسس الفكرية رغم أنه في حركة النهضة لا تطرح تغيير مرجعيتها الفكرية بل طرحت إثرائها بما يجعلها متلائمة ومستوعبة للأوضاع الجديدة والتحولات الفكرية والسياسية العالمية.”

وتابع “يمكن أن تشمل هذه التغييرات اسم الحزب ومؤسساته الهيكلية في هذا الإطار طرح تغيير الاسم في لجنة الإطار المضموني للمؤتمر الحادي عشر وقد تم طرحه حتى قبل المؤتمر العاشر.” وعلق “في الحقيقة ليست هذه المرة الأولى الذي يطرح فيها هذا الموضوع، هو مطروح الآن ووارد أن يضاف صفة أخرى والإبقاء على اسم النهضة أو كلمة النهضة نفسها تتغير ويحل محلها اسم آخر يتضمن شعار وصفات يمكن أن تعبر على الهوية السياسية للحزب ومن جهة أخرى على المرحلة التاريخية وعلى الأولوية السياسية الوطنية.”

وبين أن “اسم حركة النهضة المعروفة به في كل العالم لم يتغير منذ سنة 1988، لذلك حين طرح تغييره هناك من شجعه ودعم هذا المقترح وهناك من عارضه وأبدى تمسكه بالاسم الحالي لرمزيته وارتباطه بتاريخ الحركة”، مستدركا” لكن الحسم في ذلك سيكون في مؤتمر الحركة القادم وسنناقشه في لوائح الحزب”.

ورأى الوريمي أن “هذا الموضوع له أهميته لكن لا يعني تغيير الاسم لأن الحركة تغيرت..هناك عمل آخر نشتغل عليه قبل الوصول إلى هذه الخطوة”.

وفي معرض تعليقه عن مساعي الحركة عبر تغيير اسمها التخلص من عبء الماضي وإرث زعيمها راشد الغنوشي، يشير الوريمي إلى أن “الغنوشي لم يكن رافضا لفكرة تغيير الاسم حين عرض ذلك في مناسبات سابقة..، النهضة ليس الحزب الأول التي غيرت اسمها لن نقوم ببدعة ولنا تجارب حزبية كثيرة في ذلك مثل حزب الدستوري الحر وحزب العمال والحزب اليساري وغيرهم”.

وأردف “هذا التغيير طبيعي، كما لا يوجد ما نخجل به في إرث النهضة، النهضة فخورة بتاريخها ولسنا في قطيعة معه.”

وبينما ربط متابعون ومحللون هذه الخطوة بمساعي الحركة التهدئة مع السلطة وتجنب الصدام معها خاصة مع تتالي الأزمات التي تعرضت إليها منذ انطلاق مسار 25 جويلية 2021 أعقاب اعتقال قياداتها التاريخيين وغلق مقارها بانتهاجها تمشيا جديدا تندمج فيه مع المعارضة العلمانية، إلا أن قيادات بالحركة يفسرون هذا الجدل والتشكيك في نوايا حزبهم بتراجع الديمقراطية وموت السياسة بالبلد.

واعتبر أحمد قعلول القيادي بحركة النهضة ووزير الرياضة السابق في حديثه لـ”أفريقيا برس” أن “الحديث في الشأن الداخلي لأي حزب من الأحزاب ضمن الظروف التي تعيشها البلاد والمعاناة التي يعاني منها الشعب التونسي يعتبر بالنسبة لي نوعا من الترف الفكري والسياسي وعلامة من علامات موت السياسة في البلاد.”

ويضيف” لحركة النهضة العديد من الأفكار والمراجعات التي بلورتها منذ مؤتمرها العاشر سنة 2016 والتي أعدتها مشاريع لوائحها استعدادا للمؤتمر الحادي عشر. إلا أن الانقلاب الذي حدث في البلاد يفرض على الجميع مراجعة كل مضامينه ومشاريعه، فما يصح في أجواء الحرية والديمقراطية لا يصح في زمن الاستبداد.”

وأبرز “إذا زدنا على ذلك الفشل الذريع الذي مني به مشروع قيس سعيد وخيبة أمل التونسيين في التغيير من هذا الطريق، وزدنا عليه انكسار منظومة القيم التي تقوم عليها منظومة الدولة الحديثة على موجة طوفان الأقصى من مثل قيم العدالة واحترام القانون وحق الشعوب في تقرير مصيرها وقيم المساواة وكونية حقوق الإنسان، كل هذه القيم جردت المنظومة الدولية نفسها عنها لتبين عن وحشية لا مثيل لها في تاريخ البشرية.”

وبرأيه “كل هذه المعاناة تجعل التونسي في وضع لا يهمه هل تغير النهضة اسمها بقدر اهتمامه بما يمكن أن تقوم به من أجل نصرة حق كل تونسي في العيش الكريم وفي أن يكون له في بيته خبزا وزيتا وحليبا لأطفاله، وأن يكون للشاب التونسي الحق في أن يحلم بمستقبل أفضل بناء على الجهد الذي يبذله في المدرسة والمعهد والجامعة لا أن يكون حلمه تجاوز عباب البحر للمرور للضفة الشمالية.”

ويستنتج بالقول “لذلك فإن تغيير الاسم لا يعني شيئا إذا لم يكن المضمون الذي يتبعه عملا يحرر كل تونسي من الظلم والقهر الذي يعاني منه.. لقد جمد انقلاب قيس سعيد كل مشاريع الإصلاح داخل حركة النهضة. أولويتنا اليوم كتونسيين هي استعادة حقنا في الحرية والكرامة وحقنا في تقرير مصيرنا بعد ذلك سيكون المجال فسيحا كي نقرر في تغيير اسمنا ان قدرنا أن في ذلك مصلحة للشعب التونسي.”

عملية تسويق جديدة

ويرى بعض المحللين أن حركة النهضة تواجه وضعا معقدا في ظل استمرار سجن راشد الغنوشي وعدد آخر من القيادات البارزة منذ عدة أشهر، وفي ظل تراجع شعبيتها وتراجع دور الأحزاب الكبرى في مرحلة ما بعد 25 جويلية، تحاول الحركة إيجاد حلول لما تمر به من أزمات من خلال تغيير اسمها وتسويق صورة جديدة تقطع مع أخطاء الحكم التي ارتكبتها في العشرية السابقة.

ويلفت منذر ثابت المحلل السياسي في حديثه لـ”أفريقيا برس” إلى أن” تلميح النهضة لتغيير اسم الحزب هي عملية تسويق جديدة من أجل إعادة التموقع في الساحة وثمة دلالات ومعاني لتغيير الاسم والعنوان وهو التنصل من مسؤولية حكم دام عشرية كاملة.”

وشرح بالقول “النهضة كانت بالفعل الطرف السياسي الفاعل والمؤثر والماسك بالأوراق منذ سقوط النظام السابق سنة 2011 إلى حدود لحظة 25 جويلية 2021 يعني النهضة تحاول الآن التمسك بالشعار الديمقراطي والمراهنة على مرحلة ما بعد سردية قيس سعيد.”

وزاد بالقول “يعني تريد أن تكون الرقم الصعب على الرغم أنه على مستوى الرأي العام فقد التصق وجودها ورموزها بتلك الفترة التي سادتها فوضى سياسية جراء التناحر والتنافر بين رؤوس السلطة التنفيذية خاصة وسوء التصرف في إدارة الدولة قاد إلى نزيف التداين والى تعاظم أشكال الفقر والانخرام في مستوى التوازنات الاقتصادية والتنموية بين الجهات.”

ويعتقد ثابت أن “النهضة التي ينسب إليها في مستوى الرأي العام كل أشكال التأزم التي عاشتها تونس على جميع الأصعدة، وبالتالي هذه محاولة لإعادة التموقع لكنها ستكون محاولة محدودة جدا في مستوى النتيجة والمنعكس على الساحة.”

ويستحضر متابعون كيف قامت النهضة بتغيير اسمها في السابق وأن هذه الخطوة ليست المرة الأولى في تاريخها، فقد غيرت اسم الجماعة الإسلامية في جوان /يونيو 1981 لتصبح حركة الاتجاه الإسلامي، وفي فبراير 1989 غيرت الاسم ثانية لتصبح حركة النهضة، وذلك ضمن خطة لدفع نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي إلى الاعتراف بها كحزب سياسي علني.

وفي تقدير هؤلاء، تحاول النهضة اليوم تبديد هواجس خصومها السياسيين كما فعلت في السابق مع نظام بن علي وإسكات المحرضين ضدها من خلال تغيير اسم الحزب دون القيام بتغيير حقيقي في جوهر توجهاتها ومرجعياتها حيث مازلت تتجنب هذه الخطوة وهي محل اختلافات وتباينات داخلية.

ويشير حاتم المليكي الناشط السياسي والمحلل السياسي في حديثه لـ”أفريقيا برس” بأنه “كانت هناك تجربة سابقة في بداية تسعينات القرن الماضي حيث غيرت النهضة اسمها في إطار الاتفاق الذي وقع مع النظام السابق وقد غيرته حينها من اسم الاتجاه الإسلامي إلى حركة النهضة”.

وأضاف أنه “تبين فيما بعد أن تغيير الاسم لم يغير المرجعية الفكرية أو السلوك الفكري بالنسبة للحركة وأنها ظلت في النهاية على نفس التوجهات والبيانات الرسمية التي اعتمدتها سنة 1981 حين أسست حركة الاتجاه الإسلامي.”

وفي تقدير المليكي فإن “النهضة تجد نفسها في نفس الموقف وهو يعاد أمامها اليوم لأنه في بداية التسعينات كان هناك ميثاق وطني وقيادة جديدة وقبول بمرحلة جديدة دون إجراء مراجعات جدية من داخل الحركة، وهي اليوم في وضع مشابه وجديد لكن يتطلب قيامها بمراجعات حقيقية بالفعل”.

وأبدى أسفه لأن” الحركة دائما ما تلجا لتغيير الاسم كواجهة لتغيير فكري لكن في الواقع فإن الحركة بحاجة إلى مراجعات أكبر بكثير من مسألة تغيير الاسم، المسالة اليوم مشابهة لمسار 1989 فقط تغيير الاسم دون تغيير المرجعية”.

ورغم أن حركة النهضة أعقاب مشاركتها في الحكم في العشرية الأخيرة قد أكدت أنها فصلت الجانب الدعوي على السياسي وتحولت إلى حزب مدني وقبلت بالشراكة والتحالف مع حزب نداء تونس حينها انطلاقا من هذا التوجه الجديد، إلا أنها فشلت في هذه التجربة التي رأتها الأصوات المعارضة مجرد مناورة وخطوة براغماتية لإحكام قبضتها على السلطة في حين كلفت البلد الكثير على صعيد اقتصادي واجتماعي على وجه الخصوص.

وتستبعد أوساط سياسية إقدام الحركة على التغيير ومراجعة حقيقية رغم أن أمينها العام الجديد الذي يصفه الكثير من المحللين والمتابعين بـ “الأكثر عقلانية” مقارنة بقيادة الحركة السابقة يبحث عن نهضة جديدة وأخرى تقطع مع صورة الحركة في الماضي والتي كان من نتائجها تراجع شعبيتها وخزانها الانتخابي وثقلها بالمشهد، حيث يتطلب التغيير جرأة كبيرة وقدرة على مواجهة وإقناع قيادات النهضة المتمسكين خاصة بخطها التقليدي قبل إقناع الرأي العام الذي لم تعد تغريه الخطابات الحزبية.

ويرى صهيب المزريقي القيادي في حزب البعث في حديثه لـ”أفريقيا برس” إلى أن”تغيير اسم حركة النهضة يأتي في إطار مخاتلة للشعب و إعادة تمظهر جديد بهياكل جديدة ومكتب جديد من أجل إعادة التنظم و فتح مكاتب جهوية ومقر مركزي جديد بعد غلق المقر المركزي للنهضة وأيضا لإبعاد صورة التورط في العشرية السوداء وإبعاد منطق الفشل السياسي والاقتصادي والاجتماعي وأيضا صورة التورط في تسفير الشباب لسوريا و الاغتيالات السياسية و استقبال شيوخ الإرهاب في تونس والتورط في استراتيجيات دولية.”

وخلص بالقول “تغيير الاسم هو ضرب من التقية التي يمارسها الإخوان وهي كانت في أدبيات منظريهم على غرار حسن البنا وعمر التلمساني وسيد قطب”..

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here