خلفيات إلغاء 4 هيئات دستورية

11
خلفيات إلغاء 4 هيئات دستورية
خلفيات إلغاء 4 هيئات دستورية

أفريقيا برس – تونس. ألغى الرئيس التونسي قيس سعيد، في مشروع الدستور الجديد، هيئات دستورية أربع، مبقيا على هيئة الانتخابات فقط، وأصبحت معه المحكمة الدستورية معينة بدل أن تكون منتخبة، ما يهيئ له التفرد بالحكم وتكريس سلطاته.

ولم يبقِ سعيد من دستور 2014 إلا الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، دون تغيير يذكر في تركيبتها أو صلاحياتها، بينما تخلى عن دسترة هيئة الاتصال السمعي البصري (الهايكا)، وهيئة حقوق الإنسان، وهيئة التنمية المستدامة وحقوق الأجيال المقبلة، وهيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد.

وألغى سعيد بخصوص المحكمة الدستورية انتخابها من قبل السلطة التشريعية، وضمانات حيادها واستقلاليتها، وتركيبتها المنفتحة على المحامين والجامعيين من خارج مهنة القضاء، ليعوضها بهيئة معينة آليا بحسب الوظائف من القضاة المباشرين في المحاكم بحسب أقدميتهم في الخدمة.

وذكر الدستور الجديد أن المحكمة الدستورية تتركب من تسعة أعضاء، ثلثهم الأول من أقدم رؤساء الدوائر بمحكمة التعقيب، والثلث الثاني من أقدم رؤساء الدوائر التّعقيبية بالمحكـمة الإدارية، والثلث الثالث والأخير من أقدم أعضاء محكمة المحاسبات.

وينتخب أعضاء المحكمة الدستورية من بينهم رئيسا لها طبقا لما يضبطه القانون. وإذا بلغ أحد الأعضاء سن الإحالة على التقاعد، يتم تعويضه آليا بمن يليه في الأقدمية، على ألّا تقل مدة العضوية في كل الحالات عن سنة واحدة.

وبدت نوايا الرئيس سعيد استهداف الهيئات الدستورية قبل 25 يوليو/تموز 2021، فلطالما انتقد استقلالية هذه الهيئات وطريقة عملها، لتكون أول قراراته، بعد تجميد البرلمان وإقالة الحكومة، إلغاء الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين (المحكمة الدستورية الوقتية)، ثم حل المجلس الأعلى للقضاء وتعويضه بمجلس وقتي معين.

وكان سعيد قبل ذلك قد سارع إلى غلق مقر هيئة مكافحة الفساد وإقالة مسؤوليها، ثم أقدم على حل هيئة الانتخابات الدستورية المنتخبة من البرلمان وتغيير قانونها ليعوضها بهيئة جديدة معينة.

واعتبر النائب السابق لرئيس الهيئة العليا للاتصال السمعي والبصري، القاضي بمحكمة الاستئناف عمر الوسلاتي، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أنه “في هذا الدستور تم إلغاء وتقويض أركان النظام الديمقراطي المبني على المؤسسات، وليس على الانتخاب فقط، فالانتخابات جزء من النظام الديمقراطي وعملية أساسية، بينما المؤسسات وظيفتها استدامة الديمقراطية باعتبارها الأجهزة الرقابية لحماية هذه الديمقراطية”.

وقال الوسلاتي: “في غياب هذه المؤسسات الدستورية، تصبح المسألة رهينة خيارات شخصية لرئيس الجمهورية الذي ينتخبه الناس، فيمكن لرئيس لا يؤمن بالديمقراطية أن يعتمد على المشروعية الانتخابية الشعبية ذريعة للحكم الفردي في غياب رقابة المؤسسات، بما يؤسس الرئيس الشعبي الذي يفعل ما يشاء”.

وتابع: “أصبحنا اليوم بانتخاب رئيس جمهورية بعدد معين من الأصوات من الناخبين كأنه يأخذ وظيفة نصف إله أو إله كامل”، وفق تعبيره، وبين أن “هذه المؤسسات تضمن استمرار أي منظومة ديمقراطية، فالمنظومة الانتخابية لا تفرز حكاما دائمين أو كاملين، كما يخشى أن يكون المنتخبون معادين للديمقراطية، ودورها هنا الرقابة على هذه السلطة”.

وأوضح أن “الغاية من إحداث هذه المؤسسات هو وضع سلطة تحد سلطة أخرى من الانحراف، وتعدل قراراتها بشكل يتماشى مع الديمقراطية ومع حقوق الإنسان والحريات، ومع النزاهة والشفافية”.

ولفت إلى أن “تونس خرجت بشكل نهائي من الالتزام الدولي بحماية وكونية حقوق الإنسان بمخالفتها للاتفاقات الدولية والعهود الدولية التي تنص على إحداث هذه الهيئات الدستورية المستقلة، بل أصبحت تونس معادية للمنظومة الدولية، فمن غير المعقول مثلا أن تصادق تونس على اتفاقات دولية لمكافحة الفساد ثم تلغي هيئة مكافحة الفساد أو تلغي هيئة حقوق الإنسان”.

وقال الوسلاتي: “اليوم لم تعد ضمانات القضاء المستقل الذي يمثل السلطة الرقابية الأساسية متوفرة، باعتبار أن القضاء أصبح وظيفة ولم يعد سلطة”.

من جانبه، بين النائب المؤسس (عضو المجلس التأسيسي الذي كتب دستور 2014) ورئيس اللجنة الانتخابية (تنظم انتخاب الهيئات في البرلمان)، بدر الدين عبد الكافي، في تصريح لـ”العربي الجديد”، “كيف نسف سعيد دستور الثورة الذي شهدت هيئات دولية تتابع الانتقالات الديمقراطية ومنظمات تعنى بالدساتير بأنه سجل من الدساتير التي اعتمدت الممارسات الجيدة في تشريك عموم المواطنين والصياغة التشاركية”.

وأضاف: “نحن اليوم أمام دستور كتب خلسة في غرف مظلمة وكتب بمن حضر”، و”هناك حرج في الحديث على مسار باطل بني على باطل، لأن غالب القوى السياسية اختارت مقاطعة هذا المسار حتى لا تعطي شرعية للانقلاب”.

وقال إن “الدستور نزع المخالب التي تدافع عن الحقوق والحريات باعتباره نسف الهيئات الدستورية، والمحكمة الدستورية التي يمكن أن تكون صدا منيعا أمام هذه التجاوزات الدستورية لم يبق منها سوى الاسم، وهي تكاد تكون معينة من سلطة عليا مختزلة في شخص رئيس الجمهورية”.

واعتبر أن فتح “باب الهيئات المستقلة في دستور 2014 كان بمثابة السلطة المضادة التي تحمي المكتسبات وتدعم الديمقراطية”، وبين أن “هدف سعيد من نسف الهيئات الدستورية هو إزاحة أي سلطة مضادة وجعل السلطة منفردة بيديه دون أي رقيب أو حسيب، حتى يجمع كل السلطات ويكون غير قابل للمساءلة خلال عهدته وبعدها”، مستدركا: “هذا إن خرج من الحكم، باعتباره فتح باب التمديد في ولايته باسم الخطر الداهم، وهو طبعا الجهة التي تقيّم هذا الخطر الداهم”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here