..عن المسيرة الحمراء

14
..عن المسيرة الحمراء
..عن المسيرة الحمراء

افريقيا برستونس. نصرالدين السويلمي ملاحظات توغلت في عمق مسيرة 27 فيفري *لأوّل مرّة أو لعلّها من المرّات النادرة التي يتغيّر فيها سطح المسيرة ولا يأخذ لون الطرف المشرف وإنّما لون راية البلاد، حتى مسيرات النّهضة السّابقة وإن حضرت فيها الراية الوطنيّة إلّا أنّ راية الحزب كانت غالبة. وكانت مسيرات زرقاء مشوبة بحمرة، فقط وفي مسيرة 27 فيفري كان اللون الأحمر هو الغالب بل المكتسح. ذلك يعكس إصرار النّهضة على مواصلة المصالحة مع دولة ما بعد سبعطاش ديسمبر، في محاولة لتسوية إرث طويل من المعارك بين تلك الحركة التي كانت في عنفوان اندفاعها والدولة التي كانت في عنفوان بطشها.

*مسيرة قويّة لعلّها الأكبر في تاريخ تونس، مصحوبة ببيان ختامي ليّن، كلمة جامعة مجمّعة ألقاها زعيم الحركة، سلوكات متسامحة جانحة إلى التعايش صادرة عن جماهير 27. هكذا تكون المسيرة جمعت بين القوّة المحمودة والنعومة المنشودة، تحشيدا قويّا وخطابا ناعما.

*نظرا لضعف التحشيد لدى الأحزاب التونسيّة عادة ما تقدر بعض وقفاتها بالعشرات، مثلا من 50 إلى 70 متظاهر”، وإن تحسّن الأمر فبالمئات، مثلا من 200 إلى 300 متظاهر” وإلّا فإنّها الآلاف، مثلما وقع في مسيرة الــ 60+الاتحاد، حين ذهبت التقديرات إلى أنّها ما بين 2000 و 2050، تماما كما مسيرة الدستوري الحرّ من 2500 إلى 3000.. بل وحتى مسيرات أخرى نشّطتها النّهضة كان الحديث يدور عن تقديرات ما بين 20 إلى 30 ألف، إذا استثنينا مسيرة الشرعيّة 2013. بينما شهدت مسيرة 27 فيفري نقلة نوعيّة، تحول الحديث عن تقديرات تراوح بين 100 ألف و 150 ألف وأخرى تتحدّث عن 150 ألف إلى 200ألف، أصبحت عشرات الآلاف لا تعني الكثير، وصلنا إلى فوارق الــ 50 و 100 ألف.

*كشفت مسيرة 27 فيفري عن مفارقة عجيبة، ذلك أنّ خصوم النّهضة الذين تعوّدوا على شنّ الحملات ضدّ الحركة بشكل متزامن وتحت عناوين مدروسة وبنسق متفق عليه بين الجمعيّات والأحزاب والإعلام، طرحوا خلال مسيرة السبت خيارين اثنين، إمّا التركيز على نهاية النّهضة إذا فشلت المسيرة في الصعود فوق سقف 20 ألف إلى 30 ألف، وستتحوّل المسيرة الفاشلة إلى مادّة خصبة طوال الأسبوع، وما تعنيه من نهاية النّهضة ومن إحالات أخرى مردوا عليها. أو اعتماد الخيار الثاني وهو الذي يطعن في نجاح المسيرة، حينها سيتمّ التركيز على حزمة من المآخذ منها التحشيد زمن كورونا والتبذير ومصدر التمويل وكمّ الأموال التي صرفت.. وتلك طريقة سبق إليها سعيّد في القيروان وباتت وأصبحت عليها جلّ تشكيلات النّهضوفوبيا.

*معركة أخرى صامتة دارت وسط كلّ ذلك الزخم الجماهيري، واعتمدت استراتيجيّة الذئاب المنفردة، تمثّلت في زرع الذئاب الإعلاميّة والمثليّة والأخرى التي تميل في مظهرها عبدة الشيطان، ومن ثمّ العمل على استفزاز الحشود للفوز بلكمة أو صفعة أو ركلة وليس أقلّ من الدفع الذي يمكن تهجينه إلى مستوى اعتداء سافر، سيتمّ تحويله إلى مكينة الاستثمار. وفكرة الذئاب المنفردة تلجأ إليها قوى اليأس حين يكون الجسم المستهدف في كامل الجاهزيّة ويتمتع بتحصينات سميكة على مستوى السور الواقي أو لجان الإعداد المادي والأدبي، ولمّا كانوا على يقين بأنّ تضاريس المسيرة الكبرى من خطاب وبيان ختام وكلمات وشعارات، لا يمكن الاستثمار فيها لأنّها مغلقة بشكل محكم وتمّت تنقيتها بعناية، لذلك اعتمدوا على الذئاب المنفردة ودفعوا بها إلى العمق على أمل الفوز بما يسدّ رمق الإعلام الهائج والنخب المفلسة.

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here