هل أجبرت الأزمة الاقتصادية تونس على تسريع توقيع اتفاق الهجرة

14
هل أجبرت الأزمة الاقتصادية تونس على تسريع توقيع اتفاق الهجرة
هل أجبرت الأزمة الاقتصادية تونس على تسريع توقيع اتفاق الهجرة

أفريقيا برس – تونس. تفاجأ الطيف السياسي والشعبي في تونس، بتوقيع الرئيس قيس سعيد اتفاق ”الشراكة الشاملة” مع أوروبا بهدف مكافحة الهجرة غير الشرعية، فيما استنتج متابعون أن الأزمة الاقتصادية المتردية التي تشهدها البلاد، أجبرت السلطات على التسريع في توقيع الاتفاق المثير للجدل.

وحضر مراسم توقيع الاتفاق الرئيس سعيد وأعضاء الوفد الأوروبي، وعلى رأسهم رئيسة المفوضية الأوربية أورسولا فان دير لاين، ورئيسي وزراء إيطاليا وهولندا، جورجا ميلوني ومارك روته، فيما لم تشر السلطات التونسية على الفور إلى أي تفاصيل بشأن البنود المرتبطة بمكافحة الهجرة، كما واجه الاتفاق بتحفظ كبير من منظمات حقوقية بسبب المخاوف من انتهاج السلطات المحلية مقاربة أمنية صارمة لاسترضاء الطرف الأوروبي مقابل ما سيقدمه من مساعدات مالية للبلاد.

المفاجأة في الإمضاء

خلافا للتوقعات التي رجحت أن تطيل السلطات التونسية أمد التفكير في مدى قبول الاتفاق مع أوروبا تجنبا لمحاولات المساومة والابتزاز في هذا الملف كون تونس الطرف الضعيف الذي زادت أزمة الهجرة أوضاعه مزيدا من التأزم، إلا أن التسريع في توقيعه يعكس رضا السلطات باتفاق من شأنه أن يضخ بعائدات مالية مهمة قد تساهم بحدوث انفراجة اقتصادية وحلحلة الأوضاع، وبالتالي تخفيف استياء الشارع وتسجيل الرئاسة نقاط ومكاسب سياسية على حساب خصومها مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية.

منذر ثابت، محلل سياسي

وأشار منذر ثابت المحلل السياسي في حديثه لـ”أفريقيا برس” إلى أن”الاتفاق ليس فيه مفاجئة في الواقع.. بل المفاجأة في الإمضاء، شخصيا كنت أتوقع أنه سيقع التمديد لكن يبدو أن الضغط المالي والاحتياجات المالية لتونس ومصاعب تمويل الميزانية كانت حاسمة في إقناع الرئيس قيس سعيد في إمضاء هذا الاتفاق.”

وتابع ثابت بالقول “الاتفاق كما هو مبين سالفا منذ الزيارة الأولى للثالوث يتعلق بضخ 900 مليون أورو في مجالات شراكة ذات صبغة تنموية وهذا في تقديري مجرد ديكور للاتفاق المركزي حول مسألة الهجرة.”

ولاحظ أنه في المقابل “ليس هناك تفاصيل عن أزمة الهجرة فقط هنالك 200 مليون أورو ستصرف وتنفق على مسألة التعاون اللوجيستي ومسألة ضبط الحدود وسننتظر تفاصيل أكثر، لكن بصفة عامة في حسابات السلطة في تونس فقد غنمت جرعة مالية أو أكسجين مالي لإدارة الأزمة الراهنة.”

ويرى ثابت أنه “بالنسبة للاتحاد الأوروبي، فإن تونس ستكون بالفعل حارسة لحدوده الجنوبية على الأقل من حيث الالتزام الشكلي وعلى الأقل من حيث الرقابة المشتركة الحدود والحسم سيكون في مؤتمر روما، كما صرحت بذلك خلال الندوة الصحفية رئيسة الوزراء الايطالية”.

وعلق: “بالطبع علينا أن نترقب لكن الأكيد في مستوى النتيجة ليس هذا ما كان متوقعا على الأقل بالنسبة للمتابعين الذين واكبوا هذا الملف”.

وكانت رئيسة المفوضية الأوروبية قد كشفت في زيارتها الأولى عن خطة دعم تشمل خمس نقاط، من بينها دعم مالي بقيمة 150 مليون يورو للموازنة و100 مليون يورو لخفر السواحل. كما يتضمن الاتفاق مساعدات طويلة الأمد موجهة للاقتصاد والاستثمار بحوالي 900 مليون يورو.

ويعتزم الاتحاد الأوروبي منح تونس بحلول أواخر الصيف، قوارب ورادارات نقّالة وكاميرات وعربات لمساعدتها في تعزيز ضبط حدودها البرية والبحرية. كما يلحظ اقتراحه تعزيز التعاون في مجالَي الشرطة والقضاء لمكافحة شبكات المهرّبين. كما يهدف إلى تسهيل إعادة التونسيين المقيمين بشكل غير قانوني في أوروبا إلى بلادهم.

وحسب المسؤولين الأوروبيين فإن الهدف من الاتفاق عموما، هو مكافحة عصابات تهريب البشر والحد من التدفق الكبير للمهاجرين من سواحل تونس والتعاون في مجال تسريع عمليات الترحيل. بينما تأمل السلطات التونسية أن يساعدها الاتفاق على تنفيس الأوضاع المالية في ظل أزمة اقتصادية حادة فاقمتها تداعيات تفشي جائحة كورونا، وارتفاع تكلفة استيراد الطاقة والمواد الأساسية إثر الأزمة الروسية الأوكرانية وازدياد معدلات الهجرة غير النظامية عبر أراضيها.

لكن برأي منتقدي هذه الصفقة مع أوروبا فأنها لن تشكل حلا حقيقيا لهذه الأزمة خاصة إذا اعتمدت السلطات التونسية مقاربة أمنية صارمة دون إيجاد حلول للأسباب الحقيقية التي تقف وراء هذه الظاهرة.

ونقلت وسائل إعلامية عن مهدي مبروك الوزير التونسي السابق قوله “لن تُحل مشكلة الهجرة باعتماد نهج أمني بحت ما دامت الأسباب الموضوعية البحتة للهجرة قائمة. متسائلا: “هل تستهدف هذه الشراكة الأسباب الحقيقية للهجرة، سواء من تونس أو من جنوب الصحراء الكبرى؟ البطالة والحروب الأهلية وتغير المناخ، مثل الجفاف الحالي في الصومال – كل هذه العوامل حقيقة واقعية.”

وبدل هذه الرؤية الاختزالية، يرى مبروك أنه من الضروري “محاولة تغيير واقع الأفارقة الذين يركزون على تونس كدولة عبور، وفي حين أن هذه المسؤولية أفريقية في المقام الأول، يمكن أيضا أن يُساهم المجتمع الدولي في معالجتها”.

موقف واضح

أثار توقيت توقيع الاتفاق جدلا شعبيا وسياسيا وحقوقيا، حيث تباينت المواقف بشان مدى نجاعته في الحد من ظاهرة الهجرة الغير الشرعية التي زادت معدلاتها مؤخرا مع تحول البلد إلى وجهة لاستقبال المهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء في الآونة الأخيرة، إضافة إلى قدرته على تحقيق انتعاشة اقتصادية.

وبرأي متابعين ومحللين مؤيدين لهذا الاتفاق أن الموقف التونسي كان واضحا في الاتفاق الذي يؤكد رفضها أن تكون حارسا للحدود الأوروبية وأن تشاركها دول أوروبية مسؤولية حل هذه الظاهرة، ولا يعتريه غموض على عكس ما روج له معارضي الاتفاق وسياسات الدولة.

باسل الترجمان، محلل سياسي

وأوضح باسل ترجمان المحلل السياسي في حديثه لـ”أفريقيا برس” إلى أن “المؤتمر الصحفي الذي عقد بعد التوقيع على الاتفاق كان واضحا جدا خاصة وانه بحضور الرئيس قيس سعيد ورئيسة الحكومة الايطالية ورئيسة المفوضية الأوروبية ورئيس الوزراء الهولندي وتم فيه إيضاح كل القضايا التي حاول البعض أن يدعي أنها غامضة وفيها اتفاقات تحت الطاولة”.

ويقول ترجمان الموقف جاء بسيطا وواضحا يقوم على أساس أن تونس ترفض مبدأين وهما مبدأ التوطين ومبدأ أن تكون ممرا للمهاجرين باتجاه دول أوروبا وأن المقاربة التونسية التي قدمها الرئيس سعيد كانت مقاربة واضحة وكان هنالك تفاعلا ايجابيا معها بخصوص أن يكون هناك جهد دولي حقيقي لكل الدول من أجل تجفيف منابع الهجرة وحل الإشكال الذي هو في الأساس إشكال اقتصادي اجتماعي وأيضا محاربة شبكات الهجرة غير الشرعية التي تقوم بعملية الاتجار بالبشر عن نقلهم آلاف الكيلومترات من دول جنوب الصحراء وصولا إلى الشواطئ التونسية والليبية ثم تقوم اثر ذلك بعمليات الهجرة إلى دول أوروبا وتحديدا إلى ايطاليا. ”

وقال إن “الموقف التونسي يؤكد أن تونس ليس من مسؤوليتها أو واجبها أن تكون حارسا لحدود دول شمال المتوسط ويجب أن يكون هناك تعاون جدي حقيقي بين كل الأطراف لأجل الحد من هذه الظاهرة، وبخصوص ما تم الاتفاق عليه فإن المهاجرين الأفارقة الذين يصلون إلى الشواطئ الأوروبية فإن مسؤولية دول الاتحاد الأوروبي بأن تقوم بإعادتهم إلى أوطانهم وليس لتونس علاقة بعملية الإعادة هذه أو إعادة استقبالهم لأن لا يعلم أي أحد من أين انطلقوا تحديدا باتجاه ايطاليا أو دول أوروبا.”

وقد سجلت تونس في الأشهر الأخيرة محاولات هجرة لأشخاص غالبيتهم من دول أفريقيا جنوب الصحراء في اتجاه أوروبا. ويستخدم معظم هؤلاء الممر البحري من الشواطئ التونسية نحو القارة، مستغلين قرب المسافة التي لا تتجاوز في بعض النقاط 150 كلم بين تونس وجزيرة لامبيدوسا الإيطالية.

وخلص ترجمان بالقول: “هنالك قضية تم حلها أو التفاوض بها أيضا وهي بخصوص المهاجرين التونسيين غير الشرعيين، هؤلاء سيتم إعادتهم ضمن آلية تحترم حقوقهم وكرامتهم وسيتم منحهم أموال لأجل بدأ تأسيس مشاريع منتجة لهم في تونس، وهي باعتقادي قضايا مهمة جدا حيث فهم من خلالها قادة الاتحاد الأوروبي أن تونس ليست معنية بأن تعيد تكرار عمليات المساومة التي كان يقوم بها أحزاب وأطراف حاكمة في تونس في العشرية السابقة وأن ذلك زمن وانقضى إلى الأبد”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here