تونس في حاجة لكل القوى لمواجهة أزمة اقتصادية خانقة

25
الأزمة الإقتصادية في تونس تستهدف جميع الطبقات الاجتماعية

بقلم: خالصة حمروني

افريقيا برستونس. لقد بات جلياً أن الوضع الاقتصادي لم يعد يحتمل أي مجادلة سياسية ولا أي تهرب من المسؤولية لاسيما بعد الاستقرار النسبي في المشهد السياسي والذي سجل بعد تعيين نجلاء بودن كرئيس للحكومة وتكليفها بتكوين حكومة في أقرب الآجال من جهة وأيضا مع استقرار الوضع الوبائي والنجاح إلى حد ما في السيطرة على أزمة كورونا من جهة أخرى.

هذان العاملان – اللذان تسببا أساسا في تدهور الوضع الاقتصادي – لاحت في الأفق بوادر انفرجهما، لكن في المقابل أزمة هذا الأخير (الوضع الاقتصادي) تفاقمت وأصبح ينبئ بوضع خطر، الأمر الذي جعل بعض المؤسسات تخرج عن صمتها وتطلق “صيحة فزع”.

البنك المركزي كان على رأس هذه المؤسسات التي أعربت عن قلقها تجاه هذا الوضع، وحسب ما جاء في بيانه الأخير الذي صدر يوم الأربعاء فإن “التراجع الحاد للموارد المالية الخارجية سيحد من مواجهة الاحتياجات الكبيرة لإنجاز ميزانية الدولة لعام 2021”.

البنك المركزي أوضح “أنّ هذا التراجع يعكس مخاوف المانحين الدوليين في ظل تدهور التصنيف السيادي لتونس وغياب برنامج جديد مع صندوق النقد”. وأشار مجلس إدارة البنك في بيانه هذا إلى ”قلقه العميق” إزاء الوضع المالي الحرج، مؤكداً ضرورة الإسراع في نقل إشارات واضحة للمستثمرين المحليين والأجانب حول إعادة وتيرة النشاط الاقتصادي.

وفي هذا السياق دعا إلى ضرورة تعبئة أكبر قدر ممكن من الموارد الخارجية وتجنب التمويل النقدي أي طباعة الأوراق النقدية لما لذلك من تداعيات على مستوى التضخم واحتياطيات النقد الأجنبي وسعر صرف الدينار.

غياب الخارطة الاقتصادية

عز الدين سعيدان – خبير اقتصادي

ولأن رسالة البنك المركزي باتت واضحة وعكست بوضوح خطورة الوضع الاقتصادي فقد لاقى هذا البيان جدلاً واسعاً واختلف البعض في قرائته. الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان، اعتبر أن بيان البنك المركزي التونسي “جاء متأخراً ويعبر عن تنصل من المسؤولية” ، متسائلا: “أين كان المركزي التونسي عندما كانت الدولة تغرق؟”. وشدد على أن الوضع الإقتصادي والمالي كانا في أسوأ حالاتهما قبل 25 جويلية.

 

محسن حسن – خبير اقتصادي

من جهته قال الخبير الاقتصادي محسن حسن أن “بيان البنك المركزي رسالة واضحة إلى السيد رئيس الجمهورية مفادها أن البلاد تسير بخطى سريعة نحو الإفلاس إذا لم نتدارك الأمر بسرعة”.

في حقيقة الأمر لا يمكننا الحديث عن الوضع الاقتصادي في تونس بمعزل عن الوضع السياسي، بمعنى أن معظم القرارات السياسية ونخص بالذكر الصادرة عن رئيس الجمهورية من شأنها أن تؤثر إيجاباً أو سلباً على الوضع الاقتصادي.

ومع تولي قيس سعيد رئاسة الجمهورية بنسب تصويت عالية وتمتعه بقاعدة جماهيرية واسعة؛ توقع الكثير أن يحظى الملف الاقتصادي بأولوية المعالجة.

نورالدين الطبوبي – الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل

غير أن المتابع للشأن التونسي يدرك أن رئيس الجمهورية قليلاً ما يتطرق في حديثه وخطاباته إلى الوضع الاقتصادي أو يعلن عن تراجع مؤشراته أو يشير إلى الأزمة المالية التي تمر بها البلاد، الأمر الذي أثار استغراب الخبراء الاقتصاديين وغيرهم من سياسيين أو نشطاء في المنظمات الوطنية على غرار الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، نورالدين الطبوبي الذي طالب مراراً بضرورة مصارحة الشعب بحقيقة الوضع الاقتصادي للبلاد.
وقال الطبوبي ذات مرة: “وفقا لأوضاعنا اليوم فإننا ليس لدينا القدرة ولا القوة على التفاوض مع المؤسسات الدولية في وضع اقتصادي ومالي هش”.

متطلبات المرحلة

“تونس تحتاج اليوم إلى الفعل والنجاعة والإرادة وتجميع كل القوى لمواجهة أحلك أزمة اقتصادية خانقة ” هذا ما يتفق عليه المتابعون للوضع الاقتصادي وهذا ما يطالبون به نجلاء بودن رئيسة الحكومة، لأنه وبمجرد تكوين حكومة قادرة على تسيير البلاد من المتوقع أن تطرح عليها (الحكومة الجديدة) عديد الملفات وعلى رأسها الملف الاقتصادي.

وفي هذا الإطار يؤكد الخبير الاقتصادي محسن حسن أن عديد الصعوبات التي مرت بها تونس خلال الفترة المنقضية يمكن تلافيها بعد بروز ملامح الانفراج الصحي الذي تمر به البلاد ويؤكد على أن هناك شبه إجماع داخلي وخارجي كان سببه حالة عدم اليقين السياسي في تونس بالإضافة إلى خطورة الوضع الاقتصادي والمالي.
وفيما يخص الرهانات التي تعترض الحكومة الجديدة؛ أشار حسن إلى أن الدولة مطالبة بتوفير ما لا يقل عن 9 مليار دينار لتمويل العجز في الميزانية خلال الربع الأخير من السنة الحالية علاوة على تراجع أداء عديد القطاعات الاقتصادية وتراجع النمو المتوقع.

ولإنقاذ الاقتصاد الوطني من المخاطر التي تواجهه، اعتبر الخبير الاقتصادي أنه يجب تحديد أولويات الحكومة الجديدة بدقة وحسن اختيار أعضائها وتمكينها من ممارسة صلاحياتها بكل سلاسة للتمكن من حلحلة عديد الملفات المطروحة والمستعجلة ومن أبرزها العمل على استعادة الثقة بين مختلف الفاعلين الاقتصاديين في الداخل وتحفيز الأعوان الاقتصاديين وخاصة المستثمرين في تونس والخارج مع إعادة بناء جسور الثقة مع الشركاء في الخارج وخاصة مع المؤسسات المالية المانحة .

كما عرّج حسن على أهمية العمل على تعبئة الموارد المالية الخارجية من خلال محاولة الاتفاق مع صندوق النقد الدولي حول برنامج لإصلاح الاقتصاد الوطني وبرنامج للتمويل، كما يمكن التعويل على الدبلوماسية الاقتصادية للحصول على قروض بشروط ميسرة أو هبات بالإضافة إلى إمكانية إصدار صكوك سيادية في أقرب الآجال للخروج من الوضع الاقتصادي والمالي الصعب.

واعتبر محسن حسن أن تعبئة الموارد الداخلية يتطلب تدخل البنك المركزي التونسي لتمويل مباشر للخزينة ومراجعة قانون 2016 لتحديد شروط هذا التمويل والتقليص من التعويل على البنوك الوطنية للاستثمار في ترميم الخزينة نظرا لارتفاع فائض قروض الدولة لديها إلى مستوى غير مسبوق حيث تجاوز مبلغ الـ 18 مليار دينار، هذا إلى جانب النقص المسجل في السيولة المالية وارتفاع نسب التضخم والتأثير السلبي على تمويل الاستثمار الخاص بالبلاد ويمكن حسب قوله تعبئة موارد داخلية إضافية عبر تحفيز الاستخلاص الجبائي والديواني وتطوير إنتاج الفوسفات والبترول مع إعداد قانون مالية تكميلي لسنة 2021 وقانون مالية لسنة 2022 يتضمن أساسا خطة وطنية مستعجلة تقوم على أسس الإنعاش الاقتصادي وتهدف إلى تطوير الاستثمارات العمومية خاصة بالشراكة بين القطاعين العام والخاص والمساعدة على هيكلة النسيج الاقتصادي الوطني ودفع الاستثمار الخاص من خلال إجراءات جبائية ومالية استثنائية.

وبالتوازي مع ذلك يرى حسن أنه من الضروري تفعيل برنامج وطني ناجع للتدخلات الاجتماعية لصالح العائلات المستحقة ومحدودة الدخل ومن بينهم الذين فقدوا مواطن شغلهم جراء الأزمة الصحية التي مرت بها البلاد، كما يتعين تفعيل قانون الاقتصاد الاجتماعي والتضامني لتشجيع المبادرة الخاصة وتوفير مواطن العمالة لحاملي الشهادات العليا العاطلين عن العمل.

وأوضح حسن أن المرحلة الراهنة تتطلب تصورات جديدة على المدى القريب لتفعيل منوال اقتصادي فعال يتماشى مع الاستحقاقات الاجتماعية وحسب أولويات قطاعية مجدّدة في مجالات حيوية منها الصناعة والفلاحة والرقمنة والانتقال الطاقي والصحة والتربية والتعليم الى جانب العمل على مقاومة الفساد والرشوة في إطار القانون من خلال مراجعة التشريعات وتطوير المؤسسات والصرامة في تطبيق القانون، معتبرا أن نجاح مختلف هذه التوجهات يبقى رهين الاستقرار السياسي والاجتماعي بالرغم مما تتطلبه المرحلة من خطوات شجاعة في سبيل الإصلاح وتطوير النمو الاقتصادي الذي يشهد ركوداً منذ سنوات لتضاف إليه سلسلة سلبية في المؤشرات العامة خلال السنتين المنقضيتين بسبب مخلفات أزمة كورونا العالمية.

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here