من أين تأتي بالفصاحة السياسية يا قيس، في حين يتوه على فم السّاسة التعبير؟

40

حياة بن يادم

منذ أن تمّ تتويج قيس سعيد بعرش قرطاج بنسبة 72.71 بالمائة من الأصوات المصرحة بها، وأداءه اليمين الدستورية في الجلسة العامة الممتازة بالبرلمان، و الرجل يرسل برسائل، يعلن فيها انتماءه السياسي لثورة 17 ديسمبر، قاطعا مع المنظومة القديمة.

و يعتبر مجرد التفكير إلى الوراء بمثابة اللهث وراء السراب و التغريد خارج سياق التاريخ. كما يؤكد انتماءه لهوية الشعب التونسي العظيم، ليعاهد شعبه للعمل معه بصدق.

ينطلق الرجل بدون مقدمات في انجاز ما وعد، إذ شهدنا يوم تاريخي بامتياز، إنه يوم 29 أكتوبر2019، أستطيع أن أعنونه بتاريخ الإقالات أو الاستقالات تحت الضغط من العيار الثقيل. حيث شهدنا إقالات بالجملة، وزير الخارجية و وزير الدفاع و القائمة تطول.

كما طلب من رئاسة الحكومة، إعطاء الإذن لمصالح الرقابة المالية لإجراء عملية تدقيق مالي شامل للمصالح الإدارية التابعة لرئاسة الجمهورية.

يشارك رئيس الجمهورية أهالي القيروان للاحتفال بالمولد النبوي الشريف، مصرّحا بهذه المناسبة أن القيم الحقيقية للاسلام، هي الاستقامة بكل مجالات الحياة قائلا: لما سئل الرسول صلي الله عليه و سلم ما هو الاسلام؟ قال “قل آمنت بالله ثمّ استقم” و يا ليت هذا الحديث يكتب على كل جامع و على كل مسجد”.

و كأني به يرسل رسالة للسّاسة مفادها أن يكون عنوان الحكومة القادمة هي “الاستقامة” و معناها الصدق في العمل و محاربة الفساد.

كما قام بزيارة ميدانية يوم الأحد 10 نوفمبر 2019، قصد معاينة عدد من المصبات العشوائية بالعاصمة، ليتأثر بوجود طفل بين أكوام القمامة.

و هي رسالة للسّاسة المتصارعين على السلطة التنفيذية عنوانها ماذا لديكم دون الصراع من برامج لانتشال الطفولة المشرّدة؟.

يكلف رئيس الجمهورية قيس سعيد رئيس الحكومة يوسف الشاهد برسائل موجهة إلى الخارج، منها الجزائر و فرنسا و إيطاليا. لكن المتابعين للشأن العام يعتبرونها رسائل موجهة كذلك إلى الداخل.حيث تمت ملاحظة الانسجام الحاصل بين رأسي السلطة الرئاسية و التنفيذية، منذ اليوم التاريخي المذكور سابقا.

و كأنّي بقيس الذي وصف سابقا أنه لا طعم و لا رائحة له في عالم السياسة، يغمز للسّاسة برسالة مفادها “إن تقطّعت بكم السبل فاذهبوا إلى قصر قرطاج فإن فيها حاكم عادل يتقن لغة السياسة”.

في حين، و منذ إعلان نتائج الانتخابات التشريعية 2019، و الأحزاب الفائزة تعيش على وقع مفاوضات تشكيل الحكومة، التي اتسمت بالكرّ و الفر،ّ لتتعطل لغة التفاوض.

و يجد حزب حركة النهضة الفائز الأول بالانتخابات التشريعية 2019، في وضعية “بلوكاج”، نظرا للشروط التعجيزية لبقية الأحزاب الفائزة للدخول في شراكة معها.

على إثر الدورة 33 لمجلس شورى حركة النهضة بتاريخ 9 نوفمبر 2019، و التي تمسكت بحقها في ترشيح رئيس الحكومة الجديدة من داخلها، إلى جانب ترشيح رئيس حركتها لمنصب رئيس البرلمان، تنطلق النهضة في جولة جديدة للمفاوضات حول تشكيل الحكومة قصد كسر “البلوكاج”.

حيث تم يوم 11 نوفمبر 2019، لقاء بين رئيس حركة النهضة و مؤسس التيار الديمقراطي محمد عبو، و بالتوازي لقاء ثاني بين ممثلي حركة النهضة مع حركة الشعب.

ينتظر اجتماع ثالث بين التيار و حركة الشعب، التي تتقاطع مصالحهما الحزبية على حساب أحقّية النهضة في تشكيل الحكومة، و لا ندري هل سيخرجان من حالة التوهان؟ و يعبّران بنضج سياسي عن الأمانة التي وضعها الشعب التونسي العظيم، و التي مفادها “أننا اخترناكم ليس لإقصاء أبناء الوطن بل لبناء الوطن”.لكل ما سبق، أتساءل من أين تأتي بالفصاحة السياسية يا قيس، في حين يتوه على فم السّاسة التعبير؟

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here