سيكون تاريخ 2 اكتوبر 2018 لحظة فارقة في التاريخ الحديث, فبإغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي بقنصلية بلاده في اسطنبول خلطت كل الاوراق في السياسة العالمية ،فبشاعة الجريمة التي لم تبح بكل اسرارها بعد مع تواصل اختفاء جثة الراحل و التي يعتقد انها قد اذيبت بسائل اسيدي حارق مثلت صدمة دفعت بالكونغرس الامريكي للتحرك ضد الحلف الخليجي الذي اغدق مليارات الدولارات للتأثير في مراكز صنع القرار الامريكية بحسب تسريبات بريد ناصر العتيبة المخترق ،حيث اكدت الوثائق المنشورة لمحادثات السفير الاماراتي في واشنطن سعي عيال زايد الی اختراق الادارة الامريكية عبر اللوبيات النافذة و اهمها الصهيونية للتأثير في قرارات الرئيس الامريكي الشعبوي المغامر دونالد ترامب الذي سعی بدوره الی احتواء ازمة خاشقجي و التعامل مع هذا الملف كصفقة جديدة لإبتزاز امراء البترودولار غير ان الرأي العام الامريكي كان له كلمة الفصل بالتأكيد علی تورط محمد بن سلمان في اغتيال الصحفي السعودي وهنا يجب الإشارة الی الدور الذي لعبته الصحيفة الامريكية الواشنطن بوست في الضغط علی الموقف الرسمي الامريكي في هذا الملف حيث عملت كارين عطية رئيسة قسم الآراء الدولية في الواشنطن بوست الی تخصيص كل افتتاحيات الصحيفة لنعي الراحل والمطالبة بكشف حقيقة إغتيال الصحفي الذي كتب لمدة سنة كصاحب عمود رأي دولي في الصرح الإعلامي الأمريكي.
مركز كارنيغي للدراسات و مقره واشنطن دعا في ورقة بحثية له الكونغرس الامريكي لكبح جماح الإمارات العربية المتحدة و التي وصفها المقال بإمارات الدم و تحدث عن حربها القذرة من مضيق باب المندب في اليمن و حتی الحدود التونسية الليبية حيث تسيطر ابوظبي علی الشرق الليبي و تدعم الميليشيات المقاتلة واسنادها لوجيستيا عبر معبر السلوم الرابط بين ليبيا و مصر الحليف الابرز للإمارات في المنطقة العربية عبر طغمة العسكر الحاكمة بعد انقلاب عسكري في صيف 2013 بنكهة الأرز الخليجي التقرير لمركز كارنيغي اكّد علی ان الإمارات هي العقل المدبر و تستغل ثقل المملكة العربية السعودية كغطاء لخوض حروبها القذرة في المنطقة العربية.
تونس و بإعتبارها مهد الربيع العربي و آخر عنقود ثوراته التي نجت من مقاصل الثورة المضادة ليست بمنأی عن التحولات التي تشهدها السياسة العالمية بل هي في قلب رحاها فإغتيال جمال خاشقجي في حد ذاته كان بسبب دعمه للثورة بصفة عامة و للثورة التونسية بإعتبارها النموذج العربي الناجح بصورة خاصة ففي عموده القار في الواشنطن بوست اشاد الصحفي الراحل بتونس بإعتبارها منارة الحرية في العالم العربي و استند في ذلك الی تصنيف منظمة فريدوم هاوس لتونس كالديمقراطية العربية الوحيدة ،و من اسباب القطيعة بين خاشقجي و العائلة المالكة في السعودية هو الموقف من الحركات الاسلامية و تحديدا الاخوانية حيث تغيرت سياسة الرياض الخارجية بشكل واضح تجاه الحركات الاسلامية في العالم العربي و خاصة في تونس و المغرب و الاردن بعد تولي محمد بن سلمان ولاية العهد و اقترابه من السياسات الاماراتية القائمة علی عداء اي نفس تحرري في العالم العربي خوفا من تصدير الثورة ،في مقالاته طالما نصح خاشقجي اولياء الامر في المملكة بالإنفتاح و قبول الحركات الاسلامية ضاربا في ذلك مثل الإسلاميين في تونس ممثلين في حركة النهضة التي تمكنت من الخروج من مربع الايديولوجيا و الإنخراط في اللعبة الديمقراطية بشكل براغماتي جنبها مصير اخوانها في مصر .
المؤكد ان الحلف الخليجي برأسيه الاماراتي و السعودي يعيش الآن أسود أيامه بعد ان فشلت كل محاولاته للضغط علی الكونغرس الامريكي لتصنيف الحركات الإسلامية حركات ارهابية ، هذا التخبط الخليجي ثابت عبر عديد التقارير الصحفية حيث اعتبر الكاتب البريطاني المعروف ديفيد هيرست في مقال له نشر علی صحيفة ميدل ايست اي ان الولي العهد السعودي محمد بن سلمان قد توسل لدی رئيس حكومة الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو لشن حرب علی قطاع غزة و ذلك لصرف الانظار الدولية عن جريمة إغتيال خاشقجي في المقابل كانت الامارات العربية المتحدة تنتظر عبر دوائر نفوذها في واشنطن تطورات سياسية تسمح لها بمزيد التغلغل في المحيط الاقليمي العربي و تحديدا في تونس التي عجزت بشتی الوسائل عن اجهاض مسارها الديمقراطي و من المؤكد ان الأحداث الأخيرة و تغير اللهجة الامريكية حيال ابوظبي و من ورائها الرياض سيعرقل مخططات عيال زايد لتكون الثورة التونسية اكبر المستفيدين…