أفريقيا برس – تونس. أفقد الغلاء وتصاعد كلفة البناء أجيالاً من التونسيين حقّ امتلاك المسكن، بعدما سجلت أسعار العقارات خلال الفترة الأخيرة طفرات غير مسبوقة تسببت في تضاعف كلفة الشقق، بينما عجز الفاعلون في القطاع العقاري عن إقناع السلطة بخفض نسب الفائدة على القروض العقارية بهدف تنشيط المبيعات.
وتحوّل امتلاك مسكن بالنسبة لشريحة واسعة من السكان من أصحاب المداخيل إلى حلم صعب المنال، بسبب عدم قدرة المنتسبين للطبقة الوسطى على مواجهة كلفة القروض السكنية وأسعار العقارات التي حلّقت عالياً. وفي ظل ارتفاع الأسعار، يلجأ التونسيون إلى البنوك لشراء الأراضي أو المساكن بتمويلات مصرفية بلغ حجمها، بحسب أرقام البنك المركزي حول القروض القائمة والمخصصة للإسكان، 11.725 مليار دينار (الدولار= نحو 3 دنانير) في عام 2020. لكنّ الحصول على قرض عقاري لم يعد أمراً سهلاً، نظراً لارتفاع معدلات الائتمان من نسب فائدة مديرية وتأمينات وغيرها.
ويقرّ رئيس غرفة المطورين العقاريين، فهمي شعبان، بوجود أزمة حقيقية في القطاع أصبحت تحرم التونسيين من حقّ الامتلاك المكفول بالدستور. وقال شعبان، في تصريح لـ”العربي الجديد”، إنّ شرائح واسعة من التونسيين، بمن في ذلك أصحاب الدخل الجيد، محرومون من شراء المنازل والشقق، مشيراً إلى أنّ الشباب هم أكثر الفئات تضرراً من ارتفاع أسعار العقارات وأعباء القروض التي تفاقمت بالزيادة في نسبة الفائدة المديرية.
ويؤكد شعبان أنّ القطاع كاد يقترب من إيجاد حلول لخفض نسبة فائدة قروض السكن بعد نقاشات مطولة بين المهنة والحكومة والقطاع البنكي، غير أنّ هذه المفاوضات أحبطت برحيل حكومة هشام المشيشي التي أقيلت عقب إعلان الرئيس قيس سعيّد تسيير البلاد بمقتضى التدابير الاستثنائية في 25 يوليو/تموز 2021.
كذلك، يقول رئيس غرفة المطورين العقاريين إنّ برنامج السكن الأول الذي أطلقته الدولة عام 2018 بهدف تسهيل إجراءات اقتناء مساكن، لم يؤت أكله بسبب بقاء نسب فائدة البنوك في مستويات مرتفعة وشطط شراء القروض.
ويضيف: “القدرة الشرائية للمواطن تراجعت وأصبح غير قادر على اقتناء مسكن أو الادخار. ومن غير الممكن أن يتمكّن التونسيون المنتسبون إلى الطبقة الوسطى من الحصول على منزل سعره أكثر من 300 ألف دينار، خصوصاً أنّ البنوك تشترط نسبة تمويل ذاتي 20 بالمائة”. ويدعو شعبان الدولة إلى اتخاذ إجراءات لدعم المواطن التونسي في اقتناء مسكن من خلال تحديد نسبة فائدة خاصة بقروض السكن، والتقليص في نسبة التمويل الذاتي إلى 10 بالمائة بدلاً من 20 بالمائة في الوقت الحالي.
وتتشدد بنوك تونس في شروط الحصول على قروض، خصوصاً بعد الأزمة الوبائية، وهو ما يحول دون تحقيق استراتيجية سكن في البلاد، بينما تغيب برامج الإنشاء الاجتماعية والاقتصادية الجديدة التي كانت تقودها شركات التطوير العقاري الحكومية.
وكانت دراسة صادرة عن الغرفة المهنية للمطورين العقاريين قد كشفت، في إبريل/نيسان 2020، ارتفاع أسعار العقارات بنسبة 86 بالمائة خلال السنوات العشر الماضية، مشيرة إلى أنّ أسعار الوحدات السكنية قفزت خلال السنوات الخمس الأخيرة فقط بنسبة 46 بالمائة، فيما زادت أسعار المنازل بنسبة 60 بالمائة، والأراضي المعدّة للبناء بنسبة 41 بالمائة. وأشارت الدراسة التي أنجزها مكتب دراسات لفائدة غرفة المطورين العقاريين، إلى أنّ غلاء الأسعار الناتج عن ارتفاع كلفة قروض السكن من أبرز أسباب الركود العقاري، بسبب تحمّل المقترضين قروضا ذات نسبة فائدة مرتفعة، فضلا عن تراجع قدراتهم الشرائية بفعل التضخم.
أيمن الكافي (37 عاماً) ألغى فكرة شراء شقة، مؤكداً أنّه اقتنع بأن يواصل حياته في شقة مستأجرة بإحدى ضواحي العاصمة. يقول الكافي لـ”العربي الجديد”: “لست مستعداً لتسديد قرض بـ500 ألف دينار على امتداد 25 سنة من حياتي مقابل شقة لا تتجاوز 100 متر مربع”، واصفاً أسعار العقارات وكلفة القروض في بلاده بالمتوحشّة.
يضيف أنّ أسعار الشقق وكلفة القروض تسير تماماً عكس تيار الواقع الاقتصادي والاجتماعي في تونس، فالرواتب تكفي فقط لتأمين الحاجيات الأساسية دون غيرها.
ويعتبر المتحدّث أنّ غياب التأطير الرسمي للسياسة السكنية شرّع الأبواب على مصراعيها للوبيات العقارات التي ألهبت أسعار الشقق على امتداد السنوات العشر الماضية، بينما تخلّت الدولة عن دورها الرئيسي في تعديل السوق بالتدخّل عبر شركات التطوير الحكومية.
ينتقد الكافي التراجع الكبير لدور مؤسسات التطوير العقاري المملوكة للدولة في تنفيذ مساكن اقتصادية واجتماعية وفق معايير علمية تراعي القدرة الشرائية للسوق، معتبراً أنّ هذه الأخيرة انخرطت في إجحاف الأسعار.
وحسب التقييم الدوري للأسعار لدى موقع مبوب (موقع تونسي متخصص بالعقارات) فقد بلغ متوسط سعر المتر المربع الواحد للشقق في تونس 2500 دينار خلال النصف الأول من السنة الحالية، بارتفاع بنسبة 5.45 بالمائة مقارنة بالنصف الأول من عام 2021.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس