1700 طفل مشرّد و4300 عائلة ترغب في التفريط في أبنائها

35
1700 طفل مشرّد و4300 عائلة ترغب في التفريط في أبنائها: قنابل موقوتة على قارعة الطريق
1700 طفل مشرّد و4300 عائلة ترغب في التفريط في أبنائها: قنابل موقوتة على قارعة الطريق

افريقيا برستونس. الأرقام والإحصائيات لا تكذب وهي مرآة عاكسة للواقع الصعب والمرير الذي يعيشه التونسيون منذ سنوات. أرقام رغم تباينها وتغيّرها تدلّ بلا زيف على أنّ البلاد تسير بخطى ثابتة نحو المجهول… ذلك أنّ كلّ المؤشرّات التي تطاردنا في مختلف القطاعات تؤكّد حالة العجز والتخبّط التي تعيشها البلاد طيلة العشرية المنتهية أيامها…

مدير قرية آس أو آس المحرس أشرف السعيدي أكّد في تصريحات صحفيّة نهاية الأسبوع المنقضي أن عدد الأطفال المشرّدين في شوارع تونس بلغ سنة 2019 أكثر من 1700 طفل مضيفا أن مندوبي حماية الطفولة تلقّوا خلال السنة الماضية أكثر من 17 ألف إشعار بخصوص وضعيات صعبة لأطفال يتهدّدهم غول الشارع ومربّع التشرّد والضياع… في السياق ذاته أكّد السعيدي أن عدد العائلات الراغبة في التفريط في أولادها بسبب الظروف الصعبة التي تعيشها وتمرّ بها بلغ حوالي 4300 عائلة باتت غير قادرة على مواجهة أعباء العيش وعلى تحمّل نفقات الأبناء بشكل جعل بعضهم يفكّر في التخلّص من أطفاله والرمي بهم في أحضان المجهول…

منوال تنمية فاشل

الخوض في هذه الأرقام والمعطيات يحيلنا على شيء واحد وواضح هو أنّ انسداد أفق العيش في تونس وارتفاع منسوب اليأس والاحباط الناجم عن منوال التنمية المعتمد في السنوات الأخيرة والتي سبقتها يبرهن بالكاشف عن عجز الدولة بكل مؤسساتها ومنظماتها وجمعياتها عن مسايرة ركب التنمية والتقدّم الاقتصادي والاجتماعي … وهذه التراكمات التي نتحسّس آثارها وندفع فاتورة أرقامها اليوم هي نتاج طبيعي لتوقّف عجلة التنمية في البلاد منذ سنوات كما هي نتاج حتمي للسياسات التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة والتي عملت على تخدير أوجاع التونسيين وتأجيلها ولو الى حين… غير أن انفراط عقد الصبر المجتمعي والقيمي والأخلاقي وخاصة الاقتصادي في تونس جعل بعض العقلاء من الضعفاء يفقدون ثباتهم وصوابهم ويختارون سياسة الموت البطيء إمّا بالهروب الى حياة الشارع وافتراش طرقاته أو بالقفز طواعية فوق قوارب الموت المتهالكة بحثا عن حياة أخرى على الضفّة المقابلة تكون أكثر عدلا وإنصافا…

وما يجعل ناقوس الخطر يدقّ في ذهن عديد المراقبين والمتابعين هو أنّ هذه الأرقام ستكون لها حتما تداعيات وخيمة على واقع الطفولة في تونس وخاصة على معدّلات الجريمة والهجرة غير المنظمة وسيكون له في المستقبل القريب والبعيد تأثير كبير على التصدّي لظاهرة الإرهاب التي تفاقمت بشكل كبير منذ الثورة. ذلك أنّ هذا المناخ الذي بصدد التشكّل اليوم وبنسق سريع يمهّد لتشكيل بيئة خصبة وملائمة لظهور فئات جديدة من المجتمع خارجة ومارقة على القانون وعلى نواميس الدولة وهي أشبه بقنابل موقوتة ملقاة على قارعة الطريق وقابلة للانفجار بين الحين والآخر فالأطفال الذين سيجدون اليوم نفسهم بلا عائل وبلا محيط اجتماعي وبلا إطار عائلي سليم وسويّ سيشكّل غالبيتهم غدا صداعا كبيرا في رأس الدولة التونسية باعتبار أنهم سيكونون نظريا وعلى الأرجح أطفال شوارع سرعان ما ستنمو طفولتهم وتكبر أحلامهم على معاداة الدولة والاصطفاف وراء الأفكار والمعتقدات والتنظيمات المتربّصة بها…

أدوات خطيرة

الكلام الذي قاله مدير مدرسة آس أو آس المحرس مخيف والأرقام التي استند عليها لتمرير نداء استغاثته مفزعة لأنّها محدّدة بشكل كبير لملامح جمهورية الغد التي نسمع عنها ولا نراها… والدلائل التي تحاول بعض الجهات الرسمية التعتيم عليها أو تجاهلها تكشف حقيقة واحدة هي أنّ المجتمع التونسي أو لنقل قاعدته الصلبة التي من المفروض أنّها عماده وأوتاده التي يرتكز عليها بصدد التحوّل والتفكّك وربمّا الانهيار. فكلّ المؤشّرات الخاصة بالطفولة في السنوات الأخيرة والمرتبطة بظواهر خطيرة مثل الهجرة غير النظامية والتسول والتشرد والعنف والجريمة المنظمة وغير المنظمة وحالات الانتحار زادت وتيرتها وشملت رأسا أطفالا يمثلون بحسب آخر الإحصائيات 30 بالمائة من نسيج المجتمع التونسي. وترتبط هذه المؤشرات والتقارير الاجتماعية أساسا بالأطفال المنقطعين عن الدراسة بدافع الفقر والخصاصة حيث تشير آخر الإحصائيات الى أن 526 ألف طفل انقطعوا عن الدراسة خلال السنوات الخمس الأخيرة والى أن عددا كبيرا منهم ينخرط في حياة الشارع ويخرج عن طوع الدولة ويتمرّد عليها.

غياب الحضن العائلي فضلا عن غياب الإطار المدرسي الذي يتكفّل في العادة الى جانب الأسرة بحماية الطفل وتكوين شخصيته على أسس وقواعد صحيحة إضافة الى الفقر والخصاصة والجوع والنقمة على الآخر كلها عوامل مجتمعة تجعل من الأطفال المشرّدين أدوات خطيرة بين أيدي التنظيمات الإجرامية وأيضا الارهابية التي تستثمر في هذا المناخ العفن… وهؤلاء الأطفال عادة ما يشكّلون النواة الأولى لبعض العصابات التي تستعملهم كدروع بشرية للقيام بعملياتها الاجرامية وكذلك للتخفّي والتنصّل من المحاسبة والمساءلة وعلى الدولة التفطّن سريعا الى هذه الجزئية الخطيرة وعدم الاكتفاء فقط ببعض التعاليق الخارجة عن الأخلاق وعن السياق على غرار علاقة «الحرقة» بالإرهاب…

فشل الحكومات التونسية المتعاقبة في حماية مكتسبات الدولة بمفهومها المادي والمعنوي بات يطرح أكثر من تساؤل حول قدرة هذه البلاد على الصمود أكثر في وجه التحديات المحلية والاقليمية وتفكّك النسيج المجتمعي التونسي وتشوّهه في السنوات الأخيرة ينبئ بما هو أخطر فإعادة البناء على قواعد وأسس هشّة وغير سليمة هو أوّل خطوة في طريق السقوط والانهيار.

المصدر: الشارع المغاربي

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here