تونس والصداع القادم من جنوب الصحراء

22
تونس والصداع القادم من جنوب الصحراء
تونس والصداع القادم من جنوب الصحراء

يسرى ونّاس

أفريقيا برس – تونس. تداعيات سياسية واقتصادية واسعة، أثارها تصريح وصف بـ”العنصرية”، أدلى به الرئيس التونسي قيس سعيد، بشأن تدفق مهاجرين غير نظاميين من دول إفريقيا جنوب الصحراء إلى بلاده.

داخل تونس لاقى تصريح سعيد رفضا واسعا من أحزاب ومنظمات مجتمع مدني وسياسيين وحقوقيين، كما نظم عدد من الحركات المدنية تظاهرات رافضة للموقف الرسمي من المهاجرين الأفارقة.

التداعيات الأشد جاءت من الخارج، إذ وجهت منظمات دولية انتقادات شديدة لموقف سعيد من المهاجرين، كما أجْلت دول إفريقيا رعاياها من تونس، وتوقفت مفاوضات دولية كان من المفترض أن تفضي إلى قروض وتمويل لتونس.

و”إفريقيا جنوب الصحراء” هي المنطقة الجغرافية والعرقية التي تقع جنوب الصحراء بالقارة السمراء، ووفقا للأمم المتحدة، فالمسمى يشير إلى جميع البلدان والأراضي الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى كليا أو جزئيا.

تداعيات سياسية

في 21 فبراير/شباط الماضي، دعا سعيد، عقب اجتماع لمجلس الأمن القومي، إلى وضع حد لتدفق “أعداد كبيرة” للمهاجرين من جنوب الصحراء لبلاده، ووصف الأمر بأنه “ترتيب إجرامي يهدف إلى تغيير تركيبة تونس الديمغرافية”.

تصريح سعيد أدانته بشدة منظمات حقوقية دولية ومحلية، من بينها “العفو الدولية”، التي حذرت من “تصاعد خطاب الكراهية والإقصاء، لا سيما تجاه مهاجرات ومهاجري إفريقيا جنوب الصحراء الموجودين في تونس”.

منظمات أخرى محلية، على غرار “الصحفيين التونسيين” و”المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية” و”الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان”، انتقدت بدورها تعامل السلطات مع الأفارقة ونظمت تحركات احتجاجية.

“الاتحاد العام التونسي للشغل”، أكبر منظمة عمالية في البلاد، انتقد أيضا تصريح سعيد، وأكد على لسان أمينه العام نورالدين الطبوبي، أن “الانتهاكات بحق المهاجرين الأفارقة من شأنها أن تسيء لصورة تونس”.

الرئاسة التونسية ردا على تنديد الأحزاب والمنظمات الحقوقية، بالقول إن “من يتحدث عن تمييز عنصري في تونس هو طرف يبحث عن الفتنة”، محذرة من المساس بالمقيمين في البلاد من دول إفريقيا بصفة قانونية.

كما سعت بعد نحو أسبوعين إلى تخفيف وطأة التصريح، عبر الإعلان عن “تسليم بطاقات إقامة لمدة سنة لطلبة البلدان الإفريقية لتسهيل إقامتهم بتونس وتمكينهم من التجديد الدوري لوثائقهم في آجال مناسبة”.

وقررت تونس الأحد، “التمديد في وصل الإقامة من ثلاثة أشهر إلى ستة أشهر، وتسهيل عمليات المغادرة الطوعية لمن يرغب في ذلك في إطار منظم وبالتنسيق المسبق مع السفارات والبعثات الديبلوماسية للدول الإفريقية بتونس”.

والإثنين، نفى وزير الخارجية التونسي نبيل عمار، في مؤتمر صحفي، الاتهامات الموجهة إلى بلاده بـ”العنصرية” ضدّ المهاجرين الأفارقة، وذهب إلى أن “حملة غير بريئة، ولا يعرف مصدرها، تستهدف تونس”.

تداعيات إفريقية

على المستوى الإقليمي، أثار موقف سعيد غضب الاتحاد الإفريقي، إذ وصف رئيس مفوضية الاتحاد موسى فقي، التصريحات بـ”الصادمة ضد الإخوة الأفارقة”، وبأنها “تتعارض مع مبادئ الاتحاد الإفريقي ورسالته”.

وشدد فقي، في بيان، على “ضرورة الالتزام باحترام القانون الدولي في معاملة المهاجرين بكرامة بغض النظر عن أصولهم، والامتناع عن أي خطاب كراهية أو عنصرية من شأنه أن يضر بالناس”.

وأوضح البيان، أن “نائبة رئيس الاتحاد الإفريقي مونيك نسانزاباغانوا، استقبلت عقب التصريحات، مندوب تونس الدائم المعتمد لدى الاتحاد الإفريقي (لم تسمه)”.

وعبرت نسانزاباغانوا، خلال لقائها مندوب تونس، عن “مخاوف الاتحاد الإفريقي حول الموقف التونسي الذي استهدف الأفارقة بغض النظر عن وضعهم القانوني بالبلاد”.

أما على مستوى دول القارة، فقد بدأت دول إفريقية مطلع مارس/آذار الجاري، من بينها غينيا وكوت ديفوار، بإجلاء العشرات من مواطنيها، بعد ما “أسمته تصاعد موجة الكراهية ضدهم”، وفق تعبيرها.

تداعيات اقتصادية

ردود الفعل تجاه تصريحات الرئيس التونسي لم تقف عند الانتقادات الحقوقية والسياسية والإفريقية، إذ امتدت للتأثير على اقتصاد البلاد، الذي يعاني بالفعل منذ إجراءات سعيد في 25 يوليو/تموز 2021.

وفي ذلك التاريخ، بدأ الرئيس قيس سعيد فرض إجراءات استثنائية على البلاد، من بينها إقالة الحكومة، وحل البرلمان ومجلس القضاء، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية.

التداعيات الاقتصادية على تونس بعد تصريحات سعيد الأخيرة، شملت حملات لمقاطعة السلع والمنتجات التونسية التي تصدر إلى دول إفريقيا جنوب الصحراء، إلى جانب دعوات لمقاطعة الناقلة الرسمية التونسية “الخطوط الجوية التونسية”.

تأتي هذه الحملات في وقت كانت تبحث فيه تونس عن موطأ قدم لصادراتها في دول إفريقية وخلق أسواق جديدة، لا سيما بعد انضمامها إلى السوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا “كوميسا” عام 2018.

كما شملت التداعيات الاقتصادية، إعلان مجموعة البنك الدولي، الإثنين، تعليق “مناقشات الشراكة مع تونس بشكل مؤقت”، وهي المناقشات التي تهدف إلى حصول تونس على قروض وتمويل بقيمة تصل إلى 520 مليون دولار.

وشدد البنك، في رسالة داخلية بعثها رئيسه ديفيد مالباس لموظفيه، على أن “سلامة المهاجرين والأقليات وإدماجهم يعتبر جزءا من القيم الأساسية لمؤسستنا، المتمثلة في الإدماج والاحترام ومناهضة العنصرية بجميع أشكالها وأنواعها”.

حلول سياسية

الانتقادات الداخلية والخارجية لتصريحات سعيد، والقرارات الدولية التي اتخذتها الدول الإفريقية والبنك الدولي، تؤكد أن “صورة تونس أصبحت مهددة”، وفق وزير الخارجية التونسي الأسبق أحمد ونيس.

أوضح ونيس، أن “هذه التصريحات لا تعبر عن عقيدة تونسية، ومن الممكن أن نعتبرها خطأ انفعاليا أمام وضع صعب، فتونس بعيدة عن العنصرية، ولا تمت لها بصلة، وهو ما أثار استغراب الأفارقة”.

وأشار إلى أن “الاستنتاج الذّي خلصت إليه الحكومات الإفريقية هو أن جالياتهم لم تعد في مأمن”، مستدركا أن “التصرف الصحيح، هو السعي إلى الاعتراف بأن التصريحات كانت بعيدة عن المقصود”.

وعن إجراءات سعيد بتسهيل إقامة الأفارقة بعد التصريحات، قال الدبلوماسي التونسي: “من شأن الإجراءات التي أعلنتها الرئاسة التونسية الأحد، أن تقلل وطأة الجدل الحاصل”.

أما عن رسالة البنك الدولي بقراره وقف النقاشات مع تونس، فذهب ونيس إلى أن فيها “إشارة منه على ضرورة أن تتنازل تونس عن موقفها الذي أعلنته مبدئيا بوعي، حتى يتم تجاوز الأزمة”.

وذكّر وزير الخارجية التونسي الأسبق بأن “الغضب الذّي تلا تصريحات سعيد، عكس طبيعة تونس العميقة، ذلك أنها طالما عرفت بأنها دولة مبادئ، وأن ممارستها أخلاقية تتسم باحترام بالقيم الكونية”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here