مشاركة إسرائيليين في موسم حج الغريبة تثير الجدل في تونس

38
مشاركة إسرائيليين في موسم حج الغريبة تثير الجدل في تونس
مشاركة إسرائيليين في موسم حج الغريبة تثير الجدل في تونس

أفريقيا برس – تونس. أثار وصول سياح إسرائيليين إلى تونس بهدف المشاركة في الاحتفالات السنوية لحج اليهود في مدينة جربة، وفق ما تداوله نشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي مؤخرا، أثار جدلا في البلد التي تشدد على أن احتضانها لهذه المناسبة يأتي ضمن دوافع دينية ترسخ من خلالها قيم التسامح والتآخي بين الأديان، فيما تنفي أي دوافع سياسية تلمح لفرضية التطبيع مع الإحتلال الإسرائيلي.

وتناقل نشطاء تونسيون فيديو لسياح يعتقد أنهم من الكيان الإسرائيلي وظفوا جوازات دول أوروبية للوصول إلى مطار تونس قرطاج الدولي، للمشاركة في احتفالات كنيس “الغربية” اليهودي، وحسب هؤلاء فانه سيقع تنظيم رحلات مباشرة من مطار بن غريون إلى مطار قرطاج في خطوة غير مسبوقة، من شأنها أن تستفز الرأي العام المحلي كما تحرج الرئيس قيس سعيد المعروف بموقفه المناهض للتطبيع.

ونشر الباحث والناشط السياسي جمال الدين الهاني فيديو لمسافرين في مطار قرطاج على صفحته بموقع فيسبوك، وعلق بالقول “شاهدت اليوم كمئات التوانسة في مطار تونس قرطاج مجموعة سياح تحاول التسويق الحذر والذكي لمشهد يختلط فيه العار بالألم. حيث قام المنشط الإسرائيلي بجمع الجوازات الإسرائيلية على عين الملأ بلهجة تل أبيبية، ثم تحول إلى إدارة الحدود بمعية مترجم تونسي مما يعني غياب يهود تونسيين وذلك من أجل الحصول على تأشيرة عبور دون اعتماد وثائقه الرسمية”.

وتوضح الأوساط التونسية أن الجدل الدائر ليس ضد اليهود بل تحديدا ضد الإسرائيليين، وفيما تقدم تونس ومدينة جربة خصوصا التي يتعايش فيها المسلمون واليهود منذ سنين مثلا للتسامح بين الأديان، إلا أن الترويج الإسرائيلي لعلاقات مع البلد هو ما يزعج التونسيين.

ويتوجس التونسيون من أن يكون هناك تعمد إسرائيلي لتسييس حج الغريبة مثل أي سياق ديني آخر لدعم فكرة التطبيع خاصة في المعاقل الرافضة له، وهذا ما فهمه المعارضون ورفضوه، وهذا الرفض ليس ضد حرمان اليهود من حقهم في ممارسة الحج وشعائرهم الدينية، لكن ضد تسييس الحج وإقحام قضية التطبيع.

الدولة: تونس أرض تسامح

تؤكد السلطات التونسية أن زيارة اليهود لجربة تقدم رسالة إلى العالم بأن البلاد ستظل أرضا للتسامح، كما تراهن على نجاح الاحتفالات لإنعاش الموسم السياحي الذي تكبد خسائر هائلة منذ انتشار الجائحة.

وبدأت الثلاثاء الزيارة إلى معبد الغريبة بجزيرة جربة، التابعة لولاية مدنين، جنوب شرقي البلاد، فيما تبدأ مراسم الاحتفال الرسمية يومي الخميس والجمعة بحضور مسؤولين كبار في الدولة وكبير الأحبار في تونس.

بيريز الطرابلسي، رئيس الطائفة اليهودية في تونس

وأبرز بيريز الطرابلسي، رئيس الطائفة اليهودية في تونس والمشرف على تنظيم زيارة الغريبة في تصريح لـ”أفريقيا برس” الاستعدادات والتحضيرات الحثيثة التي انطلقت لإنجاح موسم الحج الجديد على جميع المستويات، مؤكدا أن “ التنظيم سيكون محكما وجيدا خاصة على مستوى أمني“. وتوقع “ توافد ما بين 5000 و6000 زائر للمشاركة في هذه المناسبة، كما توقع نجاح هذا الموسم بعد انقطاع سنتين بسبب الجائحة ما سيشكل فرصة لانتعاش السياحة التونسية“، حسب تعبيره.
وبعيدا عن الجدل الدائر بشأن زيارة إسرائيليين إلى تونس، أشاد الطرابلسي برمزية هذه المناسبة في تعزيز قيم التعايش والتسامح الديني. ولفت “لا يوجد فرق بين المسلمين واليهود في تونس، حتى إن الزيارة باتت تحظى بزيارة واهتمام التونسيين المسلمين أنفسهم“. وأردف بالقول “اليهود هم تونسيون أيضا.. من حقهم المشاركة في الحج وهذه بلدهم“.

وبحسب وسائل إعلامية، فإن السلطات الأمنية التونسية تفرض تعزيزات أمنية كبيرة على مداخل الجزيرة، كما انتشرت العديد من الحواجز الأمنية في الطرقات والمنطقة السياحية. ويعتبر معبد الغريبة بجربة حسب الرواية الإسرائيلية أقدم كنيس يهودي في إفريقيا حيث يعود إلى أكثر من 2400 عام.

ويقع كنيس الغريبة في قرية صغيرة بجزيرة جربة، سكنها اليهود في الماضي، وتسمى “الحارة الصغيرة” حاليا، وتبعد عدة كيلومترات جنوب غرب حومة السوق المدينة الأكبر بالجزيرة. ويستقطب المعبد اليهودي في شهر مايو من كل عام آلاف الزائرين اليهود من تونس ومن أنحاء العالم، وتعدّ تلك الاحتفالات في العادة فاتحة الموسم السياحي الصيفي في جزيرة جربة وعموم تونس. وتعوّل تونس بشكل كبير على نجاح موسم “الغريبة” الذي سينعكس بشكل إيجابي على الموسم السياحي في البلاد . وخلال عام 2020 تم إلغاء زيارة المعبد على وقع فيروس كورونا، وفي 2021 جرت الزيارة بتدابير وقائية، لكن هذا العام تتم بشكل طبيعي، بعد انحسار الفيروس بالبلاد.

إحراج للرئيس

لطالما تعاملت تونس رسميا مع هذه التظاهرة، وهي أنها تظاهرة دينية “حج” من حق أي كان أن يحض بها بقطع النظر عن الدولة التي يأتي منها وبقطع النظر عن جواز سفره، تماما مثلما يحصل مع الحج إلى السعودية، فالحق الديني مقدم على المواقف السياسية. وهذا ما حصل في عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، وحكومات ما بعد ثورة يناير، ومازلت الذاكرة التونسية تستحضر كيف حضر القيادي بحركة النهضة حينها عبد الفتاح مورو في 2016 احتفالات كنيس الغريبة، في خطوة فهمت على أنها توجيه رسائل لليهود بأن النهضة ليست ضدهم. لكن مع وصول الرئيس قيس سعيد إلى الرئاسة والذي يتخذ موقفا مشددا من التطبيع، تحاول المعارضة التي اتسعت دائرتها منذ إعلانه إجراءات 25 جويلية، إحراجه أمام الرأي العام ، وبعد وصول سياح إسرائيليين إلى البلد بشكل علني ومباشر ستختبر كيفيه تعامله مع الموقف إما بالرد أو التجاهل.

فريد العليبي ، محلل سياسي

وأوضح المحلل السياسي فريد العليبي في حديثه لـ”أفريقيا برس” إلى أن “المسألة مرتبطة بتقليد دارج في تونس منذ سنوات وهذا التقليد كان يتيح لإسرائيليين أن يأتون إلى تونس في إطار إحياء هذه المناسبة”. وأستدرك” لكن مع مجيء قيس سعيد تغيرت هذه الأمور وبعد توقف لسنتين بسبب جائحة كورونا طرحت بحدة بالنظر أن هناك شركات سفر إسرائيلية أعلنت تنظيم سفرات مباشرة من مطار بن غريون إلى مطار قرطاج وهذا في حد ذاته سابقة بالنسبة لتونس”. وبرأيه فإن” المشكل أنه ليس هناك علاقات بين تونس والكيان الاسرائيلي وأن رئيس الدولة يعتبر أن التطبيع خيانة وجريمة وأوساط سياسية كثيرة في تونس معروفة بموقفها المناهض للتطبيع وهي منظمات كبيرة مثل اتحاد الشغل. من جانب آخر، هناك ضغوط بالتأكيد من قبل منظمات أخرى ترى في ذلك جلب للسياح والعملة الصعبة”. وفيما لم يعبر الموقف الرسمي عن ذاته لكن من المرجح، حسب العليبي، أن” يسير سعيد في اتجاه منع النقل المباشر من إسرائيل إلى تونس”. وخلص العليبي إلى أن” وصول إسرائيليين يحرج سعيد وهو إحراج كبير وموقف سعيد واضح وصريح من التطبيع وعبر عنه في مناسبات مختلفة وهو موقف رسمي للدولة”. وسبق أن وصف الرئيس التونسي إقامة علاقات مع إسرائيل بـ”الخيانة”، مؤكدا أن” المشكلة القائمة حاليا ليست مع اليهود، ولكن مع “الصهيونية التي أرادت أن تبيد الشعب الفلسطيني”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here