صناعة “الكاليس” في تونس.. حرفة يكاد يطويها النسيان

34
صناعة
صناعة "الكاليس" في تونس.. حرفة يكاد يطويها النسيان

افريقيا برستونس. صفاقس (تونس) / بسام بن ضو –

محمد الشرفي، حرفي بمحافظة صفاقس يلقب في منطقته بـ”ملك الكاليس” وهي العربات المجرورة بالخيول

– خمسيني لا يزال محافظا على هذه الحرفة التقليدية رغم مشاقها وإهمال الدولة لها

– مراحل تصنيع “الكاليس” تتطلب تفاعل مختلف الحرف

– عدد المقبلين على شراء “الكاليس” في تراجع، مقابل ارتفاع كلفتها وأسعار المواد الأولية المكونة لها

رغم صعوبة صناعة “الكاليس” (العربة المجرورة بالخيول) وقساوة ظروف العمل في هذا المجال، لا زال التونسي محمد الشرفي، أو “ملك صناعة الكاليس” كما يسميه أهالي صفاقس، محافظا على حرفة صناعة الأجداد.

في ورشة صغيرة تقليدية تقع على أطراف مدينة صفاقس جنوبي تونس، استطاع الخمسيني الشرفي بتفانٍ تطويع الحديد وصهره بالنار وتقطيع ألواح، للحصول على عربات وبيعها لزبائن يستخدمونها إما لنقل البضائع والأشخاص والمنتجات الفلاحية أو كوسيلة نقل تروق للسياح.

ولا تزال ذكريات عقود خلت عالقة بمخيلة الحرفي التونسي، عندما كانت محافظة صفاقس تعج بالعشرات من محترفي صناعة هذا الصنف من العربات، حين كانوا يشكلون خلية نشاط ويتفننون في صناعة المجرورات بمختلف ألوانها وأشكالها.

ويعد الشرفي أحد القلائل الذين ما زالوا يمارسون هذه المهنة التي تكاد تندثر، بعد أن توفي أغلب العاملين فيها مع ما حفظته أناملهم من حرفة جميلة نادرة.

ويعود أصل كلمة “كاليس” إلى اللغة الإسبانية “كاليزا”، وقد دخل “الكاليس” مع الأندلس للبلاد التونسية (سنة 1906)، وراج بكثرة في صفاقس صناعة واستعمالا باعتباره وسيلة النقل الوحيدة آنذاك.

** صناعة تتطلب الدّقة

احتفظ الشرفي، بطرق النقل التقليدي التي كانت متداولة في محافظة صفاقس خلال خمسينات القرن الماضي، فاقتبس المشاهد والروايات وحافظ على صناعة الأجداد للمجرورات بالخيول، رغم تقلص نسبة مستعمليها.

وتختلف مسميات وأشكال المجرورات حسب المهمة التي صنعت لأجلها، فمنها ما يسميه التونسيون بلهجتهم العامية “الكريطة الكبيرة”، التي تستعمل لنقل البضائع الثقيلة، ومنها “الكاليس” الذي غالبا ما نجده حاضرا في أغلب المنازل كوسيلة أساسية للنقل، وكذلك “الجرادن” وهي بمثابة مجرورة تحمل إسطوانة صغرى تستعمل لجلب المياه.

وبحسب الشرفي في حديثه للأناضول، فإن مراحل تصنيع المجرورات تتطلب تفاعل مختلف الحرف فيما بينها كالنجارة، والحدادة، كما تتطلب خبرة ودراية هامة حتى تستقيم مراحلها، والتي تأخذ من الحرفيين حيزا كبيرا من الوقت والجهد، حيث تتطلب صناعتها من أسبوع إلى أسبوعين.

ومن أهم هذه المراحل، تقطيع الخشب بعد أن يتم قياسه ومن ثمة ثقبه بطريقة دقيقة حتى يتوافق مع طول وهيكل المجرورة المقترح إنجازها، وفقا للحرفي.

ولفت إلى أن بعد ذلك تأتي مرحلة تحضير الحديد يدويا، وهي أن يقوم الحرفي بتدويره والتحكم في أشكاله واتجاهاته بواسطة التسخين بالنار تحت درجة عالية، سرعان ما تغير لونه إلى الأحمر القاتم، ثم وضعه بين المطرقة والسندان للتحكم في أشكاله ومقاساته ورسم زواياه.

تأتي إثرها مرحلة التركيب، وهي أن يثبت الخشب بالحديد من خلال الجمع بين الثقوب التي في كلاهما بواسطة المسامير والبراغي الحديدية السميكة ثم وضع الكرسي وتثبيته جيدا على الحديد.

إضافة إلى تثبيت العجلات المطاطية بالنسبة للمجرورة التي تحمل البضائع الثقيلة كالمسماة “الكريطة الكبرى والجردينة”، أما العجلات الحديدية فهي مخصصة “للكاليس” لكونه لا يحمل سوى الركاب والأشياء الخفيفة.

لينتقل الحرفي إلى مرحلة الطلاء، وهي أن تزخرف المجرورة بالألوان من أجل المحافظة على سلامتها وجمالها حتى تضفي رونقا وطابعا مميزا وجذاب.

**حرفة تحتضر

ويستعمل “الكاليس” اليوم للتجول أو لحمل المتاع خلال الفسحة في الأراضي الفلاحية أو للأغراض السياحية، حيث لم يعد من الضروريات بحلول السيارات والدراجات النارية.

ويتراوح سعر المجرورة بين 2 و15 ألف دينار تونسي (بين 730 دولارا و5.5 آلاف دولار)، ويتغير السعر حسب حجمها ومميزاتها واستعمالاتها.

ويخشى الشرفي على هذه الحرفة من الاندثار، إذ أن الشباب لم يعد يقبل البتة على توارثها، مما دفعه إلى تلقين ابنه خريج المعهد العالي للرياضة أصول الحرفة وتفاصيلها، وحثه على عدم تركها، للحفاظ على استمرار حرفة الأجداد.

ويعد أبرز مشكلات هذه الحرفة، أن عدد المقبلين على شرائها في تقلص، مقابل ارتفاع كلفتها وأسعار المواد الأولية المكونة لها.

إضافة إلى أن السلطات المعنية لا تبدي أي نوع من الإحاطة بمثل هؤلاء الحرفيين، لذلك عزف عنها الشباب مما يعني أنها في مسار الاندثار، وفق الشرفي.

وتعد صناعة العربات المجرورة بالخيول أحد أبرز الصناعات التقليدية اليدوية الكثيرة، التي تواجه خطر الاندثار والتلاشي، اذا لم تقابلها وقفة حازمة من السلطات المعنية، فبناء المستقبل يبقى رهين المحافظة على التاريخ.

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here