آلاف التونسيين يحيون ليلة القدر في جامع “عقبة” بالقيروان

25
آلاف التونسيين يحيون ليلة القدر في جامع
آلاف التونسيين يحيون ليلة القدر في جامع "عقبة" بالقيروان

أفريقيا برس – تونس. أحيا آلاف التونسيين ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان بجامع عقبة بن نافع في مدينة القيروان (وسط)، أملا في أن تكون الليلة الموعودة بالخيرات والبركات.

ولا يزال جامع عقبة بن نافع منذ تأسيسه بالقرن الخامس للهجرة، قبلة التونسيين في الاحتفالات الدينية، لا سيما عند إحياء ليلة السابع والعشرين من رمضان التي يرجح كثيرون أنها ليلة القدر.

واختار زوار القيروان الليلة مناسبة ليجمعوا بين الجانب الروحي وليشهدوا مناسك الصلاة خلف نخبة من حفظة القرآن الكريم، بعد أن شهدوا أجواء الإفطار بجوار جامع عقبة على إيقاع مدفع الإفطار الذي ما زال تقليدا سنويا راسخا بالمدينة.

ولم يكد الإمام الثاني لجامع عقبة بن نافع ينهي صلاة التراويح ودعاء ختم القرآن الذي شهده آلاف المصلين حتى بدأ تطلع كثيرون منهم إلى المحراب حيث وقفت سيدة فرنسية بجوار إمام الجامع الشيخ المنذر العلاني ووزير الشؤون الدينية، لتشهر إسلامها.

واختارت السيدة الفرنسية هذه المناسبة ومحراب جامع عقبة الذي يحتفظ بأقدم منبر إسلامي، لتعلن إسلامها أمام العدد الغفير للمصلين، وسط التكبيرات والتهاني.

كنز معماري

يعود تاريخ إنشاء جامع عقبة إلى لحظات الفتح الاسلامي على يد عدد من التابعين ومن قبلهم الصحابة الذي قدموا إلى القيروان في حملة العبادلة السبعة عام 27 هجري/647 ميلادي، بقيادة عبد الله بن أبى السرح.

ويعد الجامع من أضخم المساجد في الغرب الإسلامي وتبلغ مساحته الإجمالية ما يناهز 9700 مترا مربعا، وبيت الصلاة فيه واسع يتسع لآلاف المصلين، ومساحته كبيرة تستند إلى مئات الأعمدة الرخامية، بجانب صحن فسيح الأرجاء تحيط به الأروقة.

ومع ضخامة مساحته فجامع القيروان الكبير أو جامع عقبة بن نافع يعد أيضا تحفة معمارية وأحد أروع المعالم الإسلامية، وتعد مئذنته حسب الباحثين من أقدم المآذن في العالم الإسلامي وتتكون من ثلاث طبقات ويصل ارتفاعها إلى 31.5 مترا.

ويحتوي الجامع على كنوز قيمة، فالمنبر يعد تحفة فنية رائعة وهو مصنوع من خشب الساج المنقوش ويشار إليه بأقدم منبر في العالم الإسلامي، وما زال موجودا في مكانه الأصلي ويعود إلى القرن الثالث للهجرة أي التاسع ميلادي.

قبلة الزوار

يتحول جامع “عقبة” خلال المناسبات الدينية خصوصا ليلة القدر، إلى مركز للاحتفالات الدينية والأنشطة الاجتماعية والاقتصادية والسياحية، فترى الوافدين يجوبون الأزقة المحيطة بالجامع ويتأملون في معماره ويتسابقون لتوثيق اللحظات والصور التذكارية.

ويقول الباحث في الحضارة الاسلامية، وأحد أئمة الجامع الحبيب العلاني إن “جامع عقبة يحتفظ بمنزلة عميقة وعريقة ومكانة رمزية لدى التونسيين”.

وأوضح العلاني أنه “بين تعبيرات التونسيين عن تعلقهم بجامع عقبة ونظرتهم القدسية إليه، ما تم تخصيصه سابقا من أحباس وعطايا وهبات من الضيعات الفلاحية وثمارها كانت تخصص لجامع عقبة”.

وتابع: “هذا العطاء هو تعبير عن حب القيروان واعتبارها أيقونة التدين الحقيقي والسليم، ورغم إلغاء هذه الأحباس منذ ستينيات القرن الماضي، إلا أن التونسيين يواصلون تعلقهم بالجامع، ويستغلون المناسبات الدينية لزيارة القيروان والتعبير عن حبهم له”.

وأشار العلاني إلى حضور جموع من التونسيين من مدن الشمال الغربي التي تضم محافظات باجة وجندوبة والكاف، مؤكدا أن “هناك امتداد وصلة عميقة بين جامع عقبة بالقيروان وسكان هذه الجهات، وقد توارثوا حب القيروان عن آبائهم وأجدادهم الذين يعتبرون الدعاء في القيروان مستجاب وأن مقبرتها تضم رفاة الصالحين والعلماء والصحابة وأن بركاتها لا تنقطع”.

نشر الإسلام

واعتبر الشيخ الحبيب العلاني، أن “توافد الناس على جامع عقبة للصلاة ومنهم وافدون على الإسلام، هو أحد سمات الإسلام السمحة الذي تهفو قلوب الناس إلى اعتناقه بما عرفوه من الحق ومن التعرف على سلوك المسلمين وفهم حقيقة الإسلام باعتباره يعبر عن الفطرة ويقدم إجابات عقلية للباحثين عن الحق”.

وأشار إمام جامع عقبة إلى أن “العولمة سمحت بالانفتاح على جل الثقافات والحضارات وبالتالي أصبح من الممكن التعرف إلى الاسلام عن طريق الكتب وعبر الموسوعات الرقمية ومنصات التواصل الاجتماعي”.

وقال العلاني إن “الغرب كان سابقا لا يعرف الإسلام إلا من خلال المستشرقين، ولكن بعد التحرر من العوائق المعرفية، أصبح بالإمكان معرفة جملة من الحقائق دون وساطة أو تعصب، لا سيما أن كثير التدين يؤدي إلى الاعتدال بخلاف قليله الذي يؤدي إلى التطرف”.

طواف وسط المدينة

لم تتوقف أجواء الاحتفال وإحياء ليلة القدر عند أداء صلاة التراويح، ولم تقتصر على جامع عقبة فقط بل توزعت وفود الزائرين بين معالم القيروان العتيقة ومساجدها وأسواقها.

وبعد صلاة التراويح، شهد مقام الصحابي الجليل أبو زمعة البلوي، حفلات ختان جماعي (ختان تقليدي) وهو أحد الطقوس التقليدية الاجتماعية التي تحافظ عليها أسر تونسية عديدة، خصوصا من أرياف القيروان والأحياء الشعبية، تيمنا برمزية المقام وهذه الليلة المباركة.

وترافقت النفحات الروحانية والأجواء الدينية مع الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية، من خلال جولات غفيرة بين محلات بيع المرطبات وبيع الملابس والاحذية لاقتناء ملابس العيد للأطفال، بجانب محلات بيع الذهب وتجهيزات العرس للمقبلين على الزواج.

وتعد ليلة 27 من رمضان في تونس موسما للهدايا، حيث يقدم فيه الخاطب هدية لخطيبته، وتكون إما من الذهب لمن استطاع إليه سبيلا، أو من الأواني النحاسية التقليدية أو أطقم الأواني أو الزرابي، بجانب الحلويات التي تشتهر بها القيروان والتي لا تكاد زيارة المكان تكتمل إلا باقتناء حلويات “المقروض” من محلات شهيرة ذات تقاليد عريقة متوارثة في صنعه.

وتتواصل جولات الزوار وسط مدينة القيروان في مجموعات وحركات دائرية بين جملة من الأماكن العتيقة والمعالم الدينية حتى مطلع الفجر، كأنما يريدون إفراغ شغف قديم إلى القيروان.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here