كيف أدارت النهضة معركتها مع الثورة المضادة؟

24

مبروك.. الف مبروك.. لقد انهزمت الثورة المضادة في تونس.. كان يوم الخميس 27 جوان 2019 هو اليوم العالمي لانكسار الثورة المضادة في بلادنا، وحتى يحين موعد التفصيل، نتعامل الآن مع الأحداث بشكلها الظاهر، هجمات ارهابية في قلب العاصمة وفي خاصرة الجهاز الأمني، الترويج لوفاة رئيس الجمهورية، الدخول في جدال محموم حول الفراغ الدستوري، حتى قال قائلهم “لو قمنا بإرساء المحكمة الدستورية لتجنبنا الكارثة التي ستعيشها البلاد”، اذا كانوا يرغبون في خميس اسود، فتحول بفضل الوعي الى خميس ابيض، ونُكبت الثورة المضادة في موقعة جديدة.. لكن كيف خاضت الثورة المضادة معاركها في تونس وكيف اختارت جبهاتها ومن اين ارادت الدخول إلى المارد السبعطاشي العنيد؟

من خلال إطلالة مجملة على الساحة، ندرك أن الثورة المضادة ومنذ انبعاثها ركزت على عنوان الإسلام السياسي او النهضة او اخوان تونس، واختارتها وجهة لقصفها في اعتقادها أن أفضل المداخل نحو تقويض الثورة هو المدخل الإسلامي، وما اغراها بذلك أن تلك المعركة بذلك العنوان اتت اكلها في مصر وجلبت غالبية الصف الثوري بشعور أو دون شعور إلى خندق الثورة المضادة، ذلك الصف الذي أسهم في إمدادات معتبرة ودعّم بقوة على المستوى اللوجستي والنفسي وحشد الشارع وصخر جميع موارد الثورة لصالح الثورة المضادة، لتنتهي المعركة بإسقاط الاخوان وبشكل آلي سقوط بقية مكون 25 يناير، بما ان غالبية هذا المكون كان يعمل على اسقاط الشرعية الثورية تحت امرة الثورة المضادة، هذا يعني انه سقط أخلاقيا ثم لما أراد العودة من بعيد، نفخ عليه العسكر حين كان في طريقه إلى القصور السيادية.

تفطنت النهضة إلى أن الحملات على الثورة ستتركز بنسبة 90% على بوابتها، وأن الثورة المضادة لا يمكن ان تدخل في صراع مباشر مع الثورة من بوابة سبعطاش ديسمبر ولا يمكن أن تسمي عدوها الأصلي بالاسم وبشكل سافر، هي في حاجة الى بوابة يمكن أن تجند لها جيوش الثورة التي تملك سواعد حماسية قادرة على خوض المعارك الذكية”17ديسمبر” والمعارك الغبية “2013”، وفعلا تمكنت الثورة المضادة في تونس من تجنيد كميات لا باس بها من عناصر الثورة أو المحسوبة على الثورة، وفتحت بهم ومعهم معركة اجتثاث الإسلامي الفرع من أجل العبور إلى سبعطاش ديسمبر الأصل.

اختارت الثورة المضادة بوابتها بدقة ووضوح وسمّت ذلك واعلنته كما اعلنت عنه حقيقة أهدافها المرحلية، في المقابل استعدت النهضة للمعركة وكانت على يقين أنها ليست معركة قوة بقدر ماهي معركة ذكاء، رصيدها التماسك، إذا لا بديل عن القتال بجسم متماسك مرن في تحركاته صلبا حين تحمل عليه كتائب الثورة المضادة، اختارت النهضة منذ البداية أن تخوض معارك الكر والفر وان تعتمد المناورة ثم العمل على تفكيك الحلف المعتدي، وتجنبت اللجوء إلى الشجاعة الفلكلورية، وتنحت بعيدا عن معارك الموت الشريف واختارت معارك الحياة الممكنة، قررت أن تخوض معركة الممكن المتاح الذي يتيح الحياة أو يحسن من فرص الحياة، بدل معركة الحق الكامل الذي يحيل على الشهادة وما تعنيه من نهاية شريفة، وبحكم قساوة التنازلات والتراجعات المؤلمة تناثرت الكثير من قواعد النهضة وتبرعت بشكل كبير من حاضنتها، كانت كلما تراجعت كلما تبعثر الأنصار، يمكن القول أن النهضة رفضت استدراجها الى معارك الحياة او الموت، هي ايضا رفضت النزول بكامل قوتها للقتال على كل حقها الذي منحه إياها الشعب وارتضته الصناديق، لقد بنت خطتها على التراجع الى حدود اسوار سبعطاش ديسمبر، هناك يمكن أن تخوض معركة الموت الشريف وليس على شرط نتائج 23 اكتوبر او القصبة او الوزارات السيادية او أي من الحقائب والمكاسب، كان زعيمها في غاية الوضوح عندما اكد ان حركته تخوض المعركة تحت شعار” إذا خسرنا السلطة فإننا سنعود إليها، ولكن إذا خسرنا أمن تونس واستقرارها فستكون خسارة للجميع”، ما معنى أمن تونس واستقرارها؟ حتى قبل 17 ديسمبر كانت بلادنا تنعم بالاستقرار تحت الحديد والنار، كان الغنوشي يقصد الحرية، وروح الحرية من روح سبعطاش ديسمبر. لم تكن النهضة في معاركها عارية يتيمة، كما الإخوان في مصر، كانت مدثرة بالترويكا، برئيس عنيد، بلجان حماية الثورة، تم تشويهها لكن التاريخ سينصف ما قامت به تلك اللجان وما سطرته من ملاحم وطنية، وكيف تم حلها لأنها بالغت في رفع رايات سبعطاش.

ضاحي خلفان.. احمد موسى.. ديفيد هيرست.. اليوم السابع.. ابراهيم نافع.. ميدل ايست أي..الجارديان….شخصيات ومواقع معادية واخرى محايدة اكدت ان اجتثاث حركة النهضة سيمكن من انهاء الربيع العربي أو ما عبر عنه بعضهم بالربيع العبري او بالمؤامرة لتقسيم الامة كما صرح خلفان. إذًا كان الكل من الصديق الى العدو يدرك أن الثورة المضادة يجب ان تقود معركة اقتحام حياض سبعطاش ديسمبر من بوابة النهضة، وما لم تسقط هذه الحركة فلن تسقط الثورة، الكثير من الشخصيات المناصرة لثورات الربيع العربي، من العرب وحتى الأجانب، اعتبروا نتائج انتخابات 2014 نهاية مأساوية للثورة التونسية، ابشع من نهاية الثورة المصرية، واعتبروا نهاية 25 يناير شريفة لأنها ضلت تقاوم ولم تستسلم، أما الثورة التونسية فقد استسلمت عبر خدعة انتخابية عبث بها المال والإعلام، نذكر انه وحين دخلت النهضة إلى الحكومة واسندوا لها الفتات، وصف البعض ذلك بالجريمة والخيانة وأن النهضة الجبانة فرت من المعارضة ورفضت قيادة المعركة ضد منظومة بن علي العائدة الى السلطة، لكن الحركة كان لها الرأي المغاير، لقد سبق وقررت أن جميع المعارك يجب أن تدور بذكاء وليس بحماس، وكان رأيها أن الثورة يجب أن تبقى داخل أروقة الدولة، وإن كان بلا كراسي، وان جلست على الارض، وان مشت حافية على البلاط، وإن تركوها بلا غداء ولا عشاء، وان تجاهلوها وتهامسوا وتغامزوا عليها.. المهم ان لا تغادر سبعطاش ديسمبر منصات الدولة بشكل كلي وتعود إلى الشارع لتتناحر مكوناتها فيما بينها على نوعية الشعارات التي سترفعها في المظاهرة المطالبة بالمزيد من الحريات.. حينها نكون قد عدنا الى مربع ستاش ديسمبر.

قدمت النهضة وصفة رائعة لشركاء الثورة، لخصت لهم واوجزت: معارك الثورات لا تدار بالنفوذ فتجربة المنظومة في ذلك تفوق النصف قرن، لا تدار بالمال فقوى الردة في الخارج مستعدة لتمويل دولة موازية وليس ثورة موازية، لا تدار بالقوة فالثورات المضادة تحسن استثمار الصدام عبر أدواتهم الملوثة جدا.. إنما تدار المعارك بالذكاء والصبر والمرونة الايجابية.. ثم هي وصية ماضية ثاقبة: لا تتركوا الثورة المضادة تنفرد بالدولة، حتى ان اقتصر تواجدكم على حارس بسيط يجلس لهم القرفصاء بالداخل، يراقب تحركاتهم وينقل لسبعطاش ديسمبر ما يقع بشكل دوري.. ازرعوا عيون سبعطاش ديسمبر بداخلها، فإنهم إذا انفردوا بالدولة سقطت الثورة.

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here