تكرار إقالة الوزراء في تونس: محاسبة المسؤولين لا تكفي لحل الأزمات

53
تكرار إقالة الوزراء في تونس: محاسبة المسؤولين لا تكفي لحل الأزمات
تكرار إقالة الوزراء في تونس: محاسبة المسؤولين لا تكفي لحل الأزمات

أفريقيا برس – تونس. فتح تكرار إقالة الوزراء في تونس باب التساؤلات عن دوافع الرئاسة من وراء هذه الخطوة بين من ثمنّها ورآها محاولة جدية لترسيخ سياسة المحاسبة، فيما قلّلت آراء أخرى من أهميتها واعتبرتها مجرد تغطية وتنصل من الفشل الحكومي وإجراء غير كاف لإخراج البلد من الأزمات التي ترزح تحت وطأتها.

وأعلن الرئيس قيس سعيد، الثلاثاء الماضي، عن إقالة وزيري النقل ربيع المجيدي، والثقافة حياة قطاط، دون ذكر الأسباب. وقالت الرئاسة التونسية في بيان إن”سعيد قرر إنهاء مهام ربيع المجيدي وزير النقل، وتكليف سارة الزنزري وزيرة التجهيز والإسكان، بتسيير وزارة النقل بصفة مؤقتة”.

كما قرر إنهاء مهام وزيرة الثقافة وتكليف منصف بوكثير وزير التعليم العالي والبحث العلمي بتسيير وزارة الثقافة بصفة مؤقتة، وفق المصدر ذاته، ودون ذكر الأسباب.

محاسبة المسؤولين المقصرين

رغم أن صمت الرئاسة وعدم شرحها لأسباب التعديلات الوزارية محل جدل وانتقادات للسياسة الاتصالية التي تنتهجها الرئاسة في كل مرة، غير أن غالبية الأوساط السياسية تندد بضعف أداء حكومة أحمد الحشاني وفشل سياساتها في توفير حاجيات الشارع، الأمر الذي يستوجب محاسبة المسؤولين المقصرين واستبدالهم بشخصيات أكثر كفاءة.

ويلفت زهير العيدودي القيادي بحركة الشعب في حديثه لـ”أفريقيا برس” أنه لم” يقع تعديل وزاري بل وقعت إقالة وزيرين دون تسمية آخرين كما وقع تكليف وزيرين بالتسيير وذلك دون تقديم أسباب الإقالة وأنه لا توجه جديد في سياسة القطاعين (النقل والثقافة).”

بينما يؤكد النائب بالبرلمان التونسي عبد السلام الدحماني في تصريح لـ”أفريقيا برس” أن” الوزراء الذين تم إعفاءهم من مهامهم ليسوا وزراء الحشاني ولا بودن، الحكومة فشلت في تحقيق الانتظارات المتعلقة بمشروع 25 جويلية قبل مجيء الحشاني و بعد مجيئه.. الإعفاءات و التسميات لا تعني شيئا المهم تغيير السياسات”.

ومع مرور أشهر على تعيين الحشاني رئيسا للحكومة خلفا لنجلاء بودن، لا يلمس التونسيون تحسنا في أوضاعهم المعيشية وسط استمرار غلاء الأسعار، كما أن هناك ضبابية لمشروعها الاقتصادي والاجتماعي وعدم توضيح لأولويات الحكومة في إنقاذ اقتصادها الهش.

وتحاول الرئاسة من خلال حملة الإعفاءات والإقالات للمسؤولين كسب ود الشارع خاصة مع اقتراب السباق الرئاسي من خلال تحميل مسؤولية الفشل إلى الفريق الحكومي، في حين يؤكد المتابعون أن الإقالات لا تكفي وان تغيير السياسات الحكومية هو الأهم لإنقاذ الأوضاع.

ويشير صهيب مزريقي القيادي بحركة بعث في حديثه لـ”أفريقيا برس” إلى أن”الإعفاءات الأخيرة كانت على خلفية عدم الإمتثال الجدي لسياسة رئيس الجمهورية قيس سعيد وهي أمر طبيعي جدا وهو دارج في ديمقراطيات العالم كله و لكن ما نريده اليوم هو تغيير جذري على مستوى عمل الحكومة تسبقه رؤية علمية ومتكاملة ذات منوال تنموي جديد وخارطة طريق سياسية واقتصادية يتم عرضها من قبل رئيس الجمهورية على مجلس نواب الشعب وفق الفصل 100 من دستور البلاد التونسية لسنة 2022.”

وتابع بالقول”علاوة على ذلك قانون المالية لسنة 2024 الذي يطرح في ديباجته العامة التوجه الإجتماعي للدولة من خلال دعمه المواد الأساسية و دعم الفلاحة و الصناعة و الخدمات والإستثمار لكنه ظل يشكو من وسائل التنفيذ، وعليه اليوم أعتقد أن المرحلة الحالية لا تحتاج تغيير أسماء أو تغير وزراء بآخرين بل تحتاج أولا تقييما موضوعيا وعلميا للمرحلة و الأداء الحكومي برمته و بالأساس لمشروع وطني تسير وفقه السلطة التنفيذية”.

رئاسة فوق الخطأ

بدا لافتا تتالي الإقالات والإعفاءات في تونس في الآونة الأخيرة، فيما يؤكد محللون ومتابعون أنها الرئاسة أيضا ليست فوق الخطأ وعليها تحمل مسؤوليتها في عجزها عن إيجاد حلول عاجلة للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، كما أن التعيينات والإقالات تعكس فشل خياراتها وارتباك أداءها وهو ما عليها الاعتراف به.

ففي 24 يناير الماضي، عيّن الرئيس التونسي 3 وزراء و3 مساعدي وزراء، لسد الشغور في وزارات تمت إقالة وزرائها العام الماضي. كما عين سعيد حينها فريال الورغي وزيرة للاقتصاد، وفاطمة ثابت وزيرة للصناعة والمناجم والطاقة، ولطفي ذياب وزيرا للتشغيل والتكوين المهني.

وأقال سعيّد في 23 من فبراير 2023 وزير التشغيل والتكوين المهني نصر الدين النصيبي، فيما أنهى في 5 مايو من ذات العام مهام وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة نائلة نويرة القنجي، دون إبداء أسباب.

كما أقال في 17 أكتوبر 2023، وزير الاقتصاد والتخطيط سمير سعيّد، بعد أن أعلن مطلع أغسطس إنهاء مهام رئيسة الحكومة نجلاء بودن، وتعيين أحمد الحشاني، خلفا لها.

ويشرح منذر ثابت في حديثه لـ”أفريقيا برس” أسباب إقالة وزيري الثقافة والنقل من وجهة نظره.

ويقول “كل تعديل وزاري له علاقة بأمرين على الأقل التمثيلية السياسية والنجاعة في علاقة بالانسجام وفي علاقة أيضا بتطبيق البرامج والخطط وبالنسبة لواقع الحال في التعديل أو إعادة توزيع المهام داخل الحكومة في علاقة بإقالة وزيري النقل ووزيرة الثقافة أعتقد أن الأمر يتعلق أولا بتحميل مسؤولية للخلل القائم داخل وزاره النقل في صله بالتعهد والصيانة لعديد المعدات وفي علاقة أيضا بحسن سير دواليب الوزارة وأداء الوزارة في علاقة بالخدمات المسداة للمواطنين.”

ويضيف “ثم في وزارة الثقافة الكل يعلم أن في مرحلة من المراحل الوزيرة المقالة الحقيقة تعرضت لنقد مكثف من أهل الفن والثقافة وعديد المآخذ الحقيقة في صلة بالمهرجانات وبتوزيع المسؤوليات أيضا نقد مكثف ومركز أيضا استهدف الوزيرة فيه تحميل مسؤولية من جهة لكن أيضا فيه عملية ذات صلة بالانتخابات”.

ويعلّق “واضح أن الرئيس الجمهورية يريد أن يقول في رسالة ضمنية من خلال هذه التعديلات الوزارية أنه حريص على حسن سير المؤسسة الحكومية وأنه حريص أيضا على حسن إسداء الخدمات بالنسبة لهذه المؤسسات لكن أنه فوق أيضا كل خطا يمكن أن يرتكب وهو فوق أيضا كل نقص يمكن أن تلام عليها الحكومة أو مؤسسه الدولة”.

ويبين بالقول “من جهة ثانية يطرح إشكالية المتابعة وإشكالية وضوح الخطة الحكومية في علاقة بحسن سير المؤسسات والوزارات وفي علاقة بالخطط بالبرامج بالرؤى والاعتمادات، أيضا إذا ما طرحنا موضوع الصيانة والتعهد بالنسبة لوزارة النقل مثلا نعتقد أن هناك إشكال حقيقي بالنسبة لقطاع الغيار بالنسبة لميزانية وزارة التجهيز وهي ميزانية تقلصت منذ سنة 2011، وهي ميزانية غير متوازنة حيث أن الجزء الأعظم منها ينفق ويصرف في الأجور والعلاوات كما يقال وهو ما يطرح إشكال حقيقي”.

وفي حين تأتي الإعفاءات كتأكيد للرئاسة على حرصها على ترسيخ مبدأ المحاسبة خاصة وأنها تعهدت بمكافحة الفساد منذ انطلاق مسار 25 جويلية، إلا أنها خطوة تعكس في المقابل تمشيا فرديا وعدم تشريك الأحزاب والأجسام الوسيطة في إدارة شؤون البلاد، كما بدا جليا أن الحكومة باتت فاقدة لسلطة القرار.

ويعتقد مصطفى عبد الكبير رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان في حديثه ل”أفريقيا برس”أن” التعديل الوزاري هو لإسكات أصوات محتجة تتطالب بتحسين أداء الحكومة أمام تنامي الأصوات المنادية بتغييرات عديدة في صلب الحكومة منها من يعتبر أن الحكومة عاجزة وليس لها حلول إلا بذهابها والبحث عن بدائل جديدة ومنها من يريد إسقاط بعض الوزراء من أجل إثبات أن الرئيس قيس سعيد مستعد للتخلي عن وزير لا يستطيع تنفيذ سياسته وتقديم رضا الأطراف الداعمة لسياسة مسار 25جويلية لذلك سارع الرئيس بتغييرات على مستوى وزارة الاقتصاد أولا ثم التجارة وقبلهما وزير الداخلية والآن النقل والثقافة”.

وبرأيه “لا أحد من الوزراء قادر على تقديم الإضافة وتقديم نتائج مهمة في وزارته نظرا لغياب رؤية حقيقية وإستراتيجية واضحة لحكومة ليس لها أي قرار سياسي إلا بالعودة لرئيس الجمهورية مع غياب الدعم المادي وفقدان ميزانية مالية حقيقية واضحة للوزارات”.

وحسب الفصل 101 من دستور يوليو 2022 يعين رئيس الجمهورية قيس سعيد رئيس الحكومة، وكذلك بقيّة أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها، وينهي وفق الفصل 102 مهامّ الحكومة أو أي عضو منها تلقائيّا أو باقتراح من رئيس الحكومة.

وفي تقدير عبد الكبير “ليس أمام رئيس الجمهورية إلا مصارحة الجميع والكشف عن صعوبات حقيقية ويجب إعادة صياغة مخطط سياسي واقتصادي لإنقاذ الوضع وبث روح جديدة في الإدارة التونسية وعلى الرئيس إعادة الثقة لدى المسؤولين من أجل القدرة على إنقاذ ما تبقي وعودة الروح للإدارة التي ماتت بسبب الخوف من المحاسبة والتتبعات بسبب أو بدون سبب”.

وخلص بالقول “اليوم الحكومة تعيش أزمة ثقة وتعيش حالة إرباك وفاقدة لسلطة القرار بسبب تواصل العمل بالقرارات الرئاسية الغير قابلة للنقاش أو التعديل.. بالمحصلة الأزمة عامة ولا يمكن حلها وتجاوزها بتعديل أو تغيير وزاري”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here