قمّة وأزمات في تونس

15
قمّة وأزمات في تونس
قمّة وأزمات في تونس

سمير حمدي

أفريقيا برس – تونس. حرصت السلطة السياسية في تونس على إنجاح قمة الفرنكوفونية من الناحية التنظيمية، وبدا وكأنها بصدد خوض تحدٍّ لإثبات قدرتها على ضمان أفضل الظروف لنجاح فعاليات مؤتمر دولي تحضره جهات دولية متعدّدة. وهذا ما أشار إليه رئيس الجمهورية، قيس سعيّد، في خطابه الافتتاحي، حيث أكد أن “انعقاد هذه القمة ثمرة عملٍ جماعي متواصل بإرادة صلبة لتنظيمها في أفضل الظروف وإنجاحها لنصل إلى نتائج ملموسة وفعلية”، وتابع: “رغم كل العراقيل وكل التغيرات، فإن تونس كانت وفية لالتزاماتها بانعقاد القمة”.

والواضح أن هذا الحرص من السلطة الحالية على إنجاح القمة يندرج ضمن سياساتها التي ترغب في تغيير صورتها الخارجية، وإثبات أنها تحقق نجاحاتٍ في إدارة الدولة بشكل أفضل مما كانت عليه، خصوصا في ظل النقد الدولي المتكرّر لمرحلة ما بعد 25 يوليو (2021) التي شهدت إجراءات كانت بمثابة إلغاء لكل مكتسبات السنوات العشر الماضية في مجالات الحريات العامة وحرية التعبير والتداول على السلطة، فهاجس توجيه الرسائل إلى الخارج هو المسيطر على السلطة الحالية أكثر من أي جانب آخر، بما فيه الاهتمام بالمشكلات الداخلية المتصاعدة والأزمات المتكرّرة، ففي وقت كانت الاستعدادات للقمة على قدم وساق كانت مدن تونسية تشهد حالة من الاحتقان الاجتماعي، فالتظاهرات عمّت مدينة صفاقس العاصمة الاقتصادية للبلاد، بسبب مشكلة النفايات وعجز السلطات المركزية والمحلية عن إيجاد حلول لتصريف القمامة التي تكدّست، وتحوّلت إلى كارثة بيئية وصحية بشكل غير مسبوق، وبالتوازي مع مشاهد الاحتجاجات في صفاقس، تواصلت التحرّكات الشعبية في مدينة جرجيس (جنوب شرق)، احتجاجا على عدم جدّية الدولة إزاء ملف القارب المفقود في البحر المتوسط منذ نحو شهر ونصف.

الغريب أن السلطة تعاملت مع هذه الملفات بنوعٍ من اللامبالاة، بالإضافة إلى التركيز على الحلّ الأمني في تفريق الاحتجاجات والرد عليها بقوة الدولة، بعيدا عن أساليب الحوار والبحث في أسباب الأزمة بواقعية من أجل إيجاد حلول لها. وهو ما يكشف عن طبيعة الوضع الحالي في إدارة الملفات الاجتماعية، وإذا أخذنا بالاعتبار ما تشهده تونس حاليا من أزمات الدواء والغذاء والوقود، فيمكن القول إن السلطة اختارت أسلوب الإنكار بمعنى تجاهل الأزمات، مع السعي إلى تقديم صورة مغايرة للواقع على الأقل للأطراف الخارجية التي تتعامل معها، وهو ما يكشف عن حالة من الانفصال بين السلطة السياسية والواقع الاجتماعي الذي تتعامل معه بنوع من الفوقية التي لا مبرّر لها.

النظام شبه السلطوي الذي هو بصدد التشكّل لا يزال غير مدرك طبيعة التوجهات السياسية والاجتماعية التي عليه اعتمادها، وتعود هذه الضبابية إلى عدة أسباب، منها غياب حزب حاكم يتولى تسيير البلاد وفق خياراته السياسية، فتونس الحالية تخضع، في الواقع، لما يمكن تسميتها حكومة الإدارة، أي سلطة موظفي الإدارة، وهؤلاء وإن كانوا قادرين على تسيير الشأن اليومي وتطبيق الأوامر، إلا أنهم يفتقرون إلى الخيال السياسي والروح الإبداعية والقدرة على إيجاد حلول للمشكلات، وهذا ما يفسّر ردود أفعال المسؤولين المحليين التي تتصف بالتشنّج، وعدم القدرة على استيعاب مطالب المواطنين واحتجاجاتهم، إلى الحد الذي دفع والي صفاقس إلى المطالبة بإيقاف مواقع التواصل الاجتماعي، معتبرا إياها سبب الأزمة، متجاهلا حقيقة أن ما يتناقله الناس على هذه المواقع هو نتاج سوء التصرّف إزاء أزمات واقعية، مثل مشكلة التصرّف في النفايات وحالة التدهور في المستوى المعيشي وغلاء الأسعار المتصاعد بشكل غير مسبوق. ومن أسباب سوء إدارة الأزمات اعتقاد رأس السلطة أن مشكلة البلاد تكمن في النصوص القانونية وتغيير مواد الدستور، وكأنما تغيير النصوص يغير الواقع. والحقيقة أن حرفية القوانين في كل دولة سليمة تكون ضئيلة الأهمية، إذا ما قورنت بالممارسة الحية للمبادئ التي أفرزت القوانين، بالإضافة إلى قدرات رجل الدولة في إدارة المشكلات وتزايد مهارته رسوخا وثباتا في تدبر أمر الأوضاع الطارئة والأزمات غير المتوقعة.

النجاح الحقيقي لأي دولة يتجاوز مجرّد المجال التنظيمي للمؤتمرات والملتقيات على أهميته، بقدر ما يكمن في حل الأزمات الاجتماعية والسياسية المتراكمة، وفتح مجال النقاش العمومي عبر حوار وطني يجعل جميع الأطراف الاجتماعية والسياسية شريكةً للدولة في مجاوزة الأزمات وإيجاد الحلول، وهو ما يتطلب، قبل كل شيء، القدرة على فتح المجال أمام الجميع للمساهمة عبر الفعاليات المختلفة للوصول بالبلاد إلى برّ الأمان.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here