عبد السلام الدحماني لـ”أفريقيا برس”: تحقيق عدالة تنموية اختبار آخر لمؤسسات الدولة

59
عبد السلام الدحماني لـ
عبد السلام الدحماني لـ"أفريقيا برس": تحقيق عدالة تنموية اختبار آخر لمؤسسات الدولة

حوار آمنة جبران

أفريقيا برس – تونس. أشار عبد السلام الدحماني عضو مجلس النواب في تونس في حواره مع “أفريقيا برس” إلى أن “تحقيق عدالة تنموية أعقاب الانتهاء من سباق الانتخابات المحلية مؤخرا يشكل اختبار آخر لمؤسسات الدولة في ظل استشراء البيروقراطية والمركزية المتسلطة بالبلد”.

وعلق الدحماني بخصوص الجدل الدائر حول تعديل المرسوم 88 الخاص بتنظيم عمل المجتمع المدني معتبرا أن “مفهوم المجتمع المدني طالته انحرافات عديدة كما عاش حالة من الانفلات ما ساهم في الصراعات والانقسامات الأمر الذي عمق الأزمة الاجتماعية”، مبينا في الآن ذاته أنه” لا يمكن تمرير تعديل يحد أو مصادر للحريات”.

ورأى أن “الانتقادات التي تطال مسار 25 جويلية تستجيب لمصالح لوبيات بعينها ولن تؤثر في هذا المسار الذي مازال بالوسع تحويله إلى صفحة من صفحات بناء الدولة على قاعدة العدالة والحرية”، حسب وصفه.

وعبدالسلام الدحماني هو عضو بمجلس نواب الشعب الحالي عن دائرة “مارث دخيلة توجان مطماطة ومطماطة الجديدة” التابعة لولاية قابس، وهو أستاذ فلسفة وناشط بالمجتمع المدني و رئيس بلدية سابق.

كنائب تونسي، بعد مصادقة البرلمان مؤخرا على قانون يسمح للبنك المركزي بإقراض الحكومة، ماهو تعليقك بخصوص هذا القانون وهل بوسعه تخفيف الضغوط المالية والاقتصادية على البلد؟

أولا، لا يمكن الحديث عن المصادقة على مشروع قانون يتعلق بالترخيص للبنك المركزي التونسي في منح تسهيلات لفائدة الخزينة العامّة للبلاد التونسية دون وضعه في إطاره العام؛ فنظرا لحلول موعد آجال خلاص القروض التي على الدولة التونسية تسديدها وبالنظر إلى الشروط المجحفة التي يضعها صندوق النقد الدولي ومماطلته في إقراض تونس إضافة إلى تعثر السياسة المالية في تونس والتي تتطلب لإصلاحها إرادة حقيقية وخبرات وطنية تنكب على معالجة الجوهري عوض الانشغال بالعرضي..كنا أمام مفارقة صعبة إما الموافقة على القرض وإنعاش الاقتصاد التونسي وإنقاذ المالية العمومية والدولة التونسية من الانهيار التام وإما عدم الموافقة وبالتالي تسليم الدولة لشركات النهب الدولي ولعصاباتها في الداخل لمزيد التنكيل بها وفرض شروطها عليها والتحكم في مقدراتها.. لم يكن قرار المصادقة سهلا بل كان موجعا ومؤلما..

إنه خيار الضرورة شرط أن تنهمك الدولة في إصلاحات حقيقية للمالية العمومية ولتعبئة الموارد الموجودة والتي يبدو أنها أفلتت من سلطة الدولة نتيجة السياسة الاستعمارية المطبقة على الدولة منذ عصر الاستقلال ونتيجة سياسة “الغزاة الجدد” بعد ثورة 17 ديسمبر والتي كانت تهدف إلى مزيد نهب الشعب التونسي واستغلاله وسرقة مقدراته وهو ما انتهى إلى النتيجة التالية: العجز على التعويل على الذات وغياب القدرة على الإيفاء بالتعهدات الداخلية و الخارجية، و حتى محاولات الإصلاح بعد 25 جويلية كانت جزئية نظرا للخراب الحاصل من جهة و غياب الكفاءات الحقيقية من جهة أخرى في إدارة الأزمة المالية و الاقتصادية.

ورغم ذلك فإن هذا الإجراء الذي أقدم عليه البرلمان التونسي وإذ يمثل تخفيفا للضغوطات الاقتصادية التي أحكمت قبضتها وأرادت الإجهاز النهائي على الدولة فإنه يمثل أيضا إنذارا خطيرا و دعوة جادة للجميع بأن السقف سيسقط على الجميع إن لم تشفع المصادقة بإستراتيجية وطنية للإصلاح الحقيقي.

نظم البرلمان مؤخرا يوما دراسيا حول السياسية الاجتماعية في تونس، هل بوسع الدولة حسب تقديركم استعادة دورها الاجتماعي؟

البرلمان التونسي نظم يوم 12 فيفري 2024 يوما دراسيا حول السياسة الاجتماعية في تونس؛ واعتبر أن استعادة الدولة لدورها الاجتماعي لا يمكن أن يتم إلا في إطار استعادتها لقوتها بصفتها ضمانة حقوقية تقوم على مبدأ العدل.. إن دولة ضعيفة ومشتتة ستكون مجرد أداة بأيدي أصحاب النفوذ و المصالح وأن دولة تشريعاتها وقوانينها سنت من أجل حماية كارتيلات معينة وعائلات محددة دولة ظالمة تفقد شروط بقاءها، وهكذا فإن الدور الاجتماعي ليس شعارا رومانسيا وليس مسكنا لأوجاع ولأوضاع بلغت درجات قصوى من السوء وإنما شرط بقاء الدولة و استقرارها.

هناك مخاوف في تونس من تعديل المرسوم 88 الخاص بتنظيم الجمعيات باعتباره استهداف للمجتمع المدني ما رأيكم في ذلك؟

أولا، لنتفق أن مفهوم المجتمع المدني طالته انحرافات عديدة إذ تحول في بعض الأحيان إلى ما يشبه حصان طروادة الذي يزيد من إضعاف الدولة بمطلبية مشطة.. ليس الجميع في نفس السلة طبعا.. فقط الذين ينفذون أجندات معينة ويتهربون من المحاسبة ويمثلون أذرعا وفية لأحزاب ومنظمات تسعى لاختراق مؤسسات الدولة.. المجتمع المدني عاش حالة انفلات فتعمقت الأزمة الاجتماعية من خلال التقسيمات والاتهامات والصراعات و استعملت منصات التواصل الاجتماعي لأغراض التحريض وغيرها.. لماذا الخشية من تحوير المرسوم إن لم يكن هنالك ما يجعل من هذا المرسوم إطارا يحقق مصالح معينة ؟ ولماذا لا يكون التحوير تجسيدا حقيقيا لما ينبغي أن تقوم به الجمعيات في إطار المسؤولية القانونية ؟ وفي كل الأحوال فإنه لا أحد بإمكانه أن يصادق على تحوير يفضي إلى مصادرة حريته أو سلبها.

ما تقييمكم لمعركة الدولة ضد الفساد، ومتى تنتقل من مرحلة الحرب على الفساد إلى مرحلة البناء؟

المعركة ضد الفساد معركة صعبة لأن الفساد قد تغلغل في مفاصل الدولة حتى أنه أصبح الوجه الآخر لها إذ أنه ساير نشأتها ونموها وأسهم في بناءها حتى في إطار التقسيم الإداري وتحديد الأقاليم وغيرها بل وأنتج ترسانة من القوانين التي تحولت إلى سلوكات تنموية و إدارية لها من القداسة ما لا يمكن كسره بسهولة. الانتقال إلى البناء كان يمكن أن يكون سهلا لو كان الفساد جهة واضحة المعالم..بل لو كان الذي يقاوم الفساد حاكما له من الصلاحيات ما له أو ديكتاتورا أو حزبا مهيكلا منتشرا و منظما… لسنا إزاء هذا ولا نرغب في هذا حقيقة..فعصر الديكتاتورية ولى والتنظيم التقليدي للأحزاب تقادم حتى انهار.. قد يكون مسار مقاومة الفساد متعثرا وقد يكون بطيئا وقد ينتابه التعطل بسبب الأشخاص الذي تم انتدابهم للمعركة ضد الفساد الذين لا خبرة لهم ولا نصوص قانونية تحميهم..و لكن كل ذلك لا يدفعنا إلى القول أنه لا وجود لمعركة ضد الفساد أو توجه لمحاربته..، ستنتصر تونس و لو بعد زمن؛ البداية ببناء المؤسسات وهذا ما يتم وبمحاصرة الفساد وهذا ما يتم وبتحرير البلاد من لوبيات وقطاع طرق يقومون بدور التعطيل والإرباك وصناعة الأزمات وإثارة الفتن وهذا ما يجب أن يتم.

ما تقييمكم للانتخابات المحلية و ما مدى تأثير مجلس الأقاليم في المشهد البرلماني؟

إن تقييم الانتخابات المحلية يضعنا أمام الملاحظة التالية أنها لم تكن واضحة بالنسبة لبعض المترشحين وحتى لجزء كبير من الناخبين إذ تم الخلط بينها و بين انتخابات مجلس النواب بينها والانتخابات البلدية.. وما يمكن أن يقوم به مجلس الأقاليم في المشهد البرلماني يبقى رهين القانون المنظم للعلاقة بين الغرفتين ومدى استعداد جميع الأطراف للعمل المشترك.

هل تقدر تونس على تجاوز أزمة التنمية وتحقيق عدالة تنموية في الجهات المهشمة مثل الجنوب بعد انتهاء الانتخابات المحلية؟

هذا امتحان آخر لمدى قدرة المؤسسات على الإفلات من قبضة البيروقراطية الإدارية والمركزية المتسلطة..كل المؤشرات تقول أنه بالإمكان تحقيق العدالة التنموية حتى أن التحديد الجديد للأقاليم يندرج في هذا الإطار، و يبقى فهم النواب لأدوارهم الحقيقية وإرادتهم في تجسيد هذا المطلب من خارج مطبات نزاع الصلاحيات وإلحاح المطلبية الضيقة.

مع ترقب الانتخابات الرئاسية في تونس أواخر السنة الجارية، هل أن محاكمة المعارضين ستحدث فراغا سياسيا في الرئاسيات المقبلة؟

أولا مصطلح محاكمة المعارضين ليس دقيقا لأنه لا يصف ما يقع بدقة..المحاكمة لكل من يشتبه في تورطه في قضايا فساد والمحاكمة تجرى في احترام لشروط التقاضي وبالنهاية فإنها حتى وإن كانت محاكمة للمعارضين الذين بإمكانهم الدفاع عن براءتهم فإنها ليست محاكمة للمعارضة ككل.. أكثر من ذلك فإن وجوها سياسية عديدة مألوفة سئمها التونسيون والتونسيات ولم تعد تمثل خيارا بالنسبة لهم وعلى الساحة السياسية أن تعيد النظر في رؤاها وتصوراتها حتى تكون مغرية ومقنعة مثلما ينبغي لها أن تفرز أشخاصا بإمكانهم المنافسة في سباق رئاسة الجمهورية.. لا أن يبرروا لفشلهم السياسي بحجج واهية.

ما رأيكم في الانتقادات التي تطال مسار 25 جويلية بأنه مسار فردي برفض الرئاسة التشاركية وتهميش دور الأجسام الوسيطة؟

الانتقادات التي توجه لمسار 25 جويلية استجابة لمصالح لوبيات وكارتيلات معينة وهي انتقادات لن تؤثر في المسار و لو استعملت حجج التفرد بالسلطة والاستئثار بها.. الانتقادات التي توجه للمسار تحت هدف تقويضه واسترجاع السلطة السياسية لا يمكن أن تكون مثمرة ولو استدلت بالتشاركية وبإطلاق الحريات دون حدود.. فالذاكرة ما زالت تسعفنا بما انتهت إليه هذه الأطروحات من تحويل للشأن العام إلى حلبة صراع ومسرح رديء.

نقد مسار 25 جويلية بهدف تحصينه وضمان تطهيره من المرتزقة والانتهازيين الذين يتكلمون بإسمه لأغراض مصلحية أو انتقامية أو تسلطية هو النقد الذي يجب تبنيه و الانخراط فيه، 25 جويلية ليست شخصا ولا لحظة عادية من لحظات التاريخ..إنه الاستثناء التاريخي الذي بالإمكان تحويله إلى حدث وإلى صفحة من صفحات بناء الدولة على قاعدة العدالة و الحرية..

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here