صدام قيس سعيّد واتحاد الشغل: أي تداعيات وانعكاسات؟

7
صدام قيس سعيّد واتحاد الشغل: أي تداعيات وانعكاسات؟
صدام قيس سعيّد واتحاد الشغل: أي تداعيات وانعكاسات؟

وليد التليلي

أفريقيا برس – تونس. زادت حدة التصعيد في الصراع الجديد الذي تشهده الساحة التونسية، بين الرئيس قيس سعيّد والاتحاد العام التونسي للشغل. ويتساءل سياسيون ومراقبون عن مآلات هذا الصراع وتداعياته على الأوضاع الاجتماعية من جهة، وعن التغيير الذي يمكن أن يحدثه في توازنات المشهد السياسي، من جهة أخرى.

وراقب التونسيون خطاباً حاداً من سعيّد، من داخل ثكنة للدرك يوم الثلاثاء من الأسبوع الماضي، اعتبر فيه أن العمل النقابي لا يعني قطع الطرق، ولا ينبغي توظيفه لتحقيق مآرب سياسية، داعياً إلى مساءلة هؤلاء.

وبعد ذلك الخطاب، جرى توقيف النقابي أنيس الكعبي في اليوم نفسه، بسبب إضراب في شركة الطرقات السريعة التي يعمل بها. واعتبر اتحاد الشغل ذلك رسالة واضحة له، بأنه أصبح في مرمى السلطة.

ورد الأمين العام للاتحاد، نور الدين الطبوبي، على خطاب سعيّد، قائلاً الجمعة إن “تونس تمر بأوضاع صعبة جداً على عدة مستويات، اقتصادية واجتماعية ومالية، وهناك حالة احتقان واضحة”، مبيناً أن “رئيس الدولة انتهج الطريق الخطأ”.

وفي كلمته في افتتاح هيئة إدارية وطنية للاتحاد، اعتبر الطبوبي أنه “كان على رئيس الجمهورية بعد فشل المسار الذي دعا إليه وبعد مقاطعة الشعب للانتخابات التشريعية بدوريها الأول والثاني، مخاطبة التونسيين من أجل العمل وإيجاد حلول للقضايا الشائكة، ولكنه اختار أن يخاطب شعبه من الثكنة، واستعمال عبارات كالتطهير ومعركة التحرير، وكأنه يقول إن القوات الأمنية والعسكرية المسلحة تقف إلى جانبه وتساند خياراته”. واعتبر ذلك “مسألة خطيرة جداً”. وتساءل “ممن يريد الرئيس تطهير البلاد؟ وعن أي معركة تحرير يتحدث، لأن معركة التحرير خاضها أجدادنا ضد الاستعمار”.

وفي سياق متصل، أكد موقع “الشعب”، التابع للاتحاد، الإثنين الماضي، أنه تمت دعوة عدد من القيادات النقابية إلى التحقيق لدى فرقة الإجرام والأبحاث، في بن عروس، بداية من يوم الاثنين المقبل 13 فبراير/شباط الحالي، وذلك على خلفية التحركات النضالية الأخيرة لقطاع النقل. كما تمت دعوة نقابيين آخرين للحضور أمام الفرقة نفسها في الأيام المقبلة.

ورداً على هذا الاستهداف، خرجت مواقف داعمة للاتحاد من النقابات في المناطق، ومن منظمات وأحزاب. ويبدو أن المنظمة النقابية ستشرع من هذا الأسبوع في سلسلة تحركات احتجاجية تبدأ من جنوب البلاد وتحديداً مدينة قبلي، وستشمل بعد ذلك أغلب محافظات البلاد.

جذور الخلاف بين سعيّد واتحاد الشغل

ولكن الخلاف بين الاتحاد وسعيّد لا يتعلق فقط بتوقيف الكعبي والاستدعاءات، فقد بدأ في الواقع بعد تسلم سعيّد للسلطة، عندما طرحت المنظمة النقابية في 2020 مشروع حوار وطني لإنهاء الأزمة في البلاد.

وظل سعيّد يماطل الاتحاد ويتلاعب به، إلى أن أسقط ذلك المسعى للحوار. ثم أصدرت الحكومة ما يعرف بالمنشور رقم 20 الذي يحد من المفاوضات الاجتماعية بين النقابات والوزارات، وهو ما اعتبره الاتحاد ضربة قوية للعمل النقابي.

تبعت ذلك دعوة رئيسة الحكومة نجلاء بودن، أخيراً إلى تفعيل التعدّدية النقابية، حين استقبلت الأمين العام لمنظمة نقابية أخرى هي اتحاد العمال، ثم إصدار أوامر حكومية بتمكين نقابات أخرى من الاقتطاع المالي لفائدتها من معاشات منخرطيها، وكلها ضغوطات على اتحاد الشغل.

وأخيراً، طرح الاتحاد مقترحاً جديداً بالاشتراك مع منظمات أخرى، هي هيئة المحامين، ورابطة حقوق الإنسان، ومنتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، يتعلق بحوار وطني سيتم اقتراحه على سعيّد، واعتبره المعارضون اصطفافاً مع سعيّد ومبادرة تحت سقف 25 يوليو/تموز 2021. ولكن سعيّد أجهضها بوضوح مع هذه الضربات الأخيرة، ما يطرح أسئلة حول كيفية تعامل الاتحاد مع هذا الوضع الجديد وتموقعه في مشهد متأزم أصلاً، وعن تداعيات هذا الصراع على التونسيين.

تخوّف من انكعاسات سلبية

وعن ذلك، قال الباحث والمحلل السياسي، أيمن بوغانمي، إن التصعيد الحاصل بين السلطة واتحاد الشغل سيقود إلى تغيير نحو الأسوأ، لأنه سيزيد من توتر العلاقات الاجتماعية في تونس وسوء الوضع الاقتصادي وإرباك الدورة الاقتصادية ومخاطر الاستثمار في تونس”.

وعلى مستوى موازين القوى، توقع بوغانمي “ألا يتغير شيء، لأن التغيير الفعلي مرتبط بعوامل أخرى، منها وحدة صف المعارضة بكل مكوناتها من أحزاب ونقابات، وتحديد الرؤيا، وهذه الشروط لو توفرت لأحدثت تغييراً”.

وأضاف أن “الخروج من فخ 25 يوليو يتطلب مشروعاً بديلاً، ولكننا دخلنا في فخ الاعتباطية في الحكم، وهناك من رفض مسار سعيّد منذ البداية، وهناك من قبِله ثم فهم متأخراً ويريد أن يتراجع”، معتبراً أن “الإشكال أن أغلب من قبِلوا بـ25 يوليو ثم تراجعوا، لا يعلمون كيف يخرجون منه”.

ولفت إلى أن “البديل أو الحل الفعلي هو وحدة صف المعارضة، ولذلك لا أعتقد أن التصعيد، حتى لو كان كبيراً مع النقابات، سيغيّر من توازنات المشهد، لأن النقابات وحدها، في غياب مساندة القوى السياسية وفي غياب حل دستوري للأزمة وعدم توفر شروط أخرى، غير قادرة على تغيير المعادلة”.

وعن مآل مبادرة الاتحاد وبقية المنظمات، وإمكانية إجراء حوار بدون سعيّد، بيّن البوغانمي أن “مبادرة الاتحاد ستبقى مجرد فرضية شبه أسطورية، بمعنى أني لا أظن أن ثمة مبادرة”.

وأضاف أنه “في 25 يوليو 2021 قَبِل الاتحاد وبقية القوى بتسليم كل الصلاحيات للرئيس وأن يقرأ القانون والدستور كما يشاء، ومنذ تلك اللحظة غاب التصور لأنه لا حل إلا بانتزاع تلك الصلاحيات التي منحت له”، لافتاً إلى أن الإشكال هو “كيف يمكن ذلك وبأي آليات؟”. وأشار إلى أنه “لا آليات قانونية لذلك، ولم يبقَ إلا الشارع، في ظل رفض صاحب الصلاحيات التفاعل، وفي ظل غياب الحد الأدنى من الوسائل القانونية”.

ورأى الباحث السياسي أن “الاتحاد سيجد نفسه في حرج كبير إذا تراجع بقوة عن مواقفه السابقة، لأنه سيُسأل عن ذلك، وأعتقد أن شعبيته الحالية وقدرته على التعبئة تغيرت”. وتابع: “الآن بظهور طرف قوي أمامه، اكتشفنا حدود قوة الاتحاد، ودليل ذلك أن التهديدات بالإضرابات الشهر الماضي، لم تحدث، وهذا مرده أن الاتحاد بدأ يشعر بضعفه الحقيقي، في ظل وجود القوة التي ساهم هو في إنشائها”.

وأمام هذه الوضعية، حالة اللاحركة أو توازن الضعف، رأى البوغانمي أن “المحرك الحقيقي هو أزمة المالية العمومية التي تتجاوز الجميع ويمكن أن تعصف بالجميع، ولا أحد قادر أن يتوقع كيف ومتى”.

تكرار سياسات زين العابدين بن علي؟

من جهته، رأى رئيس حزب العمل والإنجاز عبد اللطيف المكي، أن سعيّد “وبحكم رغبته الانفراد بالحكم، لا خيار لديه سوى الاستثمار في مواصلة الإقصاء، وليس أدل على ذلك من استهدافه لاتحاد الفلاحين بطريقة الانقلاب الداخلي (إقصاء الرئيس السابق عبد المجيد الزار، من خلال دعم نائبه وتعيينه بدلاً عنه) والآن، اتحاد الشغل”.

ولفت إلى أن “سعيّد حاول إجراء انقلاب داخلي في اتحاد الشغل من أحد أعضائه الذي عيّنه أخيراً وزيراً (يقصد محمد علي البوغديري الذي شكك في شرعية مؤتمر الاتحاد الأخير وأصبح الآن وزيراً للتعليم) ومن خلال استعمال القضاء عبر رفع قضايا ضد الاتحاد”.

وأضاف: “عندما فشلت المحاولات ولاحظ سعيّد أن الاتحاد سيمر إلى اقتراح ومبادرات تنتقده في جوهرها، توجّه إلى الاستهداف المباشر، وهي سياسة لن يسلم منها أحد، وسبق أن استعملها زين العابدين بن علي في ضرب كل خصومه”.

ولفت المكي إلى أن “خطة بن علي للانفراد بالسلطة كانت من خلال ضرب اتحاد الشغل وتدخّله في مؤتمر سوسة في 1988، وتم استهداف الحركة الطالبية من خلال الاتحاد العام للطلبة، ثم ضرب حركة النهضة، وبعدها رابطة حقوق الإنسان من خلال قانون شهير حينها”، معتبراً أن “السياسة نفسها تتواصل اليوم ولا يمكن استغرابها من سعيّد الذي يسعى للانفراد بالحكم”.

ورأى المكي أن “مشروع سعيّد سيستهدف كل المجتمع، والدليل أنه منذ الأشهر الاولى للانقلاب بدأت الحلقة المقربة من حوله تنفجر وتتخلى عنه، وبالتالي فمشروعه قائم على الانفراد والأفكار الوهمية، ولا يمكن إلا أن يتصادم مع المجتمع وبقية القوى”.

وأشار إلى أن “اتحاد الشغل وبحكم التوازنات الداخلية وطبيعته كمنظمة، حاول أن يُحدث نوعاً من التوازن مع 25 يوليو، ولكنه كان دائماً يؤكد أنه لم يعط صكاً على بياض، أي أن هناك تشاركاً، بمعنى أن الاتحاد أراد أن يرجع إلى فلسفة التشارك، ولكن موقفه تطوّر تدريجياً وأنكر الاستشارة الوطنية الالكترونية والاستفتاء والحوار الذي دعا له سعيّد، وأعلن الآن عن تقديم مبادرة جديدة، وهي في جوهرها نقض لمسار سعيّد، ولذلك تحوّل الأخير إلى الهجوم على الاتحاد بأجهزة الدولة”.

وعن الانتقادات الموجهة للمعارضة، لفت المكي إلى أنه “ليس هناك توحّد للمعارضة، ولكنْ هناك التقاء موضوعي حول الموقف من الانقلاب والأهداف، وهذا يكفي حالياً، ويمكّن من التقدم نحو الهدف مع محافظة كل كيان على طبيعته”، مضيفاً أن “وحدة المعارضة تتم نحو الموقف نفسه من سعيّد، أما البديل فيختاره الشعب من خلال العودة إلى الشرعية الشعبية عبر الصناديق ولكن بخبرة جديدة”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here