تونس.. الملفات الإقتصادية لم تعد تتحمل التأجيل

23
المالية العمومية: المعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية ومؤسسة كونراد أدناور تضعان فرضية لمجابهة الأزمة الاقتصادية

بقلم : خالصة حمروني

في الوقت الذي أعلن فيه رئيس الجمهورية قيس سعيد التمديد في التدابير الإستثنائية إلى حين إشعار آخر، وفي ظل غياب خارطة طريق واضحة المعالم تعددت التساؤلات حول مآل الوضع الاقتصادي للبلاد التي أنهكته من قبل ثورة 2011 وزادته أزمة كورونا أضرارا فادحة لاسيما وأنها مست قطاعات حيوية.

وضع اقتصادي صعب أن لم نقل متأزم اتسم بشح الموارد المالية مقابل ارتفاع المديونية الخارجية. وقد ترجمت تراجع كل مؤشراته الحيوية حقيقة هذه الأزمة على غرار تراجع نسبة النمو إلى أدنى معدلاتها وتراجع الترقيم السيادي لتونس وتراجع نسق الإنتاج والانتاجية وارتفاع نسبة البطالة والتضخم على حد سواء هذا إضافة إلى تذبذب سعر صرف الدينار مقابل العملات الأجنبية وتراجع مخزون العملة الصعبة. الوضع الاقتصادي الصعب كان من المفروض أن يكون من أولويات الحكومات المتداولة على قصر الحكومة بالقصبة ومن أولويات من تولوا رئاسة الجمهورية بقرطاج غير أن الأولويات كانت مجرد برامج انتخابية.

ومع تولى قيس سعيد رئاسة الجمهورية واختياره لهشام المشيشي رئيسا للحكومة توقع البعض أن تعمل السلطتين معا في تناغم لايجاد حل لمعظلة الإقتصاد الوطني لكن الحروب الباردة بين قصري “قرطاج” و “القصبة” لم تسمح بأي إصلاحات تذكر وظل الوضع الاقتصادي يزداد صعوبة وظلت مؤشراته تنحدر نحو الأحمر. والآن ومع دخول تونس مرحلة جديدة ومع ما اتخذه قيس سعيد اولا من اجراءات يوم 25 جويلية المنقضي وثانيا مع التمديد في هذه الإجراءات إلى حد غير معلوم زاد وضع الاقتصاد التونسي تأزما.

غياب برنامج اقتصادي

معز الجودي، خبير اقتصادي

وفي قراءة لتأثيرات المستجدات السياسية الذي تعيش على وقعه البلاد منذ يوم 25 جويلية الماضي على الوضع الاقتصادي المتأزم ,أوضح الخبير الاقتصادي معز الجودي “أن ضبابية الوضع الحالي في غياب رؤية واضحة للفترة القادمة تأخذ بعين الإعتبار الوضع الاقتصادي الحرج الذي تعيشه تونس ستؤثر سلبا على الاقتصاد وتزيد من تأزيمه “مضيفا أن الرئيس قيس سعيد باعتباره الممثل الوحيد للسلطة حاليا لم يقدم إلى حد الآن برنامجا للتوجهات الاقتصادية للفترة القادمة في غياب للحكومة ولمسؤولين لهم شرعية التفاوض مع المؤسسات العالمية المانحة التي قد تحتاج تونس إلى موافقتهم لمنحها قروضا جديدة لتمويل ميزانيتها في غياب لأي خيار آخر.

وفي هذا الصدد دعا الجودي رئيس الدولة إلى ضرورة الإسراع بوضع برنامج عاجل يضبط التوجهات الاقتصادية خلال الفترة القادمة ويقطع مع ضبابية الرؤية الحالية ليقع الشروع في الإصلاحات الاقتصادية اللازمة من أجل التقليص من حدة الأزمة الاقتصادية الخانقة مضيفا أن شيطنة رجال الأعمال سيعقد الأمور أكثر ولن يدفع بمسار معالجة الأوضاع الاقتصادية ذلك أنه من الضروري إرجاع الثقة في أصحاب المؤسسات مع محاسبة المخالفين منهم للقانون أو من ثبت تورطه في ملفات فساد لكن دون تعميم الإتهامات على أصحاب الأعمال ووضعهم في نفس السلة.

محسن حسن، وزير التجارة السابق و خبير اقتصادي

من جهته أكد وزير التجارة السابق والخبير الاقتصادي محسن حسن “ان الملف الاقتصادي لم يعد يتحمل التأجيل” خاصة وأن تونس في حاجة لاستعادة ثقة شركائها الاقتصادية لكونها في حاجة الى تمويلات عاجلة. وأضاف حسن أن حجم مصاريف الدولة خلال 4 أشهر القادمة هي في حدود 19 مليار دينار في حين أن مواردها الذاتية ستكون في حدود 9 مليار دينار ما يعني أن بلادنا في حاجة لاقتراض 10 مليار دينار من السوق المالية المحلية وخاصة العالمية. واعتبر أنه في ظل غياب حكومة وبرنامج إصلاحات عاجلة فإنه من الصعب تعبئة هذا المبلغ لا سيما وأن ترقيم تونس السيادي الأخير يضع تونس في خانة الدول عالية المخاطر.

كما شدد على ضرورة الإسراع بتشكيل حكومة بهدف استعادة نسق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي التي تشهد تعثرا حتى قبل اعلان رئيس الجمهورية عن تفعيل الفصل 80 من الدستور، مؤكدا أن اعلان صندوق النقد الدولي عن برنامج جديد مع تونس هو الضامن الوحيد لحصول بلادنا على قروض جديدة من المؤسسات والدول المانحة باعتبار أن ذلك سيسهل خروجها على السوق المالية الدولية.

وأفاد أن تونس تحصلت على دعم من صندوق النقد وأن هذا المبلغ سيخفض الضغط على المالية العمومية. وينزل الدعم في إطار الاحتياطي الدولي او ما اصطلح عليه حق السحب الخاص ليكون مكملا للاحتياطات الرسمية الخاصة بالبلدان الأعضاء وتتحدد قيمتة وفقا لسلة عملات متكونة من الدولار الأمريكي و اليورو و اليوان الصيني واليان الياباني و الجنيه الاسترليني. وأضاف حسن ان هذا الاحتياطي الدولي يستعمل لدعم الدول الأعضاء عند الحاجة .

وفي نفس السياق، أكد محسن حسن أن الصندوق أقر هذا الشهر توزيع 650 مليار دولار من حقوق السحب الخاصة على أعضائه وفق مخصصات كل دولة. واعتبر ان بلادنا ستتحصل في إطار هذه العملية ، على دعم بـ 775.8 مليون دولار ، وهو ما سيوفر سيولة إضافية للاقتصاد الوطني و يسد النقص الحاصل في الاحتياطي من العملة الصعبة وبالتالي سيحد من اللجوء للتداين الداخلي والخارجي.

وكشف أن هذا الدعم السخي لصندوق النقد الدولي ورغم أنه سيزيد في المنحى التضخمي الا أنه سيوفر سيولة إضافية للاقتصاد العالمي و سيمكن من دعم الدول النامية خاصة في ظل إرتفاع مؤشرات المديونية الداخلية والخارجية وتردي جل المؤشرات ذات العلاقة.

عز الدين سعيدان، خبير اقتصادي

الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان يرى أيضا أن الوضعية المالية والإقتصادية في تونس صعبة جدا وهي مطالبة بتعبئة 23 مليار دينار خلال الفترة القادمة، مشددا على أنها غير قادرة على الاقتراض من الأسواق المالية العالمية في الوقت الحالي، ولكن بإمكان رئيس الجمهورية التوجه إلى الدول الصديقة والشقيقة لتعبئة جزء منها على الأقل.

وقال “تونس تمر بظرف اقتصادي ومالي صعب جدا وهي مطالبة بتسديد 16.3 مليار دينار من القروض خلال سنة 2021 وتم تسديد ثلثيْ المبلغ وبقي الثلث ووفق ميزانية 2021 فإن الدولة مطالبة بتعبئة قروض جديدة بقيمة 18.7 مليار دينار ولكن في الميزانية التكميلية لابد من تحيين هاته الأرقام والأخذ بعين الاعتبار عديد المتغيرات على غرار أسعار برميل النفط”.

وتابع “الواضح اليوم أن تونس في حاجة إلى 23 مليار دينار عوض 18.7 مليار دينار وبالتالي العملية صعبة جدا وتونس ليس بإمكانها الوفاء بكل هاته الالتزامات بالاعتماد على مواردها الذاتية ولهذا السبب هناك ضرورة قصوى أن يحاول رئيس الجمهورية تعبئة قدر معيّن هاته الموارد من الدول الصديقة والشقيقة من أجل طمأنة الأسواق المالية الدولية والتأكيد على أن تونس قادرة على تسديد ما تبقى من دينها الخارجي بصفة طبيعية وهذا يشكل تحديات كبيرة جدا ولابد من وضع خطة استراتيجية كاملة لما تبق من هاته السنة”. وحدد سعيدان الاستحقاقات الداخلية العاجلة في تسديد أجور الوظيفة العمومية والنفقات العامة ونفقات صندوق التعويض.

ملفات متفق عليها
اتفقا كل من عز الدين سعيدان ومحسن حسن على أنّ إعداد قانون مالية تكميلي والعمل على قانون مالية لسنة 2022 يعدّ أحد أبرز التحديات الاقتصادية ، مشيران إلى أنه يمكن لرئيس الجمهورية المصادقة عليها في ظل تعطل أشغال البرلمان.

وفي هذا السياق طالبا بضرورة إيجاد حلول جذرية لتمويل العجز المسجل والمتنامي في الميزانية الحالية خاصة وأن تونس تحتاج تمويلات بقيمة 10 مليار دينار لتمويل نفقاتها للأربعة أشهر القادمة.

وقالا ” يجب على الحكومة التي من المتوقع أن يعلن عنها رئيس الجمهورية قريبا أن تعطي الملف الاقتصادي الاولوية المطلقة عبر العمل على استعادة الثقة بين مختلف الفاعلين الاقتصاديين وطنيا وعالميا والالتجاء إلى الدبلوماسية الاقتصادية وطلب مساعدة الدول الشقيقة والصديقة حسب تعبيره لتمكين تونس من موارد مالية إضافية لمجابهة هذا الظرف.

وشددا على أن الاصلاحات الهيكلية للخروج من الأزمة الاقتصادية يجب أن تطال مناخ الاستثمار ومراجعة منظومة التمويل والقضاء على الفساد والرشوة وتطوير البنية التحتية ومنظومة التكوين وذلك بهدف تدعيم جاذبية الوجهة التونسية في مجال الاستثمار.

ولتحسين الوضع الاقتصادي والنهوض بموارده المالية يجب الاعتماد على الموارد الذاتية والجباية المحلية من خلال إصلاح المنظومة الجبائية ومقاومة التهرب الضريبي والتهريب وتطوير الانتاج الوطني من الفسفاط والبترول واعتباره مرتبط بالأمن القومي ويتطلب أيضا حسن التصرف في موارد الدولة من خلال التحكم في نفاقات التسيير والتأجير وتدعيم الشراكة بين القطاعيْن العام والخاص.

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here