جبل جلود: شكري بلعيد ”ديما حي“ بين سكان منشئه الأول

65

“كان شابا قوي الشخصية، فصيح وجريء. كان ينتهي من يوم دراسته في المعهد الثانوي برادس ثم يمر إلى دار الثقافة بجبل جلود، هناك تحمى النقاشات الأيديولوجية ويعلو صوت الاختلاف في تقييم كل شيء سياسي في العالم وليس في تونس فقط.

كانت فترة أواخر السبعينات وبداية الثمانينات، حين كنا ننشط في دار الثقافة ونحاول أن نؤسس خلايا عمل للحزب الشيوعي التونسي.

الآن نفتقده بشدة، وكل من له ثقافة سياسية ولو بسيطة يحب شكري بلعيد. هناك من يكرهه إلى الآن وتلك فئة قد لا تعنينا كثيرا، لكن أغلبية البسطاء في جبل جلود يتمنون لو كان اليوم حيا بيننا”.

بهذا التصريح بدأ النقابي خميس سقرة، كاتب عام الفرع الجامعي للشركة الوطنية للسكك الحديدية التونسية والمناضل في ما كان يعرف سابقا الحزب الشيوعي التونسي، برواية قصة علاقة جبل جلود بشكري بلعيد.

قصة تأكدت من خلالها قوة العلاقة بين الرجل والحي الذي ولد وتربى فيه سنة 1964. وحسب شهادات العديد من السكان فإن شهرة جبل جلود لم تكن لتأخذ هذا الإشعاع “لو لم يهب بلعيد حياته في عملية اغتيال” حسب تصريح عم الهادي، أحد المتقاعدين من معمل الإسمنت بجبل جلود.

يقول عم الهادي “كنت أنا ووالد شكري صالح بلعيد رحمه الله نجلس في المقهى المحاذي لدار الثقافة، وأتذكر كيف كان قادما من رادس مساء بعد الدراسة ومباشرة يدخل إلى دار الثقافة. كان والده يقول لي أن شكري جاء وستبدأ المشاكل في دار الثقافة بالنقاشات عن “البوليتيك” كما يقول.. رحمهما الله”.

والواضح من شهادة عم الهادي وأصدقائه الذين كانوا يجلسون معه أن جبل جلود لا تزال تنطبع بروح الغضب والحنق ضد السلطة وبسبب التأخر في كشف الحقيقة عن اغتيال شكري بلعيد. يتدخل وليد وهو عامل بالمطحنة )معمل السميد( بجبل جلود يقول “منذ اغتياله ومنذ أن نظمنا جنازته التي خرجت من دار الثقافة والنقاش لا ينقطع عن المسؤولين عن اغتياله وعن مسؤولية الدولة والقضاء في الكشف عن ملابسات الجريمة ومعاقبة المجرمين”.

التجوال في أزقة جبل جلود يؤكد الكلام الذي قاله كل من عم الهادي ووليد في تعلق سكان جبل جلود إلى حد اليوم بشكري بلعيد. إذ توجد شعارات مكتوبة على الجدران تتحدث عن “رفاق بلعيد” كما تحمل دار الثقافة جبل جلود اسم شكري بلعيد، تحاذيها المدرسة الإعدادية التي تحمل اسمه أيضا، وبجانب اسمه توجد دائما صورة له وهو يبتسم. وبالولوج إلى دار الثقافة ذاتها نجد تلك الميزة التي عرف بها وجه شكري بلعيد وهي شاربه والشامة التي تحاذيه.

يقول النقابي خميس سقرة في إكمال شهادته حول علاقة شكري بلعيد بجبل جلود “لقد نضجت ثقافته اليسارية في هذه المنطقة نظرا لاحتوائها العديد من المصانع. لقد كان يحتكّ بالعمال بشكل يومي ويعرفهم ويعرفونه.

بل إن العديد من العمال وجيرانه من بسطاء الحال كانوا يستنجدون به في العديد من القضايا دون أن يأخذ أتعابه كمحامي، كان يحب الناس هنا والعديد منهم يحبونه. الآن ـ وباستثناء البعض ممن لهم توجهات أيديولوجية وسياسية معينة ـ الكل يترحم عليه ولا يذكره سوى بمحاسنه”.

ويضيف سقرة “عبد المجيد شقيق شكري بلعيد كان ينشط معنا في دار الثقافة جبل جلود وكان مخرجا للعديد من المسرحيات التي كنا نقوم بها وهذا في أواخر السبعينات، وقد تربينا معا كالأشقاء على رغم اختلافاتنا الفكرية والحزبية وكنا نتخاصم في السياسة لكننا لا نكمل السهرة ليلا سوى بتناول القهوة مع بعضنا البعض ونروي النكات والنوادر”.

يذكر أن دار الثقافة شكري بلعيد بعثت بتظاهرة ثقافية تحمل اسم الشهيد شكري بلعيد وذلك من 6 إلى 10 فيفري 2019 تزامنا مع ذكرى اغتياله.

وتؤكد هذه الأيام الثقافية والفنية أن ذكرى شكري بلعيد لم تبارح قط منطقة جبل جلود وسكانها، بل إن التذكير سنويا بأنه ابن هذه المنطقة ـ منذ جنازته ـ أصبح ما يشبه التقليد المحلي.

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here