اتحاد الشغل والإضرابات: هل هي أداة ضغط لحماية دوره السياسي؟

34
اتحاد الشغل والإضرابات: هل هي أداة ضغط لحماية دوره السياسي؟
اتحاد الشغل والإضرابات: هل هي أداة ضغط لحماية دوره السياسي؟

آمنة جبران

أفريقيا برس – تونس. استبعدت أوساط سياسية تونسية أن يخفف إلغاء الجامعة العامة للنقل (نقابة النقل) التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل إضرابها مؤخرا، من حدة التوتر مع الحكومة حيث ستكون هناك مواجهات جديدة بين الطرفين، أمام تمسك النقابة بورقة الإضرابات لفرض أجندتها وحماية نفوذها المتآكل منذ انطلاق مسار25 جويلية.

وأشارت الجامعة العامة للنقل أنه: “بعد مفاوضات.. تم إبرام اتفاق تاريخي لأبناء القطاع وإمضاء محضر في الغرض، على أن يتم مواصلة التفاوض في النقاط الخلافية لاحقا، وعليه تقرر تأجيل الإضراب إلى يومي 15 و16 مارس/آذار 2023”. ويطالب المضربون في مؤسسات النقل الحكومية بتحسينات مالية، إلى جانب توضيح مآل المؤسسات العمومية ومستقبلها، وتحديدا قطاع النقل.

وكان الأمين العام المساعد للاتحاد التونسي للشغل صلاح الدين السالمي قد اتهم خلال مؤتمر صحفي عقدته الجامعة العامة للنقل، السلطة بأنها “لا تؤمن بالحوار والتفاوض” فيما يتعلق بالوضعية الحالية “الصعبة” لمؤسسات النقل.

ويرى متابعون أن إلغاء الاتحاد إضراب قطاع النقل مرده التوجس من خسارة تعاطف وتأييد الشارع الذي بات يرى في الإضرابات سببا آخرا يزيد من معاناته اليومية والاقتصادية، ومجرد استعراض قوة تقف وراءها رغبة الاتحاد في الحفاظ على نفوذه في قطاعات حيوية بالبلد.

أداة ضغط

بينما يتحدى اتحاد الشغل الحكومة من خلال إضرابات هدفها المعلن ثنيها عن إصلاحات اقتصادية قاسية يطالب بها المانحين الدوليين، إلا أن ما يشغله هو الاستجابة لمطالب النقابات الجهوية والقطاعية التي تطمح للحصول على زيادات مالية جديدة، في حين بات الشارع منزعجا من الإضرابات وخاصة في قطاع النقل،التي تقود إلى شلل تام في حركة البلاد ويمنع فيها التونسيين من ممارسة حياتهم اليومية.

ويلفت محللون أن الإضرابات بالنسبة لاتحاد الشغل هي أداة ضغط تحمي دوره السياسي من التآكل خاصة في فترة ما بعد 25 جويلية التي يصر فيه الرئيس قيس سعيد على تحييد دور الاتحاد برفضه مجاراته في مبادرات الحوار الوطني التي يطرحها.

وبات رفض الرئيس سعيد لوساطة الاتحاد ومبادراته رغم دعمه لمسار 25 جويلية، مربكا للمنظمة النقابية التي ترفض إقصائها توجسا من تضرر مصالحها ومصالح منظوريها، ما جعلها في الآونة الأخيرة تنضم لصف المعارضة بتصعيد خطابها ضد الرئاسة في خطوة تعكس تذبذبا وارتباكا في المواقف.

نبيل الرابحي، محلل سياسي

ويلاحظ المحلل السياسي نبيل الرابحي في حديثه لـ”أفريقيا برس” أن العلاقة بين اتحاد الشغل والسلطة هي علاقة ضبابية منذ 25 جويلية 2021 حيث انتقل الاتحاد إلى مرحلة 25 جويلية لكن بفكر 24 جويلية على أساس أن يكون فاعلا سياسيا أساسيا في مرحلة ما بعد 25 جويلية لكن اصطدم بواقع إقصائه من الملف السياسي”.

ويريد الاتحاد فرض دوره على شاكلة الوساطة التي لعبها في أزمات سابقة في البلاد، قادت إلى حوار وطني ناجح كالحوار الذي توج سنة 2013 بجائزة نوبل للسلام وأنقذ تونس من براثن صراع سياسي حاد.

ويقول الرابحي:”كان لاتحاد الشغل دور سياسي على مدى تاريخ البلاد، حيث كان هناك تداخلا وتشابكا بين الحياة السياسية والحزب الحاكم في تونس واتحاد الشغل يعني كان هناك دائما تداخل بين الدور السياسي والاجتماعي والنقابي في تونس إلى أن جاءت فترة 25 جويلية التي أطاحت بكل المنظومة بأحزابها ومعارضيها”.

وتابع بالقول:”اليوم الاتحاد يريد التموقع تارة بخطاب موجه إلى منظوريه وتارة خطاب تصعيدي موجه إلى السلطة تشوبه بعض الإشاعات أحيانا وليست لها أي شيء من الصحة كالتفريط في بعض المؤسسات العمومية فيما موقف الرئيس واضح في هذا المجال، إضافة بعض مغالطاته بخصوص صندوق النقد الدولي”.

وحسب الرابحي:” فإن الاتحاد اليوم في لعبة تخبط كما أنه يخضع أيضا لموازين قوى داخلية، وهو يطرح اليوم مبادرة سياسية لكن حسب رأيي واجهت معارضة من المعارضة قبل السلطة نفسها، وانتقادها لأنها لم تنفتح على جميع التيارات السياسية الوطنية بينما يريد الاتحاد أن يشارك في المبادرة فقط من بارك مسار25 جويلية”.

واستنتج الرابحي أن” الاتحاد يريد اليوم التموقع من جديد تارة بخطاب لمنظوريه وتارة بخطاب للخارج وتارة للداخل إلى أن يجد هدفه، وحسب رأيي يجب أن تكون مهمة الاتحاد هي الاهتمام بالملف الاجتماعي والدفاع على منظوريه ليس أكثر وليس أقل”.

مشاكل حقيقية

قطاع النقل - مترو

يرى محللون أن الإضرابات يقف ورائها طموح الاتحاد السياسي أمام إصراره على استثمار الأزمة التي تعيشها البلاد للضغط على السلطة من أجل الاعتراف به كشريك سياسي قويّ، في المقابل تذهب آراء أخرى بالاستنتاج بأن الاتحاد يريد الدفاع عن مؤسسات حيوية مثل قطاع النقل بسبب ما تعانيه من مشاكل حقيقية دفاعا على مصالح من منظوريه من جهة، وحماية لاستثماراته بها من جهة ثانية.

ويجمع متابعون أن الأزمة التي تعيشها الشركات العامة تؤكد حاجة البلاد إلى المضي في إصلاحات اقتصادية جدية وعاجلة ومن ضمنها قطاع النقل.

وتعاني شركة “نقل تونس” المملوكة للدولة من مشكلات المالية صعبة كحال غالبية الشركات العامة في تونس التي باتت مهددة بالإفلاس بينما ترزح البلاد تحت أسوأ أزمة مالية واقتصادية في تاريخها، لكن الاتحاد يرفض أيّ إصلاحات في الشركات الحكومية مخافة خسارته المزايا التي يحصل عليها بسبب عدد العمال الكبير بها المنخرطون بالنقابة.

وفيما يتمسك الاتحاد بعدم خصخصة قطاع النقل لرفضه مسائل مبدئية تتعلق بعدم التفويت في الشركات الحكومية المهمة لفائدة القطاع الخاص وهي رغبة صندوق النقد والدول الغربية، يشاع أيضا أن الاتحاد لديه استثمارات قوية داخل هذا القطاع وكذلك القاعدة الشعبية والعمالية التي لديه أغلبها في قطاع النقل وبالتالي يرى في استهداف قطاع النقل استهدافا لقوة الاتحاد على الأرض وعلى قدرته على ممارسة الضغط على أي حكومة، باعتبار أن قطاع النقل هو الشريان الاقتصادي لكل بلد.

باسل الترجمان، محلل سياسي

ويستبعد المحلل السياسي باسل ترجمان في حديثه لـ”أفريقيا برس” “وجود أي استثمارات للاتحاد داخل قطاع النقل، بل يأتي دفاع المنظمة النقابية عنه بسبب ما يعانيه من مشاكل كثيرة ومتراكمة وعميقة وليست من وليدة اللحظة وهي من المواضيع المعقدة في تونس”.

وشرح بالقول:”الجميع يعلم أن كل شركات النقل في تونس بأنواعها جوار وبرا تكبدت الكثير من الخسائر لأسباب عديدة سواء بسبب أسعار النقل العام منخفضة جدا مقارنة بالتكلفة وهو ما يتطلب خفض عدد العمال الكبير حيث لا طاقة للدولة لتحمل العبء المالي لهم ونفس الحال ينطبق على شركة الخطوط الجوية التونسية. ”

ويقول ترجمان أن ” غياب الحلول يضع هذه الشركات في مهب الريح.” معلقا: “كانت هناك أطرافا سياسية استغلت أزمات هذا القطاع من أجل دفعها نحو الإفلاس وإغلاقها وبيعها لشركات أجنبية أو خاصة. ”

وبرأيه فإن” اتحاد الشغل لا يملك استثمارات داخل قطاع النقل لكن لديه نقابة قوية داخله، وبالتالي هو يحاول الدفاع عن منظوريه من خلال رؤية تبتعد كثيرا عن واقع الحال، فاليوم حين نتحدث عن أسعار النقل في الحافلات أو المترو التي لم تتغير في البلد رغم ارتفاع تكلفة الوقود هذا يطرح تساؤلا حقيقيا حول عدم التفاعل وإيجاد حلول وهو ما يسبب إفلاسا للشركات، وقد تضررت هذه الشركات في السنوات الأخيرة”.

وختم بالقول:” السؤال المهم هو أي دور سيكون للاتحاد لإنقاذ هذا القطاع عبر التفاعل إيجابا مع الحلول المقترحة. ”

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here