مسعود الرمضاني لـ”أفريقيا برس”: رفض الرئاسة يُصعب فرص نجاح الحوار الوطني

29
مسعود الرمضاني لـ
مسعود الرمضاني لـ"أفريقيا برس": رفض الرئاسة يصعب فرص نجاح الحوار الوطني

أفريقيا برس – تونس. أشار الناشط الحقوقي مسعود الرمضاني في حواره مع “أفريقيا برس” إلى أن تعنت الرئاسة ورفضها للحوار الوطني خاصة منذ انطلاق أشغال البرلمان الجديد، يصعب فرص نجاح مبادرة الحوار التي يرعاها الاتحاد العام التونسي للشغل، والتي تهدف لتنظيم حوار وطني مع الرئاسة يكون بمثابة خارطة طريق لإدارة أزمات البلاد.

ورأى الرمضاني أن مشروع الرئاسة مازال محدودا على أرض الواقع إضافة إلى ضبابية توجهاته فيما يخص الأزمة الاقتصادية، كما لا يوجد احتراما لعمل البرلمان واستقلاليته مستبعدا قدرته على إرساء تشريعات تتماشى ومع مطالب مشاغل التونسيين خاصة على صعيد حقوقي.

ومسعود الرمضاني هو عضو اللجنة التنفيذية الأورومتوسطية للحقوق، والرئيس السابق للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

حوار آمنة جبران

هل تعتقد أن اتحاد الشغل سينجح في تنظيم حوار وطني وهل مازال ضروريا في هذه المرحلة ؟

نعم الحوار الوطني في المطلق يعد ضروريا، فنحن في وضعية اقتصادية واجتماعية وسياسية صعبة جدا تستجوب الحوار، أما عن مدى نجاح اتحاد الشغل في تنظيمه فإن هناك عوامل عدة تدل على أنه من الصعب تحقيق ذلك ذلك إذا لم يكن مستحيلا، فقد طرح الاتحاد الحوار منذ قرابة سنتين مع السلطة المركزية وهي خطوة معقولة باعتبار أن الأوضاع تستوجب ذلك في حين أن السلطة رافضة لحد الآن الحوار، وقد قالت الرئاسة مؤخرا أنها أغلقت الباب أمام الحوار نهائيا ومن يريد ذلك فليذهب إلى مجلس نواب الشعب،وأعتقد هذا طريقة من طرق التهرب من المنظمات.

مع ذلك يطرح الاتحاد الآن ويقول أنه سينشره إلى عموم التونسيين لكن يبدو من الصعب جدا التواصل إليه في غياب السلطة وفي ظل التصريحات حول المعنيين بالحوار: هل هي كل القوى الحزبية والسياسية الموجودة في البلاد أم هناك اختيار واشتراط الاعتراف بمسار 25 جويلية، هناك تصريحات متضاربة بهذا الشأن، هذا كله يترك بعضا من الضبابية، الضبابية الأخرى حول خيارات الاتحاد إذا رفضت السلطة الحوار بشكل مطلق ، هل ستكون هناك أوراق ضغط أخرى، هل الاتحاد يمتلك أوراق ضغط، هل سيستعمل هذه الأوراق، هل هناك ضغوط سيستعملها مثل اعتصامات أو تحركات سلمية على شاكلة ما وقع خلال سنة 2013 كاعتصام باردو، هذا ما لا علم لنا به، كل ما نعلمه أن تنظيم الحوار سيكون صعبا في ظل رفض السلطة المركزية خاصة رئيس الجمهورية أي حوار مع هذه الأجسام الوسيطة.

هل تعتقد أن الأحزاب والمنظمات الوطنية مازال لها تأثير بعد 25 جويلية، وهل ستنجح الرئاسة بعد فرضها نظام جديد في معالجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، كيف تقيم مشروعها؟

في اعتقادي منظمات المجتمع المدني تسرعت نسبيا بعد 25 جويلية بعد أن قبلت دون شروط الوضع الجديد الذي فرضه رئيس الجمهورية ، تداركت الأمر فيما بعد لكن منظمات المجتمع المدني ومنها اتحاد الشغل تواجه صعوبات داخلية عديدة وإرهاصات وتعب وحالة من صلب الشعب الذي بات رافضا لكل الأحزاب والمنظمات الخ.. هذا ما يجعل الأوضاع صعبة جدا، كذلك مصداقية المجتمع المدني في الميزان بما فيها مصداقية اتحاد الشغل، الوضع بصفة عامة هو وضع صعب اقتصاديا اجتماعيا سياسيا يعني على كل المستويات، هناك حالة من الإنكار لهذه الأوضاع لا بد من الاعتراف بهذه المشاكل ولا بد من الاعتراف أنه لا نستطيع الخروج من هذه الأوضاع إلا بحوار حقيقي مع منظمات المجتمع المدني ومع الأحزاب والخبراء، لكن حاليا هناك صعوبة كبيرة لتحقيق ذلك نظرا لرفض السلطة الحوار كما ذكرت، كما لم يعد هناك اعتراف بدور هذه المنظمات الوسيطة وعليها أن تختار بين أن تفرض نفسها كبدائل أو كقوى ضغط وإلا ستواجه صعوبات قد لا تعرف كيف تتخطاها مستقبلا.

أما عن تقييمي لمشروع الرئاسة إلى حد الآن مردوده على مستوى الواقع ظل متواضعا، أما على المستوى السياسي هناك ضبابية كبيرة ورفض للأحزاب السياسية وللنقد ولكل صوت معارض ولحرية الصحافة خاصة من خلال المرسوم 54، وفي نفس الوقت هناك أوضاع اقتصادية واجتماعية بشهادة كل الأطراف الداخلية والخارجية التي تقر بأنها أوضاع صعبة جدا مع تراجع الترقيم السيادي وتعثر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وفقدان للمواد الأساسية وسط حالة إنكار لهذه الأوضاع، في حين أن أي أزمة تستجوب حلين إما: حوار داخلي قوي، أو الاعتراف بالأزمة والاعتراف بأسبابها من أجل حلها، والاعتراف بالأسباب الحقيقية مثل أزمة الحبوب الناجمة عن حرب أوكرانيا، الجفاف، ندرة المياه، إذن دون الاعتراف بكل هذه الأزمات سنبقى بذلك بدون حلول في ظل غياب تشخيص حقيقي.

تعيش تونس أوضاعا معيشية صعبة نوعا بسبب أزمة الخبر وأزمة التعليم، لماذا لا يقع الالتفاتة إليها أكثر بتركيز عليها والابتعاد عن التجاذبات السياسية؟

هي أزمة متعددة ليست سياسية أو اقتصادية فقط، بالنسبة للأزمة الاقتصادية هي نتيجة وضع عالمي وتداعيات الحرب الروسية- الأوكرانية، حيث تستورد تونس قرابة 50 بالمئة من الحبوب من هذه الجهات،ومازلت وضعية الحرب مستمرة، إضافة إلى وضعية الجفاف، أزمة سيولة تجعلنا غير قادرين على توفير الإيرادات من الحبوب وطبعا أزمة الاحتكار، لكن اختزال الأزمة في الاحتكار فقط يجعلنا لا نفهم أبعادها، تضاف إليها أزمة سياسية، وإنكار لهذه الأزمة سنصبح كما ذكرت غير قادرين على حلها، وفي اعتقادي الحل السياسي هو البداية لإمكانية إيجاد حلول لهذه الأزمات مثلا كيف سنتعامل مع صندوق النقد الدولي ومع الأوضاع الفلاحية مستقبلا ، كيف سنستثمر الأمطار الأخيرة وأزمة المياه وغيرها، هذا كله يستوجب تظافر جهود الخبراء والسياسيين والسلطة وأحزاب ومنظمات من أجل إيجاد هذه الحلول.

هل باتت الحريات في تونس بالفعل مهددة بعد مسار 25 جويلية أم هي حجة المعارضة في الضغط على الرئاسة؟

أعتقد أن هناك تهديدا حقيقيا للحريات في تونس منذ 25 جويلية، هناك محاكمات وإيقافات لنشطاء على فيسبوك، هناك محاكم عسكرية، هناك ناس وقعت تحت الإقامة الجبرية ثم وقع إطلاق سبيلها دون تفسير،هناك إيقافات سياسية والمرسوم 54 الذي يهدد حرية الصحافة، كل هذا يشكل تهديدا لحرية التعبير، هناك وضع كامل من الخوف والريبة وهذا لا يدعم الحريات طبعا، ففي حين تقول السلطة أنه لا خوف على الحريات لكن في الواقع هناك خوفا حقيقيا على الحريات في تونس وهذا ما يجر الناس إلى امتناعهم عن التعبير عن أرائهم ولن يبقى بذلك إلا صوت واحد وهو صوت السلطة، وهو وضع مخيف في الحقيقة لأنه تعودنا رغم الصعوبات التي كانت موجودة قبل عشرة سنوات، لكن على الأقل لدينا هامش من الحرية وهامش من الديمقراطية وهامش من الفضاء العام للالتجاء إليه ضد كل الممارسات التعسفية، لكن هذا الفضاء بدا يتناقص ويتقلص وهو أمر محير طبعا.

هل تتوقع أن يقوم البرلمان بتعديل المرسوم 54 وسط تصاعد المطالبات بذلك من أحزاب موالية ومعارضة؟

في اعتقادي أن هذا البرلمان ينبع ومولود من خضم هذا الوضع الموجود حاليا، ونحن نرى اليوم كيف أن الصراعات في البرلمان بعيدة عن الصراعات الموجودة من أجل المراسيم وفتح المجال للمعارضة، بل أن البرلمان الآن مهتم باشكالياته الداخلية التي لا تكترث للحريات ولا يكترث بما تعيشه البلاد من أزمة على كل المستويات.

نحن نرى اليوم حديثا على محاولة الانقلاب على رئيس البرلمان أو الصراعات بين الكتل ، في حين لا يوجد قانون إلى حد الآن يسير في اتجاه ما يصبو إليه الشعب وهذا لا يفاجئني ، لأن هذا البرلمان بانتخابه بنسبة تأييد شعبية محدودة أو بطبيعة الأشخاص المتواجدة فيه مع احترامي وتقديري للجميع، لكن لا يوجد ما يدعوا للتفاءل على أن هؤلاء سيحملون آمال الشعب، فقط هم منشغلون بصراعاتهم حول الكتل لا علاقة لهم بمشاغل الناس، كذلك هناك جانب آخر حيث لم أرى أن هناك احتراما لهذا البرلمان من قبل السلطة المركزية أو احترام لاستقلاليته وعمله، هذا لا يجعلني أتفاءل بهذا البرلمان.

كيف تقيم التعاطي الحكومي مع أزمة الهجرة الغير الشرعية بصفتك رئيسا سابقا للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية؟

لم تظهر الحكومة إلى حد الآن قدرتها على حل هذه المشاكل وليس لها تصورات ورؤى، بينما يشعر الشباب أنهم دون أفق في بلدهم فطبعا سيواصل التفكير في الهجرة سواء الهجرة النظامية أو الغير نظامية، وقد رأينا في الأشهر الأخيرة ارتفاعا مستمر في هجرة الكفاءات،هناك حملة لمغادرة البلاد وهذا مؤسف جدا ، بينما تعامل السلطة هو تعامل عادي في حين أوروبا تريد من اليوم أن نكون حراسا لحدودها بالوكالة، مقابل تمويلات وهناك اجتماعات تعقد في برلمانات أوروبا ودول جنوب أوروبا وكلها تسير في اتجاه واحد وهو أنه إذا وقعت أزمة في تونس كيف بإمكانهم إيقاف الهجرة، فهذا هو الهم الأوروبي الأساسي حتى تلعب تونس دور الحارس وفي وضعها الحالي تلعب هذا الدور لإيقاف الهجرة سواء من جنوب الصحراء أو من تونس.

وطبعا تونس مستعدة للعب هذا الدور، ونلاحظ أن هناك عودة شبه يومية للمهاجرين إلى تونس،هناك حراسة للحدود تقوم بها بلادنا إضافة إلى الدور الجزائري في هذا المجال أيضا، كما نلاحظ الحملة عنصرية الموجودة في تونس ضد المهاجرين ، كل هذه المعطيات تجعل الهجرة الغير نظامية تتفاقم وفي نفس الوقت محاولة تقنينها تبقى دائما عملية صعبة باعتبار أن الشريك الأوروبي يدعو دائما إلى إيقاف الهجرة من تونس دون تقديم حلول، كما أن تونس مستعدة كذلك لأن تلعب هذا الدور دون حل الإشكاليات المتعلقة بالمواطنين أو المتعلقة بالمهاجرين القادمين من جنوب الصحراء.

حسب رأيك وبناء على إحصاءات المعهد الوطني للإحصاء فإن الجالية التونسية في الخارج والمتمكنة ماليا تتجاوز 150 ألف شخصا، هل تشجيع هؤلاء وتسهيل الإجراءات القانونية لقيامهم ببعث مشاريع صغيرة ومتوسطة داخل تونس ألا يساهم ذلك في تشغيل العاطلين عن العمل وتفعيل الحركة الاقتصادية في البلاد بشكل سريع وملموس؟

طبعا إذا كانت هناك مشاريع تؤسس إلى مؤسسات صغرى فهي خطوة جيدة، لكن هناك إشكاليات في البيروقراطية الموجودة التي أحيانا ما تكون سببا في عرقلة عديد المشاريع، لكن في تقديري لا بد من الحد من هذه الهجرة ليس من خلال الحل الأمني بل من خلال خلق مشاريع لمساعدة الشباب على العمل، وفي اعتقادي اليوم نحن في وضعية صعبة جدا فالحلول ممكنة، لكن الحلول التي تخلقها السلطة محدودة ولا بد من رؤية وبرنامج لمعالجة ظاهرة الهجرة تتجاوز النظرة الحالية ويكون لديها برنامج طويل عن طريق مشاركة الخبراء والأحزاب السياسية والمجتمع المدني، باعتبار أن الخروج من الأزمة الحالية التي تشمل بقية المجالات على غرار الهجرة ليس مرتبطا بالسلطة الحالية، بل مرتبط بكل الفاعلين السياسيين والمدنيين الذي بإمكانهم أن يلعبوا دورا وبامكانهم مساعدة البلاد في الخروج من أزمتها، فخروج السلطة بمفردها من هذه الأزمات أراه مستحيلا ومن العنتريات التي ممكن أن تؤدي إلى مزيد تأزم الوضع.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here