المشهد الثقافي تونس.. دعم الدولة سلاح ذو حدين

25
المشهد الثقافي تونس.. دعم الدولة سلاح ذو حدين
المشهد الثقافي تونس.. دعم الدولة سلاح ذو حدين

إلهام اليمامة

أفريقيا برس – تونس. قبل 2011، كانت المشهد الثقافي في تونس “نشطا” من حيث تنظيم مختلف الفعاليات والمهرجانات وتنظيم الندوات، ولم يختلف الأمر كثرا بعد الثورة وإن صار العدد أكثر فيما عدا ذلك تبقى المشاكل التي يعاني منها المبدع والمثقف نفسها منذ سنوات من حيث الدعم ومن حيث دعوات تكريس الثقافة كرافد رئيسي للتنمية المجتمعية.

ويرجع خبراء ذلك إلى محدودية الساحة الثقافية، معتبرين أن العدد الكبير للمهرجانات والفعاليات لا يعكس ثراء من حيث جهات الإنتاج، فأغلب هذه الفعاليات تنظم بدعم من وزارة الثقافة شأنها في ذلك شأن مختلف الأنشطة الأخرى، من النشر إلى الموسيقى والفنون الركحية.

وتقول الكاتبة زهرة الظاهري، في حديثها مع أفريقيا برس، حول توجهات الدولة الثقافية،: “حين نتحدث عن الثقافة لابد من التطرق إلى مفهومها العام فهي مجموعة من المعارف المكتسبة على مدار سنوات وهي كل متجانس تشمل المعرفة والعقيدة والفن والأخلاق والقانون والعادات وغير ذلك… وتتسم الثقافة بالتعددية والاختلاف شرط أن يسود الاحترام لذلك الاختلاف وتقبل الثقافات المختلفة والتعايش معها”.

وتضيف الظاهري: “لو نعود إلى قراءة التاريخ فسوف نلاحظ حتما أن ازدهار البلدان والمجتمعات لا يكون إلا بإعطاء الأولوية للحياة الثقافية. فمنذ سنوات الاستقلال الأولى عرفت تونس حركية ثقافية مميزة خاصة في المدن الكبرى، فكانت تقام الاجتماعات والندوات والحفلات الموسيقية كما انتعشت عروض المسرح والسينما. وفي وقت لاحق صارت الإذاعة والتلفزيون تواكب هذه التظاهرات الثقافية ليواكب الجميع الحركية الثقافية. فكان الفن في كل بيت. وكانت الثقافة أولوية قصوى. لذلك نحن نحنّ اليوم إلى روائع تلك المحطات لما حوته من مبادرات ثقافية هامة عكس ما نراه اليوم من تعدد البرامج وزخمها لكنها جميعا تشترك في نشر الرداءة وتدمير الذائقة”.

مازال كثيرون في تونس يتعاملون مع المنتوج الثقافي على أنه مادة ترفيهية (في شكلها الفرجوي) ومادة نخبوية (في شكلها المكتوب شعرا ورواية)، الأمر الذي يحدّ من تطور المشهد ويحصره في مركزية تضعف الرهان على الثقافة كرافد للتطور.

وترى الظاهري أن “التصحر الثقافي الذي تشهده بلادنا اليوم يؤثر بصفة مباشرة على تهاوي المجتمعات وتدهور الأخلاق لذلك من المفترض إعطاء الأولوية للمجال الثقافي وأن لا تكون التحركات الثقافية مجرد عروض تجارية بل يجب أن تكون خادمة للفكر، مجددة للوعي. لابد من العودة إلى الفعل الثقافي الهادف والمؤسس للفن والإبداع في مختلف مجالاته”.

وفي ذات السياق يذهب الكاتب المسرحي حكيم المرزوقي، حيث يقول لأفريقيا برس: “كانت الثقافة في تونس رهان الدولة الوطنية في تونس منذ ستينات القرن الماضي مدعومة بمجانية وتعميم التربية والتعليم على حساب قطاعات أخرى، إذ أنيرت العقول بالمدارس قبل القرى والبيوت النائية في الأرياف”.

ويضيف: “شهد الجيل الذي أنتمي إليه عروض سينمائية متنقلة في القرى فوق حيطان المدارس والمستوصفات، تحضرها العائلات من مختلف الفئات العمرية، وكذلك مكتبات جوالة على العربات تعير الكتب وتحرض على القراءة والتفكير والنقاش. كذلك المسرح وغيره من الفنون في إطار حملة ترعى المواهب وتبحث عنه في أقاصي البلاد، في الوقت الذي تسعى فيه دول مجاورة للتسليح والعسكرة”.

وما يعيب المشهد الثقافي اليوم، وفق المرزوقي هو: “أننا تسلحنا بالمعرفة ضمن ما اصطلح على تسميته بالمعجزة التونسية وبشهادة من دول غربية متقدمة. الآن، وقد ربحت البلاد المعركة أو تكاد، وأصبح لدينا جيل قادر على المعارضة وإتقان الاختلاف كما كان يزعم الزعيم بورقيبة، تفطنا إلى أن حملة الشعلة لم يتنبهوا إلى إعادة اتقادها أو النفخ فيها من جديد.. توكأت جهات الإشراف على ذلك المنجز ولم تفكر في تجديده وإعادة النظر في أهدافه. بلغنا مرحلة الاهتراء، وزاد على ذلك الفساد والكسل والاتكالية”.

يشرح ذلك بقوله: “رصدت الدولة أموالا هائلة للثقافة رغم ضعف إمكانياتها، لكن هذه الأموال ذهبت إلى غير مستحقيها بحكم الفساد والمحسوبيات. أصبحنا أشبه بالسلاحف التي كانت واثقة من أنها ستكسب السباق وتتغلب على الأرانب، لكن النتيجة مخيبة للآمال وصار الذين نظنهم خلفنا قبلنا. السبب هو أن السياسة الثقافية لم تقترن بالإنماء الوطني، وبقيت منعزلة عن دائرة الاقتصاد، ويتعامل الجميع مع وزارة الثقافة كجمعية خيرية”.

ويتساءل حكيم المرزوقي: “أين نحن من ذاك الجيل الذي يتنفس ثقافة وشغفا بالمعرفة.. ربما بسبب تسرب الفكر السلفي الذي أجهز على كل ألق إبداعي، ذلك أن ربيع الثقافة التونسية صنعها اليسار الثقافي ـ وليس السياسي، المتخبط في أزماته. السياسة الثقافية في تونس تحولت إلى ثقافة سياسية تأخذ دور البروباغندا، وتكتفي بالتسلية والتهريج بعد أن كانت تشاكس على السلطة نفسها، ومن داخلها. الأزمة هيكلية وتتعلق بخيارات سياسية، ذلك أن أي ربيع ثقافي لا بد له أن يتعلق بقرار سياسي كما هو الشأن في السعودية الآن”.

دور الدولة

مؤخرا استضاف المركز الثقافي العربي-الأميركي في نيويروك لقاء حول الحراك الثقافي في تونس أثثه الإعلامية حذامي خريّف والكاتب والصحافي صابر بن عامر والكاتبة والباحثة بسمة بن سليمان سلّط خلاله المتحدثون عن حدود دور الدولة وتدخّلها في المشهد الثقافي وهل يمكن الفصل بينهما.

ولفتت بسمة سليمان في مداخلتها إلى أن المشهد الثقافي في تونس يشهد حركية وإن شابه بعض القصور. ومواجهة هذا القصور يكون بـ”المقاومة”، وفعل “المقاومة” هنا يكون من خلال الإنتاج والكتابة والمساهمة في رفد الحركية في المشهد الثقافي بشكل إيجابي لا بالاكتفاء بالنقد والهجوم.

من جهته اعتبر صابر بن عامر، وهو صحفي مختص في الشأن الثقافي، على أن الكم لا يعكس أحيانا سلامة في المسار ودقة في المشروع الثقافي، والحركية تختلف من مجال إلى آخر مثلا سجلنا طفرة في مجال ما هو مكتوب (رواية) مقارنة بالسينما.

وطرح “ارتهان” المثقف والمبدع للدعم الذي تقدّمه وزارة الثقافة أسئلة حول حدود تدخل الدولة في العمل الفني ودورها في تحديد سقف حرية التعبير. وهنا، لفت صابر عامر إلى أنه ضد مأسسة الدولة في الثقافة والإبداع تحت أي سبب ولأي سبب، فيما رأت بسمة بن سليمان أن الدولة، وبالنظر إلى الخصوصية التونسية، مهم حضورها ولكن في سياق تنظيمي لوجستي يسهل العمل الثقافي وينضم المشهد دون المساس بالنص أو التدخل في المسار الثقافي والإبداعي أو مضمونه ومحتواه لافتة إلى الحاجة إلى تشريد الدعم والاهتمام بالفضاءات والمواقع الثقافية المهملة، وهنا يحضر دور الدولة”.

وفي ذات السياق، ذهبت الصحافية والكاتبة حذامي خريف، لافتة إلى أن دور الدولة مهم لكن في حدود الدعم وتوفير الفضاء اللوجستي لخلق مشهد ثقافي مثمر ومتنوع وقادر على أن ينزل بالثقافة من برجها العاجي لتكون أداة تنمية والخروج بها من بوتقة “النخبة” إلى اعتبارها وسيلة إنتاج ومصدر دخل.

كما أشارت حذامي خريف إلى خطر آخر يتهدد الفعل الثقافي، وقد يتجاوز قابة الدولة، ألا وهو رقابة المجتمع لافتة إلى الدور الذي صارت تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة فايسبوك، في التأثير سلبا وإيجابا على العمل الثقافي والفني.

لم يشهد المشهد الثقافي في تونس تغييرا جذريا على مستوى تطلعات ما بعد الثورة، ولئن تأثّر شأنه شأن مختلف المجالات والقطاعات بكل ما شهدته البلاد بعد 14 جانفي 2011. وقالت خريّف: “لقد كان هناك استبشار بسيادة حرية التعبير والانفتاح لكن سرعان ما خبا ذلك من جهة مع صعود موجات التكفير والمحاصرة المجتمعية وحتى الأمنية لبعض الأفكار والآراء وتقييم الأعمال الإبداعية”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here