سوء الأوضاع الاقتصادية يهدد بـ “ثورة جياع” في تونس

49
سوء الأوضاع الاقتصادية يهدد بـ
سوء الأوضاع الاقتصادية يهدد بـ "ثورة جياع" في تونس

آمنة جبران

أفريقيا برس – تونس. تونس.يهدد سوء الأوضاع الاقتصادية بـ “ثورة جياع” في تونس، حيث لا تلبث أن تختفي وتيرة الاحتجاجات المتفرقة التي تشهدها بعض المدن حتى تعود مرة أخرى إلى الواجهة، تنديدا بغلاء الأسعار ونقص المواد الأساسية، وصمت الدولة إزاء توسع رقعة الهجرة الغير شرعية بشكل خطير ومقلق في الآونة الأخيرة.

ولا يستبعد متابعون أن تشهد تونس شتاء ساخن بسبب ما تعانيه من أزمة مالية واقتصادية هي الأسوأ في تاريخها، والتي تفاقمت اثر تداعيات الحرب الروسية- الأوكرانية وأزمة كورونا.

ويشكو التونسيون في الأشهر الأخيرة من نقص في العديد من المنتجات مثل الطحين والسكر والوقود وغيرها، وسط تذمر شعبي من عجز الحكومة على احتواء الأزمة، ما يعمق القطيعة بين الشارع الذي يكافح لمواجهة الغلاء وتردي المعيشة، بينما لا يبدي الرئيس قيس سعيد إلا اكتراثا بمشروعه السياسي.

وكانت أحياء فقيرة مثل حي التضامن قد شهدت مؤخرا احتجاجات ليلية تنديدا بتردي الوضع الاقتصادي والبطالة وأيضا للتضييق الأمني المستمر في التعاطي مع المحتجين، كما شهدت مدينة جرجيس ، احتجاجات واسعة على عدم إنقاذ الدولة لـ18 شابا من المهاجرين غير النظامين من أهالي المدينة غرق مركبهم في 21 سبتمبر- أيلول الماضي.

ويتوقع المتابعون عودة قوية للاحتجاجات في ظل غياب دور الدولة وتغاضيها عن تدهور غير مسبوق للمقدرة الشرائية للمواطنين، وقد تناقلت وسائل إعلامية صورا لمتظاهرين في العاصمة في إحدى الاحتجاجات الأخيرة وهم يحملون سلالا فارغة في إشارة لمعاناتهم جراء غلاء الأسعار، ومرددين هتافات مثل“يا شعب يا مقموع زاد الفقر زاد الجوع” و”يا شعب ثورة ثورة على حقك المنهوب”.

دولة غائبة

لطالما قدم الرئيس سعيد نفسه على رئيس مدعوم من الشارع الذي أوصله إلى سدة الرئاسة سنة 2019، مزيحا منافسيه من الطبقة السياسية التقليدية، غير أن سوء إدارة حكومته للأزمة الاقتصادية ينعكس سلبا على شعبيته التي تتراجع شيئا فشيئا.

ومن شأن توسع رقعة الاحتجاجات أيضا أن تلقي بضلالها سلبا على الانتخابات التشريعية المرتقبة في ديسمبر المقبل، وسط توقعات بحالة عزوف ومقاطعة شعبية، أين سيؤكد الشارع مرة أخرى استيائه من سياسة الوعود مع كل موعد انتخابي.

ويحرج ارتفاع منسوب الغضب الشعبي مسار 25 جويلية الذي راهن عليه سعيد و“الجمهورية الثالثة“ التي يتعهد ببنائها، ما يعني تراجع الالتفاف حوله في ظل عجز الرئاسة عن تقديم حلول لمشاغل المواطن الحقيقية.

وتشهد تونس منذ 25 جويلية سنة2021، أزمة سياسية حادة مع فرض سعيّد إجراءات استثنائية منها إقالة الحكومة وتعيين أخرى، وحل مجلس القضاء والبرلمان وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية وإقرار دستور جديد عبر استفتاء وتبكير الانتخابات البرلمانية إلى 17 ديسمبر المقبل، وسط اتهامات المعارضة له بإصراره على الانفراد بالحكم متجاهلا الأعراف الديمقراطية.

عبدالحميد الجلاصي، باحث سياسي وقيادي سابق في حركة النهضة

ويشير الباحث والقيادي السابق في حركة النهضة عبدالحميد الجلاصي في حديثه لـ“أفريقيا برس“ أن“ كثير من الناس رحبوا بما حصل يوم 25جويلية 2021 من منطلق إنهاء مأزق لم يكن يملك مقومات الاستمرار ومن منطلق المراهنة على سعيد لتجاوز اخلالات المرحلة السابقة حين تم التركيز على القضايا الثقافية والسياسية مع إغفال القضايا الأكثر التصاقا بمعيشة الناس وهي التي كانت القادح الأساسي للثورة في أواخر 2010“.

واستدرك الجلاصي بالقول“ لكن بعد سنة ونصف لا تظهر سلطات الأمر الواقع أدنى اهتمام ولا كفاءة في إدارة الشأن الاقتصادي،و تنهار كل المؤشرات، وتتآكل الطبقة الوسطى، ولا يلمح الشباب أدنى بوادر للأمل.“

وحسب تقديره “يترافق نقص الكفاءة والفشل في إيجاد الحلول مع العجز عن التواصل وتوضيح الصورة للناس وتهيئتهم لمراحل قد تكون أكثر صعوبة.“ ملاحظا أن “شعبية سعيد تتآكل، وتزداد الحيرة ، و يتصاعد التذمر، وتبرز بوادر حراك اجتماعي في جرجيس وحي التضامن وغيرها“.

ويتسائل“ هل يتم التعبير عن هذه الحالة من خلال الاحتجاج في الشارع ؟ أم يتم تصريفها من خلال استراتيجيات خصوصية؟ للتأقلم (الهجرة ، الرشوة، التهريب، السرقة ، ترشيد التصرف في الميزانيات العائلية).

ويستنتج الجلاصي بالقول“ كل هذا ممكن . إذ أن تجارب الشعوب مع سياسات التفقير تقود أحيانا إلى انتفاضات سريعة لا تبقي ولا تذر، وقد يتأجل هذا الانتفاض بعض الوقت، وكلا الأمرين محتمل في الحالة التونسية“.

مفترق طرق

الشرطة تتصدى للاحتجاجات الشعبية

بينما تراهن الدولة على التعاطي مع الاحتجاجات من خلال سياسة الردع وتطويقها أمنيا، إلا أن الاحتجاجات المتفرقة تعكس رفضا لسياسة الأجهزة الأمنية مع الشباب، وهو ما ينذر بعدم صمت الشارع إزاء هذه الممارسات، ويبقى بالتالي تجدد الاحتجاجات احتمال وارد في أي لحظة.

وفي ظل عجز الحكومة عن إيجاد حلول لندرة المواد الأساسية وغلاء الأسعار ستشتعل وتيرة الاحتجاجات الشعبية أيضا، حيث ترى الطبقة الفقيرة والمتوسطية التي تآكلت في السنوات الأخيرة أنها الأكثر تضررا من الأزمة الاقتصادية الحادة وهي من تدفع ثمن فشل سياسات الدولة باهظا.

وتؤكد أوساط سياسية وحقوقية أن غياب الرؤية وعدم تحديد الدولة البوصلة لمعالجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، يضع البلاد أمام مستقبل غامض ومفتوح أمام سيناريوهات مختلفة.

مصطفى عبدالكبير، رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان

ويلفت رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان مصطفى عبدالكبير لـ“أفريقيا برس“الوضع عموما في تونس مفتوح على كل الاحتمالات نظرا لتعدد الأزمات فالأزمة ليست اقتصادية فقط بل سياسية واجتماعية.“

ويرى عبدالكبير أن“ الضبابية والعتمة التي يتسم بها المشهد العام في تونس تجعل المواطن يفقد الأمل في كل شيء ولا أحد يدرك أو يستطيع تشخيص ردة فعله تجاه ما يعانيه من أزمة ونقص حاد في كل المواد الأساسية التي باتت الشغل الشاغل للمواطن التونسي أينما وجد.“

وبرأيه فأنه “مهما كانت مقدرته الشرائية فإن العبث وغياب الرؤية هما سببا الأزمة الخانقة“.

وخلص عبدالكبير بالقول: “تونس بهذا الوضع مقبلة على شتاء ساخن لا أحد يدرك كيف يبدأ ومتى ينتهي.. الشيء الأكيد أنه مزلزل وسباتي على رؤوس الساسة وسيطيح بهذه الحكومة الدمية التي يتلاعب بها الجميع. كل المسارات في تونس في مفترق طرق لا أحد يعرف اتجاه الأحداث فقط الأكيد والثابت ستكون ثورة الجياع“.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here