طريق وعرة من أجل إنقاذ الاقتصاد

35

تقبل تونس على تنفيذ إصلاحات اقتصادية “غير مسبوقة” في خطوة تهدف لمواجهة الصعوبات التي تمر بها البلاد ولخفض عجز ميزانية الدولة. لكن هذه الإجراءات من شأنها أن تؤثر على مساعي الدولة لجذب استثمارات، خاصة إذا فرضت ضرائب جديدة بدلا من خفض الإنفاق على القطاع العام المتضخم سعيا لتفادي الاحتجاجات.

وحظي الانتقال الديمقراطي في تونس بإشادة واسعة باعتباره النجاح الديمقراطي الوحيد بين دول الربيع العربي. لكن الأداء الاقتصادي لم يواكب النجاح الديمقراطي، حيث تضررت صادرات الفوسفات بسبب الإضرابات العمالية إضافة إلى السياحة التي عانت من آثار هجمات متطرفين في عام 2015.

وتأمل الحكومة في تمويل ميزانية العام المقبل بموارد من بينها قرض من صندوق النقد الدولي وخفض العجز من نحو 6 بالمئة في 2017 إلى 4.9 بالمئة في 2018. وقال وزير الإصلاحات الاقتصادية توفيق الراجحي إن بلاده مقبلة على “إصلاحات اقتصادية غير مسبوقة”.

وأفاد الراجحي إنه إذا سارت الأمور على نحو جيد، فإن تونس تأمل في خفض عدد العاملين في القطاع العام بحوالي 20 ألفا يغادرون بشكل طوعي، من مجموع حوالي 800 ألف موظف في القطاع العام.

وأضاف أن الحكومة تخطط لإعادة تأهيل شركات الدولة التي تنزف بسبب خسائر مالية تصل إلى ملياري دولار. كما تعتزم زيادة الضرائب والمساهمات في صناديق الضمان الاجتماعي، التي تعاني من عجز كبير.

وقال الراجحي إن الحكومة جادة هذه المرة وستمضي قدما في الإصلاحات ولم تعد لديها خيارات. وقال اتحاد الشغل، في بيان الأحد، إن الوضع الحالي والأزمة التي تعيشها البلاد ينبئان بانفجار اجتماعي إذا استمر الوضع على حاله.

وتقول رفاييلا أوبرتي، المحللة الاقتصادية، “تعتمد الحكومة بشكل كبير على المساعدات المالية من المقرضين الدوليين الذين يشترطون دعمهم بتنفيذ الإصلاحات الهيكلية ولا سيما ضبط الموازنات المالية وخفض الوظائف في القطاع العام لخفض كتلة الرواتب المرتفعة”.

لكن خطط الحكومة لخفض كتلة الرواتب -التي يقول صندوق النقد إنها الأعلى في دول العالم مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي- تصطدم برفض اتحاد الشغل والذي يقول في المقابل إن رواتب الموظفين في القطاع العام في تونس من بين أضعف الرواتب في العالم. وتضيف أوبرتي “إن مخاطر عدم الاستقرار الاجتماعي في البلاد تحد من هامش ضبط أوضاع المالية العامة”.

وتحت ضغط النقابات، ستلتزم الحكومة برفع الرواتب في إطار اتفاق سابق. وتحت ضغط اتحاد الشغل قد تتراجع الحكومة عن خطوات أخرى من بينها خفض الدعم.

وتعتزم الحكومة خلال 2018 رفع الضرائب على البنوك إلى 40 بالمئة من 35 بالمئة حاليا. وسترتفع الضرائب على الصفقات العقارية المقتناة من المطورين العقاريين من 6 بالمئة إلى 19 بالمئة. وتقول الشركات إن هذه الإجراءات ستقوض قدرتها التنافسية.

توفيق الراجحي: الحكومة جادة هذه المرة وستمضي قدما في الإصلاحات ويقول نافع النيفر، من نقابة المؤسسات المعروفة في تونس باسم اتحاد الصناعة والتجارة، “عدم الاستقرار الضريبي وفرض ضرائب متجددة كل عام يقتلان الرغبة في الاستثمار ولا يشجعان المستثمرين على المجيء”.

وهدد اتحاد الصناعة والتجارة (منظمة أرباب العمل) بإغلاق الشركات بعد أن اقترحت الحكومة ضريبة بنسبة 1 بالمئة كمساهمة اجتماعية لتمويل الصناديق الاجتماعية إضافة إلى إجراءات بنكية تهدف إلى خفض الواردات.

وقال النيفر “نحن نريد إصلاحات حقيقية وليس مسكنات، ولكننا نرفض أن نضحي في كل مرة من جديد من أجل رفع رواتب القطاع العام على حساب اقتصاد البلد وعلى حساب مئات الآلاف من العاطلين المتكدسين في تونس”.

والعام الماضي، فرضت الحكومة أيضا ضريبة استثنائية تبلغ 7 بالمئة على الشركات للمساعدة في تمويل الميزانية التي تعاني عجزا.

والاستثمار واحد من أهم التحديات التي تسعى لتونس لكسبها، سعيا لتوفير فرص عمل لمئات الآلاف من العاطلين.

ولا يبدو الشاهد في وضع مريح، إذ يتعين عليه بسرعة إصلاح الاقتصاد العليل وإيجاد توازن سياسي في ظل وضع معقد ومربك. وحفاظا على الهدوء الاجتماعي الهش، يرى الشاهد أنه لا بديل أمامه غير الحوار والنقاش مع اتحاد الشغل القوي.

ويعارض اتحاد الشغل خفض الدعم وخطط رفع الأسعار، ويقول إن الأسعار ملتهبة وإن المقدرة الشرائية للتونسيين تدهورت بشكل غير مسبوق. كما زادت معاناة التونسيين مع استمرار هبوط قيمة الدينار المحلي بنحو 35 بالمئة منذ 2011.

ويرى نافع النيفر، القيادي باتحاد الصناعة والتجارة، أن “البلاد تحتاج حكومة قوية قولا وفعلا وتتقدم في إصلاحات حقيقية”. كما يرى معارضون أن الإصلاحات المقترحة قد تفجر موجة احتجاجات تعيد البلاد إلى نقطة البداية بعد سنوات صعبة.

وقال الجيلاني الهمامي، القيادي بالجبهة الشعبية، “هذه الإجراءات مؤلمة فعلا للتونسيين وتزيد في معاناتهم ولم تعد تضرب الطبقات الضعيفة فقط بل الوسطى أيضا التي تضررت”. وتابع الهمامي “لا أعتقد أن مثل هذه الإجراءات ستمر هكذا دون رد فعل شعبي وقد تكون سببا مباشرا في اندلاع احتجاجات”.

لكن الحكومة تقول إنها تراعي الفئات الضعيفة وتسعى لإنعاش الاقتصاد. وقال الراجحي إن الحكومة بصدد تصنيف الشركات العمومية إلى شركات استراتيجية ستبقى تحت إشراف الدولة، وشركات تكون محور شراكة بين القطاعين الخاص والعام وأخرى تذهب للخوصصة.

ويرفض اتحاد الشغل أيضا خوصصة الشركات العامة، بينما يدعو اتحاد الصناعة والتجارة إلى اتخاذ تلك الخطوة بجرأة.

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here