ماذا يعني خفض التصنيف الائتماني لتونس؟

7
ماذا يعني خفض التصنيف الائتماني لتونس؟
ماذا يعني خفض التصنيف الائتماني لتونس؟

انتصار عنتر

أفريقيا برس – تونس. أعلنت وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني وضع تصنيف تونس قيد المراجعة، في إشارة إلى إمكان خفضه.

وكانت “موديز” خفضت تصنيف تونس إلى “Caa1” مع آفاق نمو سلبية في 14 أكتوبر (تشرين الأول) 2021. وأشارت إلى أن قرارها يأتي في ظل تقييم الوكالة لعدم توصل البلاد إلى تمويل يخرجها من هشاشة وضعيتها المالية المتمثلة في تفاقم إشكاليات السيولة، وتأخر توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي، وسط الحاجة المتواصلة إلى تعبئة موارد خارجية.

ورفعت الوكالة العوامل الخارجية من مستوى الأخطار، بعد أن مثلت الاختلالات المالية والوضعية الاجتماعية نقاط ضعف ائتمانية بسبب الحرب الأوكرانية.

اختلف خبراء، فهناك من حذر من الانحدار الذي يهدد تونس في حال عدم حصولها على قرض جديد تأخرت المفاوضات بشأنه مع صندوق النقد الدولي، مما يعمق الشكوك وحال عدم اليقين بقدرة البلاد على الوفاء بالتزاماتها المالية، وتنفيذ الإصلاحات التي وعدت بها المانحين.

كما أن هناك من حصر الانعكاسات السلبية للمراجعة من قبل وكالة “موديز” على السندات التونسية الموجودة بالسوق بحكم عدم خروج البلاد إلى السوق المالية العالمية للاقتراض منذ ثلاث سنوات.

أخطار إعادة التمويل

كشفت الوكالة عن وضعها للعملات الأجنبية والمحلية للحكومة التونسية قيد المراجعة من أجل خفض التصنيف الائتماني، إضافة إلى وضع تصنيف “Caa1” غير المضمون للبنك المركزي التونسي قيد المراجعة من أجل خفض التصنيف.

وقالت “موديز” في بيان إن هذا القرار بوضع التصنيفات قيد المراجعة لخفض التصنيف ورد بسبب عدم الوصول إلى اتفاق في الوقت المناسب بشأن برنامج جديد لصندوق النقد الدولي، مما يشير إلى تواصل وجود الأخطار المحدقة، وهي تخلف تونس عن سداد ديونها.

كما اعتبرت أن الاختلالات الكبيرة في المالية العمومية ووضعية تونس بالسوق الخارجية وأخطار إعادة التمويل المرتفعة نقاط ضعف كبيرة، مشيرة إلى أنها تفاقمت ثم تعمقت بفعل التوترات الاجتماعية بسبب التداعيات العالمية للصراع العسكري بين روسيا وأوكرانيا، في إشارة إلى الضغوط التضخمية.

وأوضحت الوكالة أن فترة المراجعة التي أعلنتها ستركز على تقييم التقدم الذي أحرزته السلطات التونسية في مسارها نحو تحقيق برنامج جديد مع صندوق النقد الدولي، معتبرة إياه أمراً أساسياً للتخفيف مما وصفته بأخطار التمويل والهشاشة الخارجية والأخطار الاجتماعية.

ومن شأن البرنامج في حال تركيزه زيادة الحفاظ بمصادر تمويل كافية في السنوات المقبلة لتجنب أزمة حادة في ميزان المدفوعات وموازنة الدولة وتفادي أزمة اجتماعية حادة، في حين أبقت الوكالة على سقوف تونس الخاصة بالعملة المحلية والأجنبية من دون تغيير.

واحتفظ سقف العملة المحلية بتصنيف “ب 1” وسقف النقد الأجنبي “ب 3″، معبرة عن تحفظها حول ما وصفته بالبصمة الكبيرة للقطاع العمومي واختلالات خارجية وبيئة اجتماعية وسياسية تعوق مناخ الأعمال، مع إشارة إلى الاختلالات الخارجية المستمرة والاعتماد على دخول العملة الأجنبية مما يزيد من مستوى أخطار تعرض المؤسسات التونسية لأخطار التحويل المحتملة.

يشار إلى أن وكالة “موديز” تفاعلت إيجاباً منذ أقل من شهر مع الاتفاق المبرم بين الحكومة التونسية والاتحاد العام للشغل (المركزية النقابية) والمتعلق بالزيادة في الأجور بالقطاع العام، واعتبرته “المرحلة المفتاح” لإرساء برنامج جديد مع صندوق النقد الدولي، على رغم أنها اعتبرت العقبات لا تزال قائمة، مشيرة إلى شروط التمويل الصعبة داخلياً وخارجياً.

وقدرت الوكالة حاجة تونس إلى التمويلات وقالت إنها تتراوح بين 15 في المئة و20 في المئة من الناتج الداخلي الخام سنوياً إلى حدود سنة 2025، وأنه من غير المتاح تلبية هذه الاحتياجات إلا عن طريق صرف تمويلات بشروط ميسرة بتوقيع اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي.

وفسرت “موديز” الصعوبات التي تمر بها الحكومة بلعبها دور المشغل خلال العقد الأخير والزيادة المتواصلة في عدد الموظفين في القطاع العام بالتالي ارتفاع كتلة الأجور، وأن التحكم في هذه الكتلة التي تناهز 15.4 في المئة من الناتج الداخلي الخام سنة 2021 يمر عبر دعم الاتحاد العام التونسي للشغل. بعد ما نجم عن ضعف النمو من توترات اجتماعية متكررة بسبب عدم خلق فرص الشغل إلى جانب ضعف الحكومات والمشهد السياسي المتوتر الذي أدى إلى العجز عن تنفيذ الإصلاحات ومعالجة الاختلالات المالية.

تواصل الاختلالات

توقعت وكالة “موديز” تعمق عجز الموازنة التونسية لبقية سنة 2022 ليصل إلى مستوى 8.6 في المئة من الناتج الداخلي الخام كنتيجة حتمية للزيادات المسجلة في أسعار الطاقة والمواد الغذائية على حساب فاتورة الدعم.

المسؤولون التونسيون كانوا كشفوا عن اقتراب التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي بالنظر إلى الصدى الإيجابي الذي قوبل به برنامج الإصلاحات التي وعدت بها البلاد وإعادة هيكلة الاقتصاد والانطلاق في تنفيذ نقاط منها، إلى جانب الخطوة المهمة في اتجاه السلم الاجتماعي بتوقيع الزيادة في الأجور مع المركزية النقابية تراوح بين 3.5 في المئة و5 في المئة، التي تنخفض بمقتضاها كتلة الأجور في السنوات الثلاث المقبلة مقارنة بالفترة الماضية وتراعي الظروف الحالية المتمثلة في ارتفاع نسبة التضخم إلى 8.6 في المئة.

وقال محافظ البنك المركزي مروان العباسي إن تونس تتوقع التوصل لاتفاق في الأسابيع المقبلة مع صندوق النقد الدولي بشأن قرض يتراوح بين ملياري دولار وأربعة مليارات دولار على ثلاث سنوات.

علماً أن الحكومة التونسية لم تعلن اتفاقاً مع الاتحاد العام التونسي للشغل بشأن الإصلاحات الاقتصادية التي عبر عن تحفظه حولها والخاصة بترشيد الدعم وإصلاح المؤسسات العمومية، وهي التي وعدت الجهة المانحة بتنفيذها للحصول على قرض جديد.

ومن عوامل الأخطار الائتمانية التي أسهمت في انحدار التصنيف لتونس ارتفاع مستوى المديونية إلى 77.7 في المئة من الناتج القومي الخام ومعدلات التضخم المتفاقمة المتأتية من ركود النشاط الاقتصادي وانخفاض الإنتاج وارتفاع أسعار المواد الأولية المستوردة بسبب الحرب الأوكرانية، بالتالي نسبة النمو المنخفضة مما يمهد إلى تنامي قائم الدين البالغ حالياً 106.7 مليار دينار (33.34 مليار دولار) والمرشح للزيادة بسبب ازدياد الحاجة إلى تعبئة الموارد الخارجية.

كما يهدد تونس موجة من الاحتقان الاجتماعي بسبب غياب العديد السلع الأساسية خصوصاً الغذائية منها عن السوق، وارتفاع الأسعار في وقت تطالب فيه الجهات المانحة تطبيق الإصلاحات التي وعدت بها الحكومة، ومن أهمها رفع الدعم والضغط على كتلة الأجور على المدى القصير.

الواقع بالسوق المالية

استبعد الخبير الاقتصادي أرام بالحاج تمكن تونس من الحصول على تمويل جديد خلال الأشهر الأخيرة من السنة الحالية، ويعود ذلك إلى الصعوبات التي تواجهها الحكومة في سعيها لتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية وفق تقديره، على رغم محاولات المسؤولين تقديم رسائل طمأنة حول الملف التونسي ورد الفعل الإيجابي الذي قوبل به لدى صندوق النقد.

وقال بالحاج إن قرار وكالة التصنيف الائتماني “موديز” بوضع التصنيف التونسي تحت المراقبة كشف عن واقع الملف التونسي، الذي يحتاج إلى تجسيد ما احتواه من قرارات وإجراءات للحصول على الصدقية، وهو ما فعلته الوكالة التي أعلنت ترقبها لتطورات الملف لاتخاذ قرار التصنيف الجديد.

في حين اعتبر المدير العام السابق للسياسة النقدية للبنك المركزي التونسي محمد صالح سويلم أن وضع تصنيف “Caa1” غير المضمون للبنك المركزي قيد المراجعة تم بمقتضى أن البنك هو المسؤول قانونياً عن مدفوعات جميع سندات الحكومة، فالسندات تطرح في السوق العالمية باسم البنك المركزي لفائدة الدولة.

وكشف سويلم أن تصنيف تونس انحدر من “Baa2” سنة 2010 ما يساوي المرتبة التاسعة إلى المرتبة 17 حالياً ما يساوي خسارة ثماني درجات بالسلم الائتماني لـ”موديز”، بينما تراجع التصنيف لدى وكالة “فيتش” من “BBB” في سبتمبر (أيلول) 2010 إلى “CCC” في الوقت الراهن، إذ خسرت خلالها تونس ثماني درجات وقد سار التصنيف الائتماني بالتوازي لدى الوكالات.

ويرى المدير العام السابق للسياسة النقدية للبنك المركزي التونسي أن التصنيف بالسلب ينعكس على تقييم الأخطار على السندات التونسية الموجودة بالسوق المالية وكلفة التداين، لكن تونس في المقابل لن تخرج إلى السوق المالية بالنظر إلى الكلفة المرتفعة للخروج على الأسواق بسبب وضعيتها المالية الحالية وانحدار تصنيفها.

أما عملية الترقب المعلنة من قبل الوكالة، فأشار إلى أن مأتاها حتمية انتظار الحسم في ملف تونس لدى صندوق النقد، وهي لا تؤدي بالضرورة إلى تصنيف أكثر انحداراً بالنظر إلى تطورات المفاوضات التي تقترب من توقيع اتفاق جديد.

وبخصوص أخطار السيولة وإمكان عدم الإيفاء بالالتزامات المالية التي مثلت أهم النقاط الائتمانية التي اعتمدتها “موديز”، ذكر سويلم أن ديون تونس بالعملة الأجنبية بالأسواق المالية العالمية لا تزيد على 5.5 مليار دولار إلى نهاية 2033 ولا تطرح هذه الشكوك بحكم واقع احتياطي العملات البالغ حالياً 23.369 مليار دينار (7.3 مليار دولار).

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here