تونس.. غموض يلف المشهد السياسي في انتظار خطاب قيس سعيد

32

بقلم : خالصة حمروني

قبل سويعات من انتهاء مهلة الثلاثين يوما للإجراءات الاستثنائية التي بموجبها اقال رئيس الجمهورية قيس سعيد رئيس الحكومة هشام المشيشي وجمّد أعمال البرلمان ورفع الحصانة عن جميع نوابه وتولى السلطتين التنفيذية والقضائية، أصدر أمرا رئاسيا يقضي بالتمديد في هذه التدابير الاستثنائية المتخذة بمقتضى الأمر الرئاسي عدد 80 لسنة 2021 وذلك إلى غاية إشعار آخر كما جاء في البلاغ الرسمي لمؤسسة رئاسة الجمهورية.

بلاغ مقتضب صدر في آخر الليل جاء فيه أيضا أن سعيد سيتوجه في الأيام القادمة ببيان إلى الشعب التونسي.

وخلال المدة التي انقضت شهدت البلاد إعفاء مسؤولين في قطاعات عدة وفرض الإقامة الجبرية أو منع السفر على آخرين بدعوى التحقيق في شبهات فساد تلاحقهم بقرارات من قيس سعيد. وهي قرارات أكد رئيس الجمهورية في أكثر من مناسبة على ضرورتها لإنقاذ تونس التي تعاني مشاكل اقتصادية ومالية واجتماعية.

وعموما منذ تاريخ 25 جويلية تتواصل الحياة السياسية في تونس دون مستجدات تذكر، وحده قيس سعيد يمارس صلاحيته ويصدر أوامر وفي المقابل تواترت بيانات الاحزاب السياسية وتعددت القراءات الدستورية بخصوص ما أقدم عليه رئيس الجمهورية وما سيعلن عنه في خطابه القادم.

مواقف حزبية

“حركة مشروع تونس” نبهت في بيان لها، صدر بعد الاطلاع على قرار رئيس الجمهورية التمديد في التدابير الاستثنائية دون تحديد آجال أو خطوات محددة مستقبلية، إلى “خطورة الوضع الاقتصادي والمسؤوليات المنجرة عن التأخر في معالجته نظرا لغياب الحكومة”.

ودعت الحركة كل الفاعلين السياسيين والمنظمات الوطنية الى العمل المشترك لتكوين قوة اقتراح ورقابة من أجل تأمين الانتقال السلس نحو تركيز وبناء جمهورية ثالثة وطنية ديمقراطية وتعدديٌة.

من جهته اعتبر”حزب العمال” أن تمديد التدابير الاستثنائية لمدة غير معلومة يمثل حلقة من حلقات المسار الانقلابي الذي فتحه رئيس الجمهورية قيس سعيد يوم 25 جويلية الماضي لتحييد خصومه في منظومة الحكم والاستيلاء على كافة السلطات. واتهم الحزب سعيد “ببيع الكلام” للعمال والكادحين والمفقّرين وخاصة الشبان منهم، مقابل طمأنة أرباب العمل والمال على مصالحهم والقوى الخارجية الإقليمية والدولة.

المكتب السياسي لـ “حزب التكتّل من أجل العمل والحريات” قال أن يوم 25 جويلية 2021 “مثّل لحظة فارقة مكّنت من إيقاف نزيف الديمقراطية الفاسدة التي هيمنت على دواليب الدولة” مؤكدا على أن” السيادة تبقى للشعب، وعليه يجب العودة إليه في أقرب الآجال وتحديد موعد الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها. واعتبر أن “عودة مجلس نواب الشعب، الفاقد للشرعية، في شكله الحالي، للانعقاد، أمر عبثي ” داعيا إلى” البت في كل التتبعات القضائية، بما فيها تقرير محكمة المحاسبات التي تلاحق النواب والأحزاب لتنقيته”.

أما” حراك تونس الإرادة” فقد اعتبر تمديد تدابير 25 جويلية الاستثنائية “خطوة جديدة نحو الدكتاتورية المطلقة “.  وأضاف حزب “الحراك” الذي أسسه الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي، أن رئاسة الجمهورية  “انحرفت بالسلطة ووضعت نفسها بالقوة العسكرية والأمنية في موقع أفضلية للاعتداء على سائر المؤسسات السياسية والدستورية”. كما اعتبر أن ما ورد على لسان رئيس الجمهورية، الذي وصف البرلمان بأنه هو “الخطر الداهم والجاثم” يمثّل “اعترافا صريحا منه بأنه قام بانقلاب أزاح به السلطة التشريعية التي تمثل محور النظام السياسي حسب الدستور، خدمة لأجندة سياسية وتحقيقا لرغبات دول تمثل أنظمتُها نموذجا للاستبداد المتوحّش وللفساد ولتبذير ثروات شعوبها”، وفق ما جاء في نص البيان.

وفي السياق ذاته عبرت حركة النهضة عن “انشغالها العميق” بشأن الغموض الذي يكتنف مستقبل البلاد، بعد الأمر الرئاسي بالتمديد”، الذي قالت إنه “يلغي مراقبة البرلمان، الذي يمنح الدستور لرئيسه أو لـ 30 من أعضائه حق طلب إنهاء الإجراءات الاستثنائية”. وأكدت حركة النهضة تمسّكها بموقفها المبدئي المعلن منذ الساعات الأولى للقرارات الرئاسية مساء 25 جويلية 2021، و”الذي يعتبر تعليق اختصاصات مجلس نواب الشعب ورفع الحصانة عن النواب، خرقا جسيما للدستور، ومخالفة صريحة لمقتضيات الفصل 80 منه في التنصيص على إبقاء المجلس في حالة انعقاد دائم”.

قراءات دستورية

ولأن ما قام به قيس سعيد جاء ضمن صلاحيات اتاحها له دستور تونس ونخص بالذكر الفصل 80 فقد حاولنا استطلاع رأي ثلة من أساتذة القانون الدستوري حول قرار التمديد في الحالة الاستثنائية الى غاية اشعار.

أستاذ القانون الدستوري عبد الرزاق المختار أكد ان البلاغ الذي أصدرته رئاسة الجمهورية اقتصر على ابلاغ الرأي العام التمديد في الفترة الاستثنائية فقط دون تحديد أجل لانتهائها وهو ما يعني في تقديره الدخول في استدامة حالة الاستثناء وفي ذلك حسب تعبيره خطورة خاصة على الحقوق والحريات التي قد تشهد تضييقات محتملة كما تتيحه هذه الحالة. كما ان هناك خطورة سياسية باعتبار ان الأفق السياسي مجهول خاصة في ظل صمت رئيس الجمهورية وغموضه. ما يعني في وضعية الحال ان الفاعل الرئاسي يتصرف في إطار سلطة تقديرية مطلقة دون رقابة لا قضائية ولا مؤسساتية ولا سياسية ولا مدنية. والأخطر من هذا كله حسب المتحدث ان إدامة الاستثناء يسمح للرئيس بمواصلة تعليق عمل البرلمان وهو ما لا يتسع له بالضرورة أي تأويل للفصل 80 من الدستور.

في مقابل هذا القلق الذي عبر عنه الأستاذ عبد الرزاق المختار فقد  أبدى الأستاذ رابح الخرايفي ارتياحا لتمشي رئيس الجمهورية مؤكدا انه الى حد الآن يتحرك وفق ما يخوّله له الدستور بعيدا عن منطق الاستبداد بقدر منطق قوة الدولة، ليبين ان تمديد حالة الاستثناء ليس أمرا مفاجئا بقدر ما كان منتظرا وذلك ببساطة لأن المسألة غير مرتبطة بآجال وتتواصل وفق الفصل 80 باستمرار وقائع الخطر الداهم وتحديد هذا الاستمرار بيد الرئيس وتراقبه المحكمة الدستورية لو كانت موجودة قائلا “طالما أنها غير موجودة فان الرئيس هو الذي يقدّر هذه الوقائع الخطيرة واستمرارها” لكن هذا حسب تأكيد المتحدث لا يعني أنها غير محددة في الزمن بل ان ذلك يجب أن يكون في آجال معقولة، وهي في تصوره ستة أشهر التي نصت عليها حالة الطوارئ الممتدة من 23 جويلية 2021 الى 19 جانفي 2022 أي أن الرئيس قيس سعيد يمكنه الذهاب في العمل بالتدابير الاستثنائية الى هذا الأجل.

وقد ساند أستاذ القانون الدستوري الصغير الزكراوي زميله الخرفاَي إذ أكد هو الاخر أن رئيس الجمهورية له سلطة تقديرية في تحديد مدة التدابير الاستثنائية أو تركها مفتوحة وذلك استنادا الى زوال أسبابها حسب ما ينص عليه الفصل 80 لان حالة الاستثناء يتمتع فيها رئيس الجمهورية بصلاحيات واسعة حتى في ظل وجود محكمة دستورية.

ويرى الزكراوي ان “رئيس الجمهورية قد يترك سقف المدة الزمنية الى حدود أشهر أخرى أو سنة اذا تواصلت الازمة الاقتصادية والتهديدات الأمنية على الحدود” وهو الذي يمثل خطرا خارجيا الا ان الفصل 80 يتحدث عن خطر داخلي يتعلق بفشل البرلمان والحكومة فتدخل رئيس الجمهورية لردع سلطة منفلتة.

رسالة طمأنة

ولئن اختلفت المواقف الحزبية بين مشجع لما اتخذه قيس سعيد من اجراءات غيرت المشهد السياسي في تونس وبين رافض لها فقد كادت في المقابل انتظارات الطبقة السياسية من الخطاب المرتقب لرئيس الجمهورية متقاربة.

وقد أجمعت أغلبية الاحزاب أن المطلوب من الرئيس إعلان خارطة طريق تتعلق أولا بالحكم وإدارة البلاد عن طريق تكوين حكومة جديدة ودستور صغير وثانيا بالوضع الاقتصادي والاجتماعي. كما طالبت سعيد ببعث رسالة طمأنة للتونسيين والدول الصديقة والشقيقة التي تربطها مع تونس علاقات اقتصادية قوية.

“حركة مشروع تونس” التي طالبت سابقا بإنهاء النظام السياسي الحالي قالت أنها تنتظر من رئيس الجمهورية الإعلان عن برنامج وطني تشاركي محدد في الزمن يقود الى استفتاء شعبي لاختيار نظام سياسي ناجع يؤسس لحكم فاعل ويضمن الحريات العامة والفردية والفصل بين السلط.

أما “حزب العمال” فإنه ينتظر بدوره الإعلان عن حل البرلمان ومحاكمة الضالعين فيه في مختلف الجرائم كما يطالب سعيد بفتح ملفات الفساد والإرهاب والتسفير والأمن الموازي بطريقة عادلة وقانونية ودون مسّ من الحريات، وأيضا الإعلان عن قرارات جديدة تخص السياسات الاقتصادية والمالية والاجتماعية التي خرّبت تونس وفقّرت شعبها.

من جابنه ينتظر “حزب التكتّل من أجل العمل والحريات” الإعلان عن قانون انتخاب جديد يتضمن قوانين منظمة للحياة السياسية وتمنع العودة للمشهد الفاسد وتضمن المنافسة السياسية الشريفة.

أما حركة “النهضة” فانها ترى أن وضع البلاد يتطلب قوانين تهتم بأولويات الشعب الاقتصادية والمالية والتنموية واستحقاقات العودة المدرسية والجامعية والموسم الفلاحي. الأمر الذي يقتضي الإعلان عن الشخصية المكلفة برئاسة الحكومة ومن ثمة العمل على تشكيل حكومة قادرة على تحسين وضع البلاد الذي يعاني أزمات شتة منها الاقتصادية والاجتماعية والصحية.

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here