أيام قرطاج السينمائية في السجون: نزلاء سجن سليانة ينفتحون على عالم السينما بفيلم “المدسطنسي”

28
أيام قرطاج السينمائية في السجون: نزلاء سجن سليانة ينفتحون على عالم السينما بفيلم
أيام قرطاج السينمائية في السجون: نزلاء سجن سليانة ينفتحون على عالم السينما بفيلم "المدسطنسي"

افريقيا برستونس. خلف القضبان الرمادية والجدران العالية وفي مكان ظاهره ينم عن سلب الحريات وأداة للعقاب، ولكن في باطنه عدة عبر و حكم وحتى حياة شبيهة بالعادية في شتى المجالات بما في ذلك الانشطة الثقافية.

فعلى غرار بقية الوحدات السجنية وفي السجن المدني بسليانة، وأمام جمهور استثنائي متعطش للفن والمسرح والسينما تقتحم أيام قرطاج السينمائية في دورتها الحادية والثلاثون ودورتها السادسة في السجون قضبان المؤسسة السجنية لتنفث الغبار على المودعين وتقودهم الي حياة ملؤها الامل والتغيير.

وكان اللقاء مع فيلم “المدسطنسي” “disqualifié” للمخرج الشاب حمزة العوني، (114 دقيقة)، والذي أراد المخرج من خلاله تبليغ رسالة إنسانية تفيد بأن الفرد قادر على التغيير و الابداع رغم ارتكابه لأخطاء ورغم صعوبة ظروفه الإجتماعية.

طوابير طويلة وخطى ثابتة والتزام تام بالبروتوكول الصحي، شباب و كهول وحتى مسنين في اتجاهم الى قاعة السينما التي تم تخصيصها في الوحدة السجنية للعرض، عيون لم تفارق لحظة الشاشة ومشاعر متناقضة و حتى ملامح بريئة ولو خبأتها الكمامة الا انها عبرت اغلبها عن فقدان النفس للعروض الفرجوية وعن تعطش لكل ماهو مرتبط بالفن.

هنا أيضا تتعالى الضحكات والاهازيج كأنك في قاعة سينما عادية فرغم انطفاء الأضواء وإغلاق الستائر، إلا أن السجين يتنفس روحا جديدة دون قيود ولا كبالات، نظرات خجولة وأخرى محتشمة لعلها تخبرنا عن تفاجئهم بتمتعهم بحقوق بسيطة ربما حرموا منها طيلة حياتهم.

أما عن الفيلم فهو يروي قصة شاب طيلة 15 سنة متتالية منذ2005 الى غاية سنة 2020 ابن حي شعبي وأساسا من منطقة المحمدية وفق ما صرح به المخرج حمزة العوني لـ”وات”، وذكر في سياق متصل أن الشاب يستهلك المخدرات و يمارس لعب الورق من جهة وفنان يمارس الفن وينشط في نادي المسرح من جهة أخرى اي أنه ممزق بين ماهو جمالي فني ووضع اجتماعي قاس.

ولفت أن عمله يحاكي أيضا تاريخ فرد والذي بدوره يحاكي تاريخ تونس قبل الثورة وبعدها مشريا إلى أن البطل شاب كسائر الشباب ارتكب خطأ وقضى عقوبة في السجن ورغم ذلك وبعد أن قضى المدة السجنية قطع مع الصورة النمطية للسجناء وأصبح مسرحي ناجح رغم ظروفه الصعبة خاصة منها الاجتماعية.

وكشف العوني أنه عبر هذا الفيلم بإمكانه أن يبرهن للسجناء أنهم قادرين على التطور والإبداع وتحقيق أحلامهم. ينطلق الفليم ويشد كل الناظرين لتتكرس المساواة بين السجناء والحاضرين والاطارات الكل يشاهد بشغف طيات وخفايا هذا الفيلم غير عابئين لا بهمومهم ولا بمشاكلهم.

وتحدث أحد السجناء، مكرم(اسم مستعار) لـ”وات” قائلا “عندما علمت بتقديم عرض سينمائي في السجن شعرت باختلاط في مشاعري بين الفرح والبهجة والحزن، فانا لم يتسنى لي يوما الحضور لعرض فني فالمسرح في منطقتنا مجرد لفظ يتم تداوله في الأحاديث دون معرفته أو متبعته بشكل واقعي وملموس”. وبنبرات حسرة وحزن وشغف في آن واحد ردد “أنا متلهف وأشعر بجوع لامتناهي لطعم الفن والمسرح”. وأضاف انه حرم من حقه في مجال الثقافة في الحياة المدنية ومارس حقه في السجن ولما لا ان يكون يوما مسرحيا حتى يشاهده الجميع خاصة أنه يحلم منذ صغره بأن يمارس المسرح والرياضة.

واعتبر صديقه حسام (اسم مستعار) ان الفيلم بادرة طيية لتخرج السجين من الضغط النفسي داعيا إلى استمرارية هذه المبادرات وخروجها من النمط المناسباتي. وحول ما استخلصه من الفليم، بين أن كل إنسان خطاء ويجب ان لا ينهزم ويبني من جديد وختم حديثه قائلا “وعللوا النفس بالامال أرقبها ما أضيق العيش لولا فسحة الامل”.

من جهته قال مدير السجن المدني بسليانة العميد العيادي شياب ان تقديم الفيلم يندرج في اطار السعي لاعادة التأهيل ثقافي للمودعين قصد دعم الاحاطة النفسية بهم و تقليص الفوارق بين الحياة العادية والحياة داخل السجن مع المحافظة على البروتوكول الصحي في ظل هذه الجائحة الراهنة.

من جانبه بين الناطق الرسمي باسم الإدارة العامة للسجون والاصلاح ومدير ادارة الاصلاح والرعاية والادماج، سفيان مزغيش ان فعاليات أيام قرطاج السينمائية في دورتها السادسة بالسجون انطلقت منذ أمس السبت بسجن أوذنة لتشمل 5 وحدات سجنية أخرى مؤكدا انه تم التركيز على الوحدات السجنية بالجهات بما في ذلك سليانة ومركز الاطفال الجانحين بسوق الجديد وسجن صفاقس، وسيكون الاختتام بسجن برج العامري.

وافاد مزغيش في تصريح لـ”وات” أن ايام قرطاج السينمائية باتت من تقاليد الإدارة العامة للسجون و الاصلاح من منطلق قناعة تامة بأن الثقافة لابد ان تدخل للسجون لتكريس احكام و مقتضيات الفصل 42 من الدستور فضلا عن تقليص الفوارق بين ما يوجد داخل السجن وخارجه، مؤكدا أنه يتم التركيز على الجانب الثقافي في مسار عملية تأهيل المساجين.

وذكر أن الافلام المنتقاة للعرض داخل السجون تحمل رسائل معنوية عميقة ويقع تقديمها للمودعين بالسجن دون حذف أي مقطع مثل ما يقع متباعتها من قبل رواد السينما في القاعات.

وأشار إلى أن الفيلم يتابع من قبل 24 سجين بالقاعة فقط حفاظا على البرتوكول الصحي فيما يتم بث نفس الفيلم داخل الغرفة السجنية لاكثر من 400 سجين بالسجن المدني بسليانة بالإضافة إلى عدد من السجون القريبة من ولاية سليانة .

وصرح ان الإدارة العامة للسجون والإصلاح تهدف إلى متابعة ما يقارب 10 الاف سجين لأيام قرطاج السينمائية لافتا إلى أنه ستعقد في ما بعد حلقة نقاش اثر الفيلم بين السجناء والمخرج.

وقال في سياق متصل، إنه وبالتنسيق مع المركز الوطني للسينما والصورة سيتم عقد ورشات للتعريف بابجديات كتابة الفيلم لتأهيل بعض المساجين للتمثيل وإعداد إنتاجات خاصة بهم.

وفي سياق متعلق بمدى تفشي فيروس كورونا بالسجون، أشار إلى أن الوضع الصحي العام بالمؤسسات السجنية مستقر حيث أن عدد الاصابات لا يتجاوز 20 اصابة في صفوف المساجين من جملة 23 الف سجين من بينها 2 مودعين في المستسفيات نظرا لوضعيتهم الصحية مبرزا الدور الفعال والجهود المتواصلة التي يقوم به إطارات وأعوان السجون بشتى الوحدات السجنية.

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here