هل يتجاوب قيس سعيد مع “مطالب” الحوار الوطني؟

33

بقلم: خالصة حمروني

أفريقيا برستونس. يتواصل غموض المشهد السياسي في تونس منذ تاريخ 25 يوليو، تاريخ المنعرج الجذري الذي فرضه الرئيس قيس سعيد يوم عيد الجمهورية بتفعيل البند 80 من الدستور، القاضي بتجميد عمل البرلمان ورفع الحصانة عن النواب وإعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي وإقالة عدد من الوزراء وكبار مسؤولي الدولة.

وقد زادت الإجراءات التي اتخذها سعيد بعد ذلك التاريخ ونقصد عدم تحديد مدة الإجراءات الاستثنائية، غموضا حتى أن إجراء تعيين نجلاء بودن كرئيس للحكومة وتكليفها بتكوين حكومة لاقى جدلا واسعا وسط الساحة السياسية بين شق يرحب بتكليفها وشق يشكك في مدى نجاح حكومتها التي لم تتشكل بعد.

ووسط كل هذا الغموض تتالت دعوات الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية وعدد من المسؤولين الدبلوماسيين الأجانب بضرورة عودة الرئيس سعيد إلى طاولة الحوار والاستماع إلى مختلف الآراء، لاسيما في ظل تأزم الوضع الاقتصادي الذي تدحرجت معظم المؤشرات إلى مستويات مخيفة.

وكلما زاد إصرار كل هذه الأطراف المتحدة في الرأي حول ضرورة إجراء حوار وطني كلما زاد صمت رئيس الجمهورية مفضلا قيادة السفينة لوحده، لكن ما صدر مؤخرا في بلاغ صادر عن الرئاسة الفرنسية أوضح عكس ذلك حيث أكد الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون “أن قيس سعيد قال أن الحكومة ستتشكل في الأيام المقبلة وأنه سيتم إطلاق حوار وطني بعد ذلك”.

يذكر أن بلاغ الرئاسة الفرنسية صدر إثر مكالمة هاتفية أجراها مؤخرا قيس سعيد مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون. ووفق ما نقلت رئاسة الجمهورية، فقد أبدى رئيس الجمهورية قيس سعيّد “أسفه” لإعلان باريس خفض عدد التأشيرات الممنوحة لمواطنيها، مشيرة إلى أن ماكرون أكد بأن “هذا الإجراء قابل للمراجعة”.

دعوة ملحة إلى حوار وطني

اتحاد الشغل كان من اول المنظمات الوطنية التي طالبت بإجراء حوار وطني يضم الأطراف السياسية ووضع خارطة طريق واضحة المعالم تستجيب بالأساس إلى متطلبات المرحلة.

تمثل أول مطلب ضمن خارطة الطريق المطروحة بتكوين حكومة مصغرة ومنسجمة تتكون من كفاءات وطنية (غير معنية بالانتخابات المقبلة) تحدد لها مهمة واضحة مع وجوب منحها الثقة لمدة محدودة في أقرب الآجال، أما الهدف فهو التقليص من ضبابية المشهد وطمأنة الرأي العام الوطني وشركاء تونس الاقتصاديين.

كما طالبت المنظمة النقابية بتحديث وتعليل اتخاذ الإجراءات الاستثنائية وتحديد سقف زمني لإنهاء المرحلة الاستثنائية، والحسم النهائي في مصير البرلمان بهدف تأمين عودة السير العادي لعجلة الدولة في أقرب الآجال ورفع الضبابية عن المشهد السياسي.

كما تم اقتراح إنشاء هيئة استشارية وطنية من مهامها تحديد إطار قانوني ومجتمعي تشاركي ودامج للإصلاح السياسي يشمل أساساً النظامين السياسي والانتخابي والدستور، بهدف عقلنة الحياة السياسية ووضع أسس الشفافية ومحاربة الفساد السياسي وتوحيد الشعب التونســي حول خيارات وطنية واضحة.

خارطة الطريق هذه تضمنت أيضا إصلاحات اقتصادية عاجلة تهم فترة الإجراءات الاستثنائية، في انتظار الانطلاق الفعلي في الإصلاحات الهيكلية الكبرى بهدف إنقاذ الاقتصاد الوطني، وحثت أيضاً على بلورة الخطوط العريضة لقانون المالية التكميلي لسنة 2021 وقانون مالية 2022 ومكافحة الفساد في مختلف أشكاله.

اتحاد الشغل لم يطالب لوحده بضرورة إجراء حوار وطني ورسم خارطة طريق بل دعمته في هذا المطالب حركة النهضة التي دعت بدورها إلى إطلاق حوار وطني للمضي في إصلاحات سياسية واقتصادية تحتاجها البلاد في هذه المرحلة للخروج من أزمتها والتعجيل باستعادة المالية العمومية لتوازناتها والاقتصاد الوطني لعافيته، وذلك بعد 11 يوما من تدابير اتخذها رئيس الجمهورية قيس سعيّد.

وأبدت حركة النهضة حرصها على إجراء الحوار مع جميع الأطراف الوطنية، وفي مقدمتها رئيس الجمهورية قيس سعيّد لتجاوز الأزمة المركبة وتحقيق السلم الاجتماعي وإنجاز الإصلاحات الضرورية.

من جهتها دعت 21 جمعيّة حقوقية بالأساس، رئيس الجمهورية قيس سعيّد، إلى إطلاق حوار وطني، بمشاركة كل الأطراف الوطنية، من أحزاب ومنظمات وشخصيات وطنية (باستثناء من يثبت تورطه في قضايا فساد، ضمن إطار محاكمة عادلة)، من أجل تحقيق الإصلاح السياسي والمؤسساتي والاقتصادي والاجتماعي التي تحتاجه تونس اليوم، وهو إصلاح لا يمكن أن ينجح إلا إذا كان تشاركيا وتوافقيا”.

وأكدت الجمعيات على أن “استمرار حالة الطوارئ والإجراءات الاستثنائية وتجميع كل السلطات لدى رئيس الجمهورية، في غياب رؤية واضحة حول الخطوات التالية، كلها عوامل تُشكل خطرا حقيقيا على مستقبل الديمقراطية في تونس و تزيد من تأزيم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والصحية والسياسية وتبعث برسائل سلبية إلى كل الشركاء في الداخل والخارج وتساهم في عزلة البلاد”.

ومن بين الجمعيات الممضية على هذا البيان المشترك، منظمة 10-23 لدعم المسار الديمقراطي وجمعية يقظة من أجل الديمقراطية والدولة المدنية واللجنة من أجل احترام الحريات وحقوق الإنسان في تونس والجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية ومركز تونس لحرية الصحافة.

تصحيح مسار الثورة

المتابع للشأن التونسي يدرك أن موافقة قيس سعيد على إجراء حوار وطني ليست الأولى إذ سبق له واعلن – خلال لقائه الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي، يوم الأربعاء 30 ديسمبر 2020-  انه قبل مبادرة الاتحاد التي قدمها آنذاك لرئيس الدولة والداعية إلى إجراء حوار وطني لإيجاد حلول سياسية واقتصادية واجتماعية للوضع الراهن في البلاد.

وقد كانت وقتها موافقة مشروطة حيث حدد سعيّد موقفه سلفا من مبادرة الاتحاد للحوار على أساس تصحيح مسار الثورة التي تم حسب رأيه الانحراف بها عن مسارها الحقيقي الذي حدده الشعب منذ عشر سنوات.

وفي حقيقة الأمر لم تكن مبادرة اتحاد الشغل الوحيدة المقترحة للخروج بالبلاد من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فقبلها كانت هناك مبادرات أخرى من ضمنها مبادرة التيار الديمقراطي، وبعدها كانت مبادرات لمنظمات المجتمع المدني، على غرار مبادرة الهيئة الوطنية للمحامين.

وكل المبادرات حددت بدقّة ما يجب فعله أي ما تحتاجه البلاد في هذا الوضع المتأزّم وما سيتضمنه الحوار الوطني في المجالات الحيوية والتي تخص بالأساس 3 مجالات مهمة : المجال السياسي والاقتصادي وأخيرا الاجتماعي.

والملاحظ أن كل مبادرات الحوار الوطني، بما في ذلك مبادرة اتحاد الشغل، كانت ترمي إلى الإصلاح من داخل المنظومة التي انبثقت عن دستور 2014، أي الالتزام بالعملية الديمقراطية مع مزيد ترشيدها، لكن ما يطرحه رئيس الجمهورية مختلف تماما عما اقترحته المنظمات وبعض الأحزاب من حوار، فالرّئيس يبدو أنه غير مقتنع بالمنظومة الحزبية القائمة – بالنسبة إليه هي سبب البلاء والأزمة – وهو في مقابل ذلك يدعو إلى حوار “لتصحيح مسار الثورة التي تم الانحراف بها عن مسارها الحقيقي الذي حدده الشعب منذ عشر سنوات، ألا وهو الشغل والحرية والكرامة الوطنية”.

ومن هذا المنطلق يمكننا القول إن الهدف ليس إصلاحا سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا، والوسيلة ليست تجميع الأطراف السياسية  وإقناعها من خلال الحوار على الالتزام بحزمة من الإصلاحات على المدى القريب والمتوسط وتنفيذها في آجال محدّدة، وإنّما الهدف هو تصحيح مسار الثورة (ما قبل الدستور) ربّما بإلغاء الدستور وحل الأحزاب وما شابهها من الإجراءات الاستثنائية. أما وسيلة هذا الحوار فهو “المضي بشراكة ممثلين عن الشباب من كل جهات الجمهورية وفق معايير يتم تحديدها لاحقا“.

مجرد تساولات

تساؤلات كثيرة يطرحها المشهد السياسي وتتطلب توضيحا: ماذا يعني رئيس الجمهورية بتصحيح مسار الثورة ، فالأمر فيه كثير من الغموض، فلا أحد غير قيس سعيّد يعرف كيف يمكن تصحيح مسار الثورة، هل هو تصحيح من داخل المنظومة (الديمقراطية) وهو مجبر في هذه الحالة على التعامل مع الأحزاب القائمة، أو من خارج المنظومة الديمقراطية التي تفترض التداول السلمي على السلطة من خلال الانتخابات العامة، والتي تلتزم بالدستور؟

و في حال كان سعيّد يتجه إلى محاورة الشباب في الجهات كبديل عن الأحزاب، فماهي مقاييس اختيار هؤلاء الشباب، هل هم ممثلو التنسيقيات التي ساندته في الانتخابات الرئاسية، أم ممثلو أحزاب ومنظمات المجتمع المدني؟ وبالنسبة للنتائج التي سيتوصل إليها هؤلاء الشباب لتصحيح مسار الثورة كيف يمكن تطبيقها، وبأية آلية من خلال انتخابات جديدة أو عبر إجراءات استثنائية؟

وفي حال وافق الرئيس على حوار يجمع كل الأطياف السياسية والمنظمات الوطنية ومنظمات المجتمع المدني التي تطالب جميعا بوضع خارطة طريق واضحة وتحديد سقف مدة الإجراءات الاستثنائية هل يوافق سعيد والتزم حكومة نجلاء بودن التي اختارها لرئاسة الحكومة لبنود أو مطالب خارطة الطريق؟

وفي انتظار أن تتوضّح الوجهة الجديدة التي سيسلكها في حواره، تكون كل المبادرات قد وضعت على الرف، ويكون الرئيس بذلك قد استأثر بملف الحوار الوطني، ووجّهه بعيدا عن توقعات الجميع.

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here