لا مبرّر لمحاصرة الدستوري الحرّ سوى الخوف

15
لا مبرّر لمحاصرة الدستوري الحرّ سوى الخوف
لا مبرّر لمحاصرة الدستوري الحرّ سوى الخوف

أفريقيا برستونس. مرة أخرى يجد الحزب الدستوري الحر نفسه عرضة لتضييقات ممنهجة الهدف منها حسب ما جاء على لسان رئيسة الحزب هرسلة فئة واسعة من الشعب اختارت الانخراط في الحزب والنشاط في صفوفه ومناصرته والالتفاف حول مشروعه الوطني. آخر التضييقات التي يبدو أنها قد لا تكون الأخيرة في ظلّ السياسات الممنهجة والمعتمدة للحدّ من حرية ومن تحركات الحزب ما أفصحت عنه رئيسة الحزب عبير موسي التي كشفت يوم السبت الماضي أنه تم منع حزبها من عقد اجتماع كان مبرمجا ليوم الاحد الفارط بإحدى قاعات الافراح بمدينة سوسة.

عبير موسي اتهمت والية سوسة بـ”استهداف الحزب عبر منعه من تنظيم اي اجتماع” معتبرة منع الحزب “فضيحة جديدة ترتكبها الدولة في حق المواطنين” مضيفة في فيديو نشرته بصفحتها الرسمية على موقع “فايسبوك” ان أطرافا لم تسمّها “سعت لمنع الحزب من تنظيم الاجتماع بأية طريقة” وان هذه الأطراف “خرّبت بيت صاحب الفضاء لمعاقبته على تسويغ الفضاء للحزب”.

قرار المنع هذا لم يكن سابقة صادمة بحق الحزب حيث تم منعه سابقا من عقد اجتماع بولاية زغوان بتعلة الوضع الوبائي مع تواصل تفشي جائحة كورونا. كما تمّ منعه من تنظيم مؤتمره لولا الاستنجاد بتقنيات التواصل عن بعد. بالإضافة الى ذلك تمّ التضييق على عديد النسوة ومنعهن من الالتحاق بالوقفة الاحتجاجية النسائية التي نظمها الحزب تحت شعار ” نساء تونس غاضبات ” قرب مقر جمعية “اتحاد علماء المسلمين” فرع تونس يوم الجمعة الماضي. أسباب المنع والتضييق هي نفسها والغطاء أمني بحت ولغايات تبدو الى حدّ اللحظة غير معلومة وغير مفهومة.

يحصل هذا التضييق المتعمّد والمفتعل ولا حرج من الاعتراف بذلك في الوقت الذي يقع تنظيم عديد التظاهرات والاجتماعات بشكل عادي وكأن شيئا لم يكن. الغريب في الأمر أنّ والية سوسة ولتبرير قرارها تعللت بالوضع الصحّي الذي تمرّ به البلاد رغم أن الحزب اكد انه اتخذ كل الاجراءات الوقائية لتنظيم اجتماعه من ذلك عدم مشاركة اي منتسب للحزب لم يتلق التلقيح فيه إضافة الى الاستعانة بلجنة صحية للغرض مثلما قالت عبير موسي. والأغرب من ذلك أن الوالية نفسها منحت الاعلامي والناشط السياسي نزار الشعري ترخيصا لتنظيم اجتماع الاسبوع الماضي وفي قاعة مغلقة وهو ما يؤكّد سياسة المكيالين التي تمارس بحقّ الحزب.

يبدو من خلال تكرّر الممارسات “القمعية” في حقّ الحزب وفي حقّ المنتسبين اليه أن هناك تعليمات فوقية للتضييق قدر الإمكان على حرية الحزب وتطويق رقعة انتشاره وتوسّعه خاصة أنّ الجميع يعرف أنّه كان ولازال يتصدّر نوايا التصويت في الانتخابات التشريعية. كما أنه لا يجب أن ننسى أن رئيسته مازالت رغم كلّ ما حصل ورقة مهمة في المشهد السياسي وانها منافسة جدية لرئيس الجمهورية قيس سعيد. هذا ما جعلها ربما هي وحزبها في مرمى نيران القوى المتحرّكة التابعة أو لنقل المحسوبة على رئيس الجمهورية. وإلاّ ما معنى أن ينعم الجميع بتراخيص استثنائية لعقد مؤتمرات جماهيرية علنية على غرار المؤتمر الاستثنائي للاتحاد العام التونسي للشغل أو تنظيم ندوات واجتماعات شعبية على غرار ما يقوم به الشعري وغيره في الفترة الأخيرة في وقت تتواصل التضييقات والانحرافات في حقّ الحزب وفي حقّ منخرطيه؟.

ما يثير الريبة حقّا هو صمت رئاسة الجمهورية عن التهم التي تلاحقها بخصوص إسداء تعليمات مباشرة من القصر ترمي للتضييق على الحزب وللحدّ من حريته تنظيميا ولوجيستيا. تُهم تضع -ان ثبتت صحتها طبعا- رئيس الجمهورية رأسا على قائمة المتآمرين على الحزب خاصة أنّه ومديرة ديوانه لم يكلفا نفسيهما حتى مشقة التوضيح في وقت مرّت رئيسة الحزب صراحة من التلميح الى التصريح.

عبير موسي قالت امس خلال استضافتها ببرنامج “بوليتيكا” على راديو “جوهرة” إن هناك سياسة ممهنجة لمنع نشاط الحزب الدستوري الحر وشدّدت على أن والية سوسة تعمدت منع نشاط للحزب في سوسة بتعلة أن الأمن غير قادر على تأمينها وبتعلة عدم احترام البروتوكول الصحي وبتعلة أن التعليمات صادرة عن القصر الرئاسي في حين ينصّ الأمر الرئاسي المؤرخ في 18 أوت على السماح لمن استكملوا تلقيحهم بالمشاركة في التجمعات والتظاهرات.

موسي أكّدت أنها ستقاضي والية سوسة معتبرة أن ما أٌقدمت عليه يرتقي لمرتبة الجريمة. بل هي لم تكتف بهذا الحدّ وانما أوضحت أنها ستقاضي كذلك رئيس الجمهورية بسبب حقوق المرأة وكذلك المكلف بتسيير وزارة الداخلية رضا غرسلاوي بسبب المنع الممنهج لكل نشاطات حزبها من العاصمة إلى سوسة.

ما يحدث الآن بين الحزب الدستوري الحرّ ورئاسة الجمهورية يذكّرنا بشكل كبير بما كان يحدث قبل تاريخ 25 جويلية بين الحزب وحركة النهضة وبدرجة أقل ائتلاف الكرامة. ووجه الشبه ليس في أصل الصراع السياسي ولكن بسبب رغبة كلّ طرف على حدة في تصدّر المشهد. وإذا كان البعض يعيب على عبير موسى وحزبها جنوحهما الدائم الى افتعال مشاكل وصراعات وهمية مع خصومهما السياسيين فإنّ اللوم كل اللوم ينصب هذه المرّة على رئاسة الجمهورية التي يبدو أنها تبارك سياسة التضييق الممنهج على الحزب لغايات مواعيد انتخابية مازال موعدها في نظر البعض مؤجّلا. فالخوض في طبيعة المرحلة القادمة يستدعي قراءة الوضع الراهن بنظرة أكثر شمولية يتجاوز مداها مجرّد تأمّل الصراع السياسي بعناوينه الحالية. نقول هذا الكلام لأنه لا أحد فينا اليوم ينكر وجود قواعد شعبية موالية لرئيس الجمهورية بصدد التشكل والتوسّع. قواعد انتقلت من مرحلة المساندة الجماهيرية العابرة والعفوية الى مرحلة التنظم والتموقع. هذا الواقع الجديد يبشّر بميلاد نظام سياسي جديد يقوده الرئيس الأوحد يقوم على الاستحواذ على كلّ السلط مع حشر بقيّة الخصوم في الزاوية.

رئيس الجمهورية يعبدّ الطريق نحو بناء جمهورية جديدة مثلما يراها ويتصورها وهذا أمر مفهوم وربّما محمود. وإذا كانت خطواته الأولى خاصة في ما يتعلّق بقرارات 25 جويلية مفصلية ومحلّ إجماع وإشادة واسعة فإنّ من شأن الخوض في مثل هذه الترهات والمتاهات الجانبية أن يحجب نقطة الضوء عن جبين الرئيس ويوقع به في مربع “الدكتاتورية”. تلك التهمة التي يلوكها البعض ويرددونها سرّا وعلانية للمسّ من صورة الرئيس ومن قاعدته الجماهيرية. لذلك نخشى أن تساهم بعض هذه الانحرافات الخطيرة التي تقوم بها السلطة في ترسيخ هذه الفكرة في أذهان مؤيديه قبل معارضيه خاصة أنّ الاستعانة بالمقاربة الأمنية لتفريق الخصوم تشرّع دائما لمنطق الافلات والانفلات. هذا الانفلات الشعبي الذي يبقى دائما كابوسا جاثما على الصدور يترصّد ويلاحق كلّ قرارات 25 جويلية على أمل السقوط بها في مربّع الفتنة والاقتتال لغاية في نفس يعقوب وما أكثر “عقوباتنا” هذه الأيام.

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here