وساطات جديدة لحلحلة الأزمة السياسية في تونس

10

دفعت القطيعة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المنظمات الوطنية في تونس إلى تقديم مبادرات ومقترحات جديدة في مسعى لتجاوز الأزمة السياسية والدستورية التي باتت تهدد بانزلاق البلاد نحو مواجهة جديدة لكن في الشارع هذه المرة، ما يضع أمن تونس على المحك.

وأعادت حالة الانسداد السياسي التي تعيش على وقعها البلاد الرباعي الراعي للحوار في 2013 والمكون من أربع منظمات وطنية إلى الواجهة، حيث تسعى هذه الأطراف إلى تقديم مبادرة تستهدف وضع حد للأزمة السياسية الحالية.

وبعد أن باءت مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل، أحد أبرز الأطراف المشاركة في حوار 2013 الذي جاء في خضم استقطاب حاد بين العلمانيين والإسلاميين، بالفشل، كشف عميد المحامين إبراهيم بودربالة، الأربعاء، عن أن المنظمات التي ساهمت في الحوار الوطني في وقت سابق وعملت على إنجاحه ستعقد في الأيام القليلة القادمة اجتماعا للخروج برؤية مشتركة لتقديم مبادرة حول الرؤى المستقبلية في البلاد.

ووسط شحن إعلامي وسياسي بين الفرقاء عمّق الأزمة السياسية التي تعيشها تونس، أكد بودربالة في تصريح لإذاعة محلية أن “لقاء جمعه مساء الثلاثاء مع الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نورالدين الطبوبي في هذا الإطار، وأن الأخير سيتولى التنسيق بين مختلف الأطراف”.

وأشار إلى أن الأطراف المعنية هي “الرباعي الراعي للحوار الوطني سابقا والمتمثلة في الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية في البلاد) والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (اتحاد أرباب العمل)، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، وعمادة المحامين”، لافتا إلى أن ذلك سيتم دون تدخل الأحزاب.

ويأتي ذلك في وقت يحتدم فيه الصراع السياسي بين رأسي السلطة التنفيذية. وبينما يرفض الرئيس قيس سعيّد أداء اليمين الدستورية للوزراء الجدد المقترحين في التعديل الوزاري، ويعتبر أنه تحوم حولهم شبهات فساد، يتمسك رئيس الحكومة هشام المشيشي بإقرار التعديل مسنودا بالحزام السياسي لحكومته (حركة النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة).

وأفاد جمال مسلم، رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، بأن “تونس لم تستغل التتويج بجائزة نوبل للسلام، وكان على المنظمات الراعية للحوار في 2013 أن تتحمل مسؤولياتها أكثر من أي وقت مضى لتلعب دورا مهما في البلاد”.

وأضاف مسلم في تصريح لـ”العرب”، أن “اتحاد الشغل تقدم بمبادرة لتنظيم حوار وطني والرئيس سعيّد لم يرد فعليا على ذلك، والآن هيئة المحامين قدمت لنا مبادرة جديدة ونحن نؤيدها لتجاوز الأزمة بمخرجات سياسية واضحة لأن البلاد لا يمكنها أن تتحمل أعباء أخرى”.

وتابع “طرفا السلطة التنفيذية ركزا على الجانب الدستوري والقانوني وكل طرف متمسك بموقفه، والخلاف هو مسألة تواصل ويتطلب حلا سياسيا في غياب المحكمة الدستورية التي كانت ستنظر في مثل هذه الخلافات.. عليهما الجلوس مع بعضهما للخروج بحل عملي وسياسي”.

وتعتبر المحكمة الدستورية، وفقا للدستور التونسي في فصله الـ120، الجهة الوحيدة المخوّلة لها مراقبة دستورية مشاريع القوانين المعروضة عليها من قبل الرئيس أو رئيس الحكومة أو ثلاثين عضوا من أعضاء مجلس نواب الشعب، ومشاريع القوانين الدستورية التي يعرضها رئيس مجلس نواب الشعب، إلى جانب المعاهدات التي يعرضها رئيس الجمهورية وغيرها من المشاريع.

وأشار مسلم في معرض حديثه إلى أنه “من المؤكد أن هذه المبادرة لن تقتصر على الخلاف بين رأسي الحكم، بل ستطرح بالإضافة إلى الأزمة السياسية الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي تتطلب مراجعات عميقة وحلولا ناجعة”.

ودعا اتحاد الشغل الثلاثاء إلى توحيد الجهود من أجل الإسراع في حل المأزق الدستوري بين رئاستي الحكومة والجمهورية.

وطالب بالإسراع في فضّ هذا المأزق الدستوري في أقرب الأوقات، داعيا المنظّمات الوطنية إلى توحيد الجهود للضغط من أجل إيجاد حلّ للأزمة الراهنة، ومنبّها إلى تواصل تدهور الوضعين الاقتصادي والاجتماعي في غياب أيّ إجراءات واضحة من الحكومة للحدّ من الانحدار والتوتّر اللذين تشهدهما البلاد.

وتتواصل للأسبوع الثالث على التوالي أزمة التعديل الحكومي بين رئيسي الحكومة والجمهورية.

وفي 26 يناير الماضي صادق البرلمان التونسي على التعديل الوزاري في حكومة المشيشي بالأغلبية المطلقة، لكن الرئيس سعيد لم يدع الوزراء الجدد إلى أداء اليمين الدستورية حتى اليوم.

ويرى الرئيس سعيّد أن التعديل شابته “خروقات دستورية” ما جعله يرفض أداء بعض الوزراء اليمين الدستورية أمامه، وهو ما قوبل بتصعيد لافت من الحزام البرلماني والسياسي الداعم للمشيشي.

وعلاوة عن الأزمة السياسية، تشهد تونس وضعا اقتصاديا واجتماعيا مأزوما مدفوعا بتداعيات الوضع الصحي تبعا لانتشار فايروس كورونا.

ونبهت منظمات وطنية فاعلة من خطورة الأوضاع، مطالبة بالتسريع في معالجتها.

واعتبر اتحاد أرباب العمل أن “الوضع الاقتصادي والاجتماعي في تونس بلغ مرحلة قصوى من الخطورة، وأن الأزمة ساهمت في تعزيز منسوب التشاؤم لدى التونسيين بصفة عامة ولدى الفاعلين الاقتصاديين بصفة خاصة”.

وفيما تكثّف المنظمات الوطنية من محاولاتها لحل النزاع القائم بين الرئيس سعيد ورئيس الحكومة، ترى أوساط سياسية أنه لا يمكن التوصل إلى حل ناجع للمأزق الذي تعيشه تونس حاليا في ظل وجود بعض الوجوه على غرار المشيشي.

وتساءل المحلل السياسي نبيل الرابحي في تصريح لـ”العرب”، عن الهدف من هذه المبادرة؟ وأكد أن “رئيس الحكومة انتهى سياسيا، واليوم نتحدث عن بديل له”.

وأضاف الرابحي “المبادرة إلى حدّ الآن لن تضيف شيئا، ويمكن الحديث عنها في مرحلة ما بعد المشيشي، ولا بد أن تتطرق إلى مسألة المحكمة الدستورية وتغيير النظام السياسي”.

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here