الشاهد وكتلة “الائتلاف الوطني”.. هل يساهمان في نسج خيوط المرحلة المقبلة ؟

47

 

لا شك أنّ الاستقالات الثمانية التي أعلنها نواب كتلة نداء تونس بالبرلمان، تشير إلى دخول هذا الحزب، منعرجا فارقا، شبيه بتلك الرجّة الارتدادية التي تحصل في الطبيعة، وتؤدي إلى تحولات جيولوجية عميقة ومدوّية.

“حركة” الاستقالات هذه، تدلل على أنّ التيار لم يعد يمر بالصيغة الدنيا على الأقل، بين المدير التنفيذي للحزب، حافظ قايد السبسي، وعدد هام من أعضاء الكتلة البرلمانية ومن قيادات الحزب، التي أخذت على عاتقها ــ على ما يبدو ــ مسؤولية “تدوير” عجلة التغيير صلب نداء تونس.

فما صرح به اليوم، المنصف السلامي، نائب مجلس نواب الشعب، عن كتلة نداء تونس، وأحد البارونات البارزة في الحزب، عن تسجيل جملة من التطورات، التي جعلت تمشي نداء تونس، يبتعد عن مساره، “بسبب انفراد شخص واحد بالقرارات”، على حدّ تعبيره، في إشارة إلى نجل رئيس الجمهورية، حافظ قايد السبسي، يؤشر لمسار جديد سيشهده حزب نداء تونس خلال المرحلة المقبلة.

لكنّ الأمر اللافت في هذه التطورات، أنّ قرار الثمانية، تمّ بعد اجتماع دام ساعتين، حضره عدد من القيادات المؤسسة للحزب، منها المنصف السلامي، وهذا يعني، أنّ “طاحونة الرحي” صلب نداء تونس، بدأت تشتغل بشكل منتج، ومن ثمّ فإنّ مسار المدير التنفيذي ومن يقف معه، سيدخل مرحلة جديدة، قد لا يكون هو عارفا بتداعياتها ومآلاتها.

فمن المتوقع، وفق بعض الأنباء من داخل نداء تونس، حصول استقالات جديدة، سيلتحق معظمها، إن لم نقل كلها، بكتلة “الائتلاف الوطني”، التي يتزعمها النقابي والسياسي المخضرم، أحمد بن مصطفى، بما يجعل هذه الكتلة، الرقم الجديد ضمن المعادلة السياسية والبرلمانية.

وهنا على المرء أن ينظر إلى الزاوية الثانية من المشهد..

فهذه الكتلة، محسوبة على رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، وهذا يعني، فيما يعنيه، أنّ الرجل بدأ يضع قدما في المرحلة السياسية المقبلة، مرحلة انتخابات 2019 وما بعدها، عبر تشكيل حزام سياسي وبرلماني، من شأنه أن يكون سندا له في حراكه السياسي القادم، خلافا لبعض السياسيين الذين حاولوا التوكأ على عكاز رئاسة الحكومة، لصناعة “مجد سياسي” جديد لهم، من دون التفكير في تكوين أحزمة سياسية وبرلمانية وصلب المجتمع المدني، ما أدى إلى خروجهم من القصبة، بلا رصيد، وحتى عندما أنشأوا أحزابا، أو فكروا في الترشح للانتخابات، وجدوا أنفسهم صفر اليدين، وخاليي الوفاض.

لكنّ هذه الكتلة البرلمانية، المدعومة بواسطة الاستقالات الندائية، رسالة مضمونة الوصول، بأنّ الشاهد لم يرم المنديل، كما يوهم كثيرون، من السياسيين والنقابيين والبرلمانيين، ما يعني أنّ الرجل قد جهّز لمعركة بقائه برئاسة الحكومة، الأسلحة اللازمة، وتبدو الكتلة البرلمانية الجديدة، إحداها، وليست الطرف الوحيد ضمنها.

ومن المؤكد، أنّ الاستقالات التي قال بعض الندائيين الفاعلين، أنها ستتكثف في غضون الأسابيع القليلة المقبلة، بما يعزز “كتلة الائتلاف الوطني”، ستجعل الداعين ليوسف الشاهد إلى تقديم تعهّد بعدم الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، أمام مراجعة حسابهم السياسي، وتقديرهم للوضع، وبخاصة حركة النهضة، التي ترتكب خطأ دستوريا وسياسيا وأخلاقيا، عندما تطالب الشاهد بتعهّد بعدم الترشح لــ “الرئاسية”، لأنّ هذا المطلب، وإن كان يلبي رغبة لرئيس الجمهورية، إلا أنّه يتنافي حتى مع السياق الديمقراطي، في مضمونه التنافسي، ومن شأنه أن يخلق سابقة، تذكّر بما كان قام به الرئيس المخلوع، مع الأستاذ نجيب الشابي (وإن بشكل مختلف نسبيا)، عندما منعه من الترشح، بتعلاّت “قانونية ودستورية”، دللت على ضعفه، ولم تشير إلى قوة شكيمته.

من ناحية أخرى، فإنّ الشاهد، بواسطة هذه الكتلة البرلمانية، سيكون فاعلا في التحالفات الجديدة صلب البرلمان، الذي سيشهد تعديلا في حجم الكتل البرلمانية وعلاقاتها، ومجالات تأثيرها.

على أنّ النقطة اللافتة في الاستقالات الندائية، والتحاقها بــ “كتلة الائتلاف الوطني”، تتمثل في كون هذه “المنشأة” البرلمانية الجديدة، ستكون منطلقا، لتشكيل “قوة برلمانية تقدمية”، ستكون وازنة مع الكتلة النهضوية، وهذا ما قد يحرج حركة النهضة، التي كانت تمني النفس بأن تلعب دورا مهما في تحديد منافسيها في البرلمان.

ويبدو أنّ ترحيب محسن مرزوق، رئيس حزب “مشروع تونس”، بالكتلة الجديدة، ليس من باب المجاملات السياسية، بقدر ما يشير إلى وجود حراك من حول البرلمان، وصلب كتله البرلمانية، لتغيير المشهد الكتلوي البرلماني، باتجاه مسار جديد، بعيدا عن التحالف الثنائي الهشّ بين حركة النهضة ونداء تونس.

على أيّة حال، “ماكينة” الأحزاب وملحقاتها البرلمانية، اتخذت مسارا جديدا من خلال تشكيل “كتلة الائتلاف الوطني”، وبفعل ما يجري داخل نداء تونس، وهو ما يؤشر لتحولات في مشهد بدا منذ نحو العامين، باردا وهشّا…

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here