نتائج الانتخابات الهزيلة تضع مشروع قيس سعيد على المحك

51
نتائج الانتخابات الهزيلة تضع مشروع قيس سعيد على المحك
نتائج الانتخابات الهزيلة تضع مشروع قيس سعيد على المحك

آمنة جبران

أفريقيا برس – تونس. حققت الانتخابات التشريعية الأخيرة التي شهدتها تونس نتائج هزيلة وغير مسبوقة بسبب عزوف الواسع عن التصويت، في خطوة فسرها متابعون تعبيرا عن رفض غالبية التونسيين لمشروع الرئيس قيس سعيد، فيما رآها آخرون رفضا لفكرة البرلمان ككل، حيث بات الشارع يلفظ جميع الطبقة السياسية التي فشلت في إدارة البلاد طيلة عقد من الزمن.

وأعلنت الهيئة المستقلة للانتخابات الاثنين أن نسبة المشاركة النهاية في الدورة الأولى من الانتخابات النيابية كانت في حدود 11,22 في المئة، فيما لم يسجل هذا الرقم منذ أن انطلق مسار الانتقال الديمقراطي في البلاد إثر ثورة يناير2011.

وبينما بلغ عدد الناخبين الذين صوّتوا مليونا و25 ألف ناخب من مجموع تسعة ملايين و136 ألف ناخب مسجلين، قلل الرئيس سعيد من أهمية نسبة المشاركة مؤكدا أنه لا يزال هناك دورة ثانية.

وخلال لقائه مع رئيسة الحكومة نجلاء بودن، اعتبر سعيد ما سماها “بعض الجهات المعروفة” لم تجد هذه المرة شيئا تركز عليه سوى نسبة المشاركة في الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية للتشكيك في تمثيلية مجلس نواب الشعب المقبل، في حين أن نسبة المشاركة لا تقاس بالدور الأول فقط بل بالدورتين، حسب ما نقلته وسائل إعلامية.

وتعتقد أوساط سياسية أن نتائج الانتخابات الهزيلة تضع مشروع الرئيس على المحك، وبرأيها فأن الامتناع الواسع عن التصويت بمثابة رسالة إلى السلطات أن ما يعنيهم ليس شكل النظام السياسي الجديد، بقدر ما تعنيهم مشاغلهم المعيشية اليومية وسط استفحال مخيف للأزمة الاقتصادية.

لا مبالاة الشارع

تطرح مبالاة الشارع في تفاعله مع الانتخابات التشريعية تساؤلات بشأن مشروع سعيد السياسي وما إذا كانت النتائج الضعيفة تعني تراجع الثقة في”الجمهورية الجديدة المرتقبة”.

وتحرج نتائج الانتخابات الرئيس سعيد، حيث كان التأييد الشعبي سلاحه في مواجهة خصومه السياسيين والمعارضة التي توسعت ضده منذ انطلاقه في إجراءات 25 جويلية، وعلى رغم حشده الشارع في الآونة الأخيرة لكنه فشل في إقناع مؤيديه للذهاب للتصويت، ما جعل المعارضة تدعوه للاعتراف بالفشل والرحيل.

واعتبر محللون أن نتائج الانتخابات خذلت سعيد، الذي قام بحملة واسعة للانتخابات عبر زيارته الأحياء الشعبية ولقاءاته المباشرة مع المواطنين، إلا أن النتائج كانت مخيبة للآمال.

عبدالحميد الجلاصي، باحث سياسي وقيادي سابق في حركة النهضة

وفي معرض رده عن سبب تراجع نسبة التصويت في الانتخابات التشريعية الأخيرة، أشار عبدالحميد الجلاصي القيادي سابق بحركة النهضة التونسية لـ”أفريقيا برس” إلى أن” العلاقة بين سعيد و”جمهوره” علاقة ملتبسة سواء كان هذا الجمهور هو جمهور الناخبين في خريف 2019 أو جمهور المُرحبين بالإجراءات التي اتخذها في جويلية 2021.

وأوضح قائلا: “في المناسبة الأولى كان الجمهور يطلب التغيير وتدارك الفجوة في المنجز التنموي، ولم يقدم سعيد برنامجا بل أفتخر أنه لم يقدم برنامجا عدا عدد من الشعارات العامة أو وعدا بإعادة صياغة الدولة من الفراغ لم يأخذه احد محمل الجد. أما في جويلية فقد بلغت الأوضاع حالة قصوى من التأزم، وبدأ سعيد فرصة للتصحيح انطلاقا مما يحسه الناس ويرغبون في تحقيقه وخاصة التنمية والحوكمة الرشيدة”.

واستدرك: “ولكن بمرور الأيام يتضح أن الأفكار التي تسكن سعيد والأولويات التي تشغله بعيدة عما يريد الشعب العميق، أي أن ترجمة سعيد لإرادة الشعب ترجمة خاطئة وتعبر فقط عن أحاديث نفسه. من هذا المنظور يمكن أن نقرأ تفاعل الجمهور للمحطات الثلاث: الاستشارة الإلكترونية والاستفتاء و الانتخابات التشريعية. هي محطات أساسية في أجندة سعيد، ولكن لا علاقة لها بمشاغل الناس وانتظاراتهم”.

واستنتج بالقول “لذلك فما يحصل هو لامبالاة بما يحصل، وعزوف عن السياسة والصندوق وقواعد التنافس أكثر منها مقاطعة استجابة لطلب المعارضة. ومن هنا تكمن خطورة ما يحدث أنه تسجيل حالة فراغ قيادي في البلاد وغياب البدائل بالتحاق سعيد بقائمة الشخصيات والكيانات التي لا تثير الاهتمام. قائمة العوائق أمام التغيير تتوسع، ولكن ورقة تسجيل البدائل لا تزال بيضاء ولم يكتب فيها سطر. وهو وضع ينذر بشتى أصناف المخاطر”.

مسؤولية المعارضة

هل وأدت انتخابات 17 ديسمبر شرعية قيس سعيّد؟

بينما تفسر آراء تراجع نسبة التصويت إلى فشل الرئاسة في الإيفاء بوعودها مع الشارع على صعيد شعبي، وسوء تعاطيها مع لحظة 25 جويلية التي نفض كثير من مؤيدي هذا المسار أياديهم عنها تنديدا بنهج الرئيس الاقصائي والفردي، تحمل آراء أخرى المسؤولية للأحزاب والمعارضة التي أصرت على التصعيد وحشدت بشتى الوسائل للتحريض ضد الانتخابات.

ووجدت المعارضة في المناخ الاقتصادي المأزوم وسط حالة إحباط عارمة الفرصة سانحة للحشد ضد الرئاسة داعية بمقاطعة الانتخابات ورحيل سعيد، مستفيدة من أن المرشحين للبرلمان غير معروفين ولا يتمتعون بالخبرة، وقد لاقت حملاتهم الانتخابية جدلا وسخرية على وسائل التواصل الاجتماعي.

ولاحظ المتابعون كيف أن الحملة الانتخابية التي تواصلت على امتداد ثلاثة أسابيع كانت باهتة ولم يكن هناك سجال انتخابي في البلاد، بعكس ما كانت عليه الأجواء خلال الانتخابات السابقة سواء في 2011 أو 2014 أو 2019.

وحسب محللين فان نتيجة الانتخابات الضعيفة لا تعني رفضا لمشروع الرئيس، بل تعني رفضا للبرلمان نتيجة الصورة السلبية التي بقيت في أذهان التونسيين في مرحلة ما قبل 25 جويلية وما شهدته من معارك حزبية وسط سباق محموم على السلطة، وبرأي هؤلاء يصعب على المعارضة اقتناص هذه الفرصة لصالحها بسبب عجزها عن تقديم بدائل مقنعة للشارع.

باسل الترجمان، محلل سياسي

ويلفت باسل ترجمان المحلل السياسي في حديثه لـ”أفريقيا برس” أن “هنالك عزوفا شعبيا على المشاركة في التصويت منذ انتخابات ، 2019، حيث شاهدنا حينها كيف تراجعت الانتخابات التشريعية بما يزيد عن700 ألف صوت”.

وأضاف: “لكن برأيي فان نتيجة الانتخابات الأخيرة لا تعكس مقاطعة، بل بسبب فقدان الشارع ثقته في مجلس النواب جراء ما حصل في العشرية الأخيرة وما شهده المجلس خلال السنوات الأخيرة من مهازل وكلها على حساب الشعب التونسي”.

وخلص بالقول:”بالتالي هذه الصورة السليية كانت لها انعكاس على نتائج الانتخابات ما جعلها تتراجع مقارنة بالانتخابات التي سبقتها”.

وتأتي الانتخابات التشريعية في إطار سلسلة من التغييرات السياسية التي أجراها سعيد بعد أن حل البرلمان السابق العام الماضي ثم أعاد كتابة الدستور في خطوات رفضتها المعارضة واعتبرتها محاولة من الرئيس لإحكام قبضته على السلطة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here