آمنة جبران
أفريقيا برس – تونس. عمق إصدار الرئيس التونسي قيس سعيد أمرا رئاسيا يقضي بتعديل القانون الأساسي وتركيبة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ويعطيه صلاحيات لتعيين رئيس الهيئة وعضوين فيها، المخاوف من تقويض الديمقراطية في بلد بات مهددا بنظام الحكم الواحد.
وبتعديله مرسوم هيئة الانتخابات، باتت مصداقية الانتخابات القادمة على المحك، حيث لا يستبعد سياسيون ومحللون أن تخدم الهيئة الجديدة مشروع الرئيس وتمهد له الطريق لحكم فردي مطلق, بعد أن نجح باستخدامه سلاح القانون والدستور في أن يضع يديه عليها، ما يعني الشكوك في نتائج أي انتخابات لاحقة. وحسب ما نقتله وسائل إعلامية، فإن المرسوم ينص على أن الرئيس سعيد هو فقط من يحق له إعفاء أي عضو من الهيئة الجديدة أو رفض ذلك. كما يعين الرئيس سعيد بنفسه رئيس هيئة الانتخابات الجديدة من بين ثلاثة أعضاء سابقين في هيئات الانتخابات السابقة.
ووفقا لمرسوم الرئيس ستتكون الهيئة الجديدة من سبعة أعضاء من بينهم ثلاثة من هيئات الانتخابات السابقة يختارهم الرئيس نفسه وثلاثة قضاة تقترحهم مجالس القضاء العدلي والإداري والمالي إضافة إلى مهندس تكنولوجيا يقترحه المركز الوطني للإعلامية، فيما يتمتع رئيس وأعضاء الهيئة الجديدة بالحصانة. وفجر تعديل مرسوم هيئة الانتخابات جدلا واسعا بالبلاد، وسط انقسام الطيف السياسي والشعبي بشأنه، وبينما اعتبره البعض خطوة أخرى لتصحيح المسار أعقاب إجراءات 25 جويلية حيث يعتقد هؤلاء أن الهيئة لم تكن يوما مستقلة وخاضعة لنفوذ الأحزاب الكبرى، يرى آخرون انه بهذا المرسوم تعدت الرئاسة مرة أخرى على الديمقراطية في خطوة من شأنها أن ترفع منسوب التوتر السياسي.
ضرب للاستقلالية
تباينت الآراء بخصوص تعديل الرئاسة لمرسوم هيئة الانتخابات، وهي هيئة دستورية أشرفت على الانتخابات منذ أكتوبر 2011، وتعد من المكاسب الديمقراطية أعقاب ثورة يناير.
ودافع فاروق بوعسكر نائب رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عن المرسوم الرئاسي في تصريح لإذاعة محلية بقوله “يتضمن المرسوم ايجابيات وكذلك بعض النقائص”، لافتا أنّ “الاستقلالية هي مسألة شخصية وذاتية تتعلق بكل عضو وليست مرتبطة بطريقة الترشيح أو التعيين أو الانتخاب”، متابعا القول “مخطئ من يعتقد إن الاستقلالية يمكن أن تفرض أو تسلب بمجرد نص قانوني”.
كما اعتبر حزب “التحالف من أجل تونس” في بيان له السبت: إن المرسوم الرئاسي “إنجاز في مسار التصحيح لتصحيح قانون هذه الهيئة وتغيير تركيبتها”، مبرزا أن هيئة الانتخابات “لم تكن أبدا مستقلّة ولا محايدة”. لكن هذه التطمينات لم تكن كافية للجم الأصوات المعارضة لهذا المرسوم، حيث رفضت أغلب الأحزاب السياسية هذا المرسوم، معتبرة أن هذه الخطوة تكرس التفرد بالسلطة والذهاب في مسار لا يسمح بإجراء انتخابات حرة ونزيهة بمعايير دولية ولا توفر فرصة مناسبة لتنظيم انتخابات في المستقبل.
وأشار محمد العربي الجلاصي، القيادي بحزب التيار الديمقراطي، في حديثه لـ”أفريقيا برس”؛ أن “هذا المرسوم هو مواصلة لنسق هدم مؤسسات الدولة سواء بالحل أو التجميد أو التدجين، شأنها شأن المجلس الأعلى للقضاء التي ستكون الهيئة معينة من طرف قيس سعيد سواء مباشرة (ثلاثة أعضاء) أو بصفة غير مباشرة عبر الاختيار من ضمن مقترحات تتقدم بها جهات عينها قيس سعيد بنفسه”. وفي تقدير الجلاصي “ستصبح الهيئة غير مستقلة وخاضعة لقيس سعيد، الذي لا يخفي أنه لا يقبل أي معارضة لمشروعه في إرساء نظام رئاسوي”. وشدد الجلاصي على أنه “كأحزاب لا يمكن لنا أن نقبل بانتخابات تتم في ظرف كهذا يطوع فيه القضاء وهيئة الانتخابات ويغيب فيه أي صوت مختلف في الإعلام العمومي”.
وكان الرئيس سعيد استبدل هذا العام بشكل فردي أيضا المجلس الأعلى للقضاء الذي يضم مجلس القضاء العدلي والمالي والإداري، في خطوة فجرت احتجاجات وقال قضاة وسياسيون إنها تهدف للسيطرة على القضاء. ومن شأن هذا النهج الفردي الذي تنتهجه الرئاسة أن تزيد حالة التأزم السياسي وتهدد بمزيد من تدهور الأوضاع، فيما يبدي الشارع تذمرا من انهماك نخبه في معارك النفوذ والسلطة دون اكتراث لثقل الأزمة الاقتصادية الخانقة عليه.
انسداد سياسي
على الرغم من أن الرئيس سعيد يرفض الانتقادات الموجهة له، ويصنفها ضمن مؤامرات خصومه الذين برأيه يكثفون الخطى لتشويه صورته أمام قاعدته الشعبية نيلا من مكاسبه الأخيرة أعقاب حله البرلمان وامتعاضهم من استفتاء شعبي قد تكون نتائجه في صالح مشروعه السياسي، إلا أن محللين يحذرون من تواصل حالة الانسداد السياسي بالبلد. ويعتقد هؤلاء أن الرئيس الذي يتهم الهيئة بتركيبتها السابقة بعدم الاستقلالية لن يكون بدوره في منأى عن ذلك، حيث ستكون الشخصيات التي ستوكل إليها هذه المهمة من الموالاة، في حين يستمر في تكميم أفواه معارضيه، ما من شأنه إن يهدد الديمقراطية؛ المكسب الذي ناله التونسيون أعقاب سنوات طويلة من الاستبداد وسلطة النظام الواحد.
ووصف وسام حمدي الصحفي والمحلل سياسي تونسي، في تصريح ل”أفريقيا برس” “المرسوم الذي أصدره الرئيس سعيّد بخصوص هيئة الانتخابات بطعنة قاتلة للديمقراطية، كما أنها خطوة تؤكّد مجددا النزعة الفردانية لقيس سعيّد وتوقه إلى بناء نظام سلطوي قوامه الرجل الواحد والرأي الواحد”. وبرأي حمدي فإن “هذا التعديل الذي يزمع الرئيس القيام به يهدد مسارا كاملا اختارت البلاد السير فيه وهو ترسيخ مبادئ الديمقراطية، ورغم الاتفاق التام مع وجهة نظر الرئاسة بأن الهيئات السابقة كانت على المقاس وكانت موالية بشكل خطير أفسد الحياة السياسية والديمقراطية في تونس، إلا أن البادرة التي أقدم عليها سعيد لا تمثل الحل بقدر ما ستمثل مشكلا ومعوقا سيعود بالبلاد إلى الوراء وتحديدا إلى فترة ما قبل ثورة 2011″. وشرح بالقول”أن يعين الرئيس أعضاء الجديدة ويختار رئيسها هذا يعني أن سعيد سيكون مستقبلا الخصم والحكم وأن الانتخابات ستكون مزورة وغير شفافة منذ البداية وهذا ما جعل بعض الأحزاب تعبر منذ صدور المرسوم على رغبتها في مقاطعة الانتخابات”. ولئن يتساءل المقربون من الرئيس عن الحل البديل الذي يمكن اتخاذه في هذه المرحلة الاستثنائية وهم يدافعون عن خيار سعيد، فإنه كان من الأجدى أن يتساءلوا لماذا وصلنا هذه المرحلة؟ حسب تقديره. واستنتج حمدي بالقول “كان على الرئيس بعد 25 جويلية أن يسند نفسه بحزام سياسي وبالمجتمع المدني وفتح حوار حقيقي، حول كل هذه الإشكالات كتغيير النظام السياسي أو تعديل تركيبة هيئة الانتخابات، لا المضي قدما في صم الآذان عن سماع الرأي الآخر واتخاذ قرار أحادي سيزيد في تأزيم الوضع وسيفاقم المشكلات ويعود بتونس إلى عهد الاستبداد”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس