تونس ربحت معركة وخسرت حربا

10
تونس ربحت معركة وخسرت حربا

خالصة حمروني

أفريقيا برس – تونس. في حركة مفاجئة وغير متوقعة أخذ رئيس الجمهورية قيس سعيد يوم 25 يونيو المنقضي – طبقا للفصل 80 من الدستور – قرارات رئاسية أقال بمقتضاها آنذاك رئيس الحكومة هشام المشيشي وجمّد كل اختصاصات البرلمان ورفع الحصانة عن النواب وغيرها من الإجراءات الاخرى التي كان الهدف منها دفع الخطر الداهم.

أغلبية الشعب رحبت بهذه الإجراءات وخرجت في ردة فعل عفوية الى الشوارع مساء اليوم ذاته تعبيرا لمساندة الرئيس الذي توقع منه الكثير قرارت أكثر جرأة وأكثر جدوى اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا.

اليوم وبعد مرور أكثر من أربعة أشهر كاملة من توسيع سعيد لسلطاته وتمديده للإجراءات الاستثنائية القيام  لنتائجها من وجهات نظر مختلفة سياسية واقتصادية تسائل موقع “إفريقيا برس” ما الذي تغير في تونس وهل أصبحت بحال افضل؟

الوضع الاجتماعي هش

“مثلت الأشهر الماضية فترة غموض للفاعلين الاجتماعيين باعتبار أن الحكومة قد تم تشكيلها بصفة متأخرة، فضلا عن الغموض على مستوى الخطاب السياسي للحكومة، إذ لا أحد يعرف برنامجها ولا حلولها أو بدائلها للأزمة الاقتصادية والاجتماعية دون أن ننسى أيضا الغموض الذي اكتنف المسار السياسي” هذا ما أكده رمضان بن عمر المكلف بالإعلام في المنتدى الاقتصادي بخصوص تقييمه لمردودية هذه الفترة على مستوى اجتماعي.

رمضان عمر - المكلف بالاعلام في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية
رمضان عمر – المكلف بالاعلام في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية

وأكد بالمناسبة ان كل الأشهر الماضية كانت فترة ضبابية بامتياز لأن الرؤية لم تتوضح ولم تصاحبها إجراءات سياسية ولا اقتصادية أو اجتماعية كما اتسمت بقطيعة كبيرة على الأقل بين الرئاسة ومكونات المجتمع المدني والسياسي، موضحا في هذا الاتجاه أنه يتفهم هذه القطيعة مع المجتمع السياسي ولكنها مع المجتمع المدني قد ناقضت ما قام به الرئيس يوم 26 يوليو عند لقائه بالمجتمع المدني.

بن عمر قال أيضا أن المنتدى سجل خلال الفترة المنقضية عودة القبضة الأمنية إلى الفضاء العام والتواجد الكثيف للأمن في التحركات والمسيرات، مع ممارسة مختلف التضييقات على غرار ما حدث في عقارب وقبلي. الأمر الذي يتناقض في نظره مع ما قاله سعيد حول الحفاظ على الحقوق والحريات .

وأضاف المتحدث يعيش الكل على حالة من انتظار بحكم ان جل المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية لم تشهد تحسنا وفق رأيه: عادت الإحتجاجات الاجتماعية بعدة جهات وزادت وتيرة الهجرة غير النظامية حتى إن عدد الذين هاجروا بهذه الطريقة بلغت اعدادهم بعد 25 جويلية حوالي 9500 «حارق» دون أن ينسى البعض ضعف المؤشرات المتعلقة بنسب النمو والتشغيل التي شهدت تراجعا.

وحسب بن عمر فإن الرئيس التونسي شدد في لقائه يوم 26 يوليو على أمرين أولهما عدم المساس بالحريات والحقوق وثانيهما أن المسار القادم تشاركي وسيكون للمجتمع المدني رأي فيه قائلا “نعتقد أننا لم نكن في وضع أفضل في علاقة بالحقوق والحريات من قبل ولكن المسار التشاركي ليس موجودا مادامت رئاسة الجمهوريّة تفضل العمل بمفردها وتقديم رؤيتها منفردة .

الحرب بدأت مع الفساد

باسل ترجمان - كاتب صحفي ومحلل سياسي
باسل ترجمان – كاتب صحفي ومحلل سياسي

الكاتب الصحفي والمحلل السياسي باسل ترجمان اوضح أن تاريخ 25 يوليو مكّن الجميع من معاينة حجم الخراب واكتشافه بعد سقوط منظومة الفساد وتوابعها، مشيرا الى أنه لم يكن أحد يتوقع أن تكون الأمور قد وصلت الى هذا المستوى الكارثي من التدمير الممنهج للدولة ولمؤسساتها في تونس.كما أوضح أن الحرب بدأت ضد الفساد وأن معركة طويلة انطلقت لتطهير القضاء بدأنا نشاهد بوادرها لكن صحيح أن الانتظارات كبيرة وأكبر بكثير مما تم ولكن من يعرف حقيقة حجم الفساد وحجم المافيات واللوبيات التي تغلغلت في مؤسسات الدولة وعطّلتها يعي تماما أن ما تم إنجازه كبير جدا وليس من السهل إنجازه في هذا الوقت القياسي. ترجمان يرى أن أغلب التونسيين ينتظرون الكثير من قيس سعيد ولكن ليس كل ما يُطلب يمكن تحقيقه حسب قوله اذ أن الدولة اليوم تواجه تحديات كبرى وسيدفع الشعب التونسي والاجيال القادمة ثمن الكوارث والنهب والقروض التي أُخذت ولم يكن هدفها الاستثمار أو بناء الدولة بل هدفها النهب والسرقات ودفع الأجور.

وفي معرض إجابته عن سؤال هل تونس أفضل الآن؟ قال ترجمان أن تونس خلال الأشهر الأربعة الماضية ربحت معركة الكورونا بعد أن كان التونسيون يموتون في المستشفيات لعدم توفر اللقاحات والاوكسجين، في حين كان أقطاب الفساد يقضون السهرات في الفنادق الكبرى. وبالتالي فقد استعاد الشعب على الأقل جزءا من حريته ومعركته ضد الكورونا التي كانت تمثل أم المعارك وقتل فيها أكثر من 25 الف تونسي. وقال ترجمان “صحيح أن الإنتظارات كبيرة بعد 25 يوليو ولكن أيضا ما تحقق كبير أيضا بالنسبة له والمعركة مازالت متواصلة وطويلة و لا يمكن في نظره إعادة إطلاق الاقتصاد في تونس طالما الفساد متغلغل في دواليب الدولة .

وبخصوص رفض سعيد للحوار وعدم تشريك الأطراف الفاعلة الأخرى أكد هذا الأخير أن لا أحد يرفض الحوار متسائلا هل الحوار من أجل الحوار أم من أجل النتائج؟وفصّل حديثه بأن أبواب الحوار لم تغلق إلا مع من أقصى نفسه من الحوار مشددا في هذا السياق على أن المرحلة القادمة ستشهد تونس مرحلة التحضير لأفكار مستقبلية تحدد شكل الغد ولن يكون فيها قرار فردي أو شخصي : عندما تتبلور الأفكار سيتم نقاشها مع الجميع حسب قراءته باستثناء من أقصوا أنفسهم من أن يكونوا ضمن الإطار الوطني.

حقيقة الوضع الاقتصادي

عز الدين سعيدان - خبير اقتصادي
عز الدين سعيدان – خبير اقتصادي

أما بالنسبة لتقييم الأشهر الأربعة الاخيرة من منظور اقتصادي فقد قال الخبير عز الدين سعيدان في هذا الصدد أن أقل ما يقال عن الوضع الحالي الاقتصادي والمالي أنه فوضوي وأن المالية العمومية دخلت في وضع غير مسبوق خطير جدا إذ يكفي في نظره دراسة أرقام قانون المالية التكميلي لمعرفة حجم ارتفاع العجز والزيادة الكبيرة في نفقات الدولة بينما يواصل الإقتصاد انكماش.

سعيدان يؤكد انه بين سنتي 2020 و 2021 انكمش الاقتصاد التونسي بنسبة %12 في حين ارتفعت نفقات الدولة في نفس الوقت إلى %14.

وهذا يفسره سعيدان بأن الدولة تواصل مراكمة الديون بشكل خطير جدا مما يؤدي الى وضع التداين المشط والذي يعني أيضا الشك في قدرة الدولة على مواصلة تسديد ديونها. كما أوضح سعيدان من جهة أخرى أن الدولة أصبحت تلجأ إلى الحلول القصوى أو أخطر الحلول وفق تعبيره في ظل محدودية قدرتها على تعبئة الموارد مضيفا أن الاخطر من ذلك أن الدولة غير قادرة على تعبئة موارد ميزانية 2022 وذلك في ظل غياب كامل لأي رؤية إصلاحية أو برنامج أو استراتيجية او إجراء من شأنه أن يفتح باب الإصلاح . وقال أن الأوضاع لن تتحسن بصفة تلقائية اذا لم تكن هناك إصلاحات وإجراءات لإنقاذ الوضع.

وهذه الإجراءات لا بد أن تتم بالحوار وهو ضرورة قصوى ليس مع الداخل فقط وإنما مع الخارج أيضا ومع صندوق النقد الدولي بالخصوص الذي توقفت محادثاتنا معه تماما دون اتفاق معه لتمويل نفقات الدولة للسنة القادمة والسنوات الموالية . وخلص سعيدان إلى أن الوصول إلى اتفاق مع الصندوق صعب المنال في هذه الظروف من الناحية السياسية أو من الناحية الاقتصادية والمالية موصيا في هذا المستوى بضرورة التحرك بالسرعة القصوى لتوضيح الرؤية السياسية والخروج إلى أوضاع مستقرة حتى يصبح معها من الممكن إعادة المفاوضات والمرور إلى إصلاحات تأخرت كثيرا جدا في نظره.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here