احتدام المقاطعة في تونس… قضايا متبادلة بين نشطاء وعلامات تجارية

3
احتدام المقاطعة في تونس... قضايا متبادلة بين نشطاء وعلامات تجارية
احتدام المقاطعة في تونس... قضايا متبادلة بين نشطاء وعلامات تجارية

إيمان الحامدي

أفريقيا برس – تونس. دخل نشطاء تونسيون في معارك مفتوحة مع المؤسسات الملاحقة بتهمة دعم الكيان الإسرائيلي، وصلت إلى قاعات المحاكم بعد رفع هذه المؤسسات قضايا ضدهم، وذلك تزامناً مع استمرار حملات المقاطعة التي تطاول مؤسسات تجارية وسلاسل مطاعم.

والخميس الماضي مثل أمام القضاء التونسي الناشط المدني وائل نوار، بعد أن رفعت ضده مؤسسة محلات “زارا” للملابس دعوى بتهمة تعطيل العمل والتهديد بالعنف. كذلك أحيل في التاريخ ذاته الناشط بلال القلصي وثلاثة من رفاقه، بعد كشفهم لمزود يتواصل ويمدح الجيش الإسرائيلي على شبكات التواصل الاجتماعي، إذ تولى القلصي التشهير به وفضح أمره.

وتوسعت حملات المقاطعة في تونس بالتوازي مع تصعيد الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على المدنيين في قطاع غزة، رغم تعثر البرلمان التونسي في إقرار مشروع قانون تجريم التطبيع تضمن بنوداً تمنع أشكال التعاون الاقتصادي مع المحتل وداعميه.

ويحاول النشطاء المدنيون النبش في ارتباطات مزودين ومؤسسات تعمل في السوق التونسية تتعامل مع الكيان الإسرائيلي أو تدعمه مع توثيق الأدلة وإحالتها على القضاء رداً على القضايا المرفوعة ضدهم.

وقال الناشط المدني وائل نوار الذي واجه تهمة تعطيل العمل والتهديد بالعنف في قضية رفعتها ضده محلات “زارا” إن حملات المقاطعة في تونس توجع المؤسسات الداعمة للكيان المحتل، وهو ما يفسر ردة فعلها بمحاولة الزج بالنشطاء في السجن. وأكد توثيق النشطاء لشبهات دعم مزودين يشتغلون على السوق التونسية للكيان المحتل، إذ رُفعَت قضايا ضدهم لدى المحاكم التونسية، فضلاً عن التشهير بهم على شبكات التواصل الاجتماعي للتضييق عليهم وإخراجهم من السوق نهائياً.

وأضاف نوار: “في غياب نصوص قانونية واضحة تجرّم التطبيع مع الكيان المحتل، نختبر قدرة القانون الجزائي التونسي على إصدار أحكام في القضايا المرفوعة ضد المطبعين اقتصادياً والمؤسسات الداعمة لإسرائيل”. وتابع: “نحاول إطالة أمد المقاطعة قدر الإمكان، ومساعدة المستهلكين على عدم الانجذاب للتخفيضات والحملات التسويقية التي تنفذها المؤسسات الموصومة بدعم الكيان”.

ومنذ أغسطس/ آب الماضي بدأ برلمان تونس الجديد مناقشة مشروع قانون لتجريم التطبيع، حيث تضمنت بنوده تحديداً للأفعال التي تعدّ تطبيعاً، من بينها إقامة علاقات طبيعيّة مباشرة أو غير مباشرة مع إسرائيل وأجهزتها ومواطنيها، مثل الاتجار والتعاقد والتواصل التجاري والمهني والعلمي والثقافي.

ويُسلّط مقترح القانون على مرتكب جريمة التطبيع مع الكيان الصهيوني عقوبة سالبة للحريّة بالسجن لمدّة تراوح بين ثلاث وخمس سنوات، إلى جانب عقوبة مالية تراوح بين عشرة آلاف دينار ومائة ألف دينار (من 3.23 آلاف دولار و32.3 ألف دولار) غير أن المشروع تعثر في أثناء التصويت على بنوده، وظل القرار النهائي بشأنه معلقاً.

بدأت تونس المقاطعة الرّسمية المنظمة لإسرائيل من طريق جامعة الدول العربية بعد حرب 1948، فيما اختلف تنفيذ هذه المقاطعة من دولة لأخرى. وفي أغسطس/ آب 2022، شددت وزارة التجارة وتنمية الصادرات التونسية على التزامها أحكام “المقاطعة” العربية لإسرائيل وفق مبادئ جامعة الدول العربية، وذلك رداً على ما تتداوله تقارير ومواقع إخبارية عن إجرائها مبادلات تجارية مع إسرائيل.

في المقابل، نشرت وسائل إعلام دولية عام 2022 تقارير عن حجم المبادلات التجارية بين تونس وإسرائيل لعام 2021 الذي تجاوز 89 مليون دينار تونسي، أي ما يعادل 30 مليون دولار، استناداً إلى بيانات نشرها موقع “كومترايد” التابع لمنظمة الأمم المتحدة، وهو موقع لتجميع البيانات بخصوص المبادلات التجارية في العالم.

لكن وزارة التجارة قالت في بيان حينها إن تونس ملتزمة أحكام المقاطعة العربية في إطار الجامعة العربية ضمن اتفاقية عدم تطبيق “الاتفاقية العامة للتعريفة الجمركية والتجارة” المعروفة اختصاراً بـ”الغات” إزاء إسرائيل، التي انضمت إليها في عام 1990، وهو ما يعني أن تل أبيب غير مشمولة بتخفيض القيود الجمركية على التجارة الدولية.

واستهدفت حملات المقاطعة الأخيرة منذ انطلاقها العلامات التجارية التي تشتغل تحت عقود استغلال التسمية الأصلية أو ما يسمى بالفرانشايز (حق الامتياز) ضمن القانون المتعلق بتجارة التوزيع، وذلك على غرار محلات “زارا” وسلاسل المطاعم، ومنها “كنتاكي”.

وأُعِدَّت قائمة بالقطاعات المعنية بالفرانشايز تشمل العطور، ومواد التجميل، والملابس الجاهزة، والأحذية والمنتجات الجلدية والرياضية، والساعات، والهدايا، والنظارات، والتجهيزات الكهرومنزلية، وغيرها.

ويجد النشطاء الذين يخوضون المعركة القضائية ضد داعمي الكيان مساندة واسعة من التونسيين ومنظمات إرشاد المستهلكين التي تدفع نحو تغيير العادات الاستهلاكية للمواطنين بشكل جذري وتعويض المنتجات الموردة بأخرى مصنعة محلياً.

وقال رئيس منظمة إرشاد المستهلك لطفي الرياحي، إن كل الأسلحة متاحة للجم أي شكل من أشكال التطبيع الاقتصادي، مشدداً على أن يقابل ذلك بناء جديد للعادات الاستهلاكية للتونسية عبر ترجيح كفة المنتج المصنع محلياً.

وتحدث الرياحي عن الضرر الحاصل للقطاع الصناعي التونسي منذ دخول علامات “الفرانشايز” للسوق، حيث سبّب ذلك إغراق السوق بالمنتجات الموردة ذات الجودة المتدنية وإغلاق مصانع تونسية وخسارة فرص عمل. وتابع: “تحقق مؤسسات الفرانشاير أرباحاً كبيرة مقابل مساهمة شبه منعدمة في خلق الثروة”، وهو ما يفسّر خوفها من دعوات المقاطعة ومقاضاتها للنشطاء المدنيين الذين يقودون الحملات ضدها.

وعقب ثورة يناير/ كانون الثاني 2011 مارست دوائر الأعمال ضغوطاً كبيرة على السلطة من أجل توسعة قائمة استغلال العلامات التجارية الأجنبية لتشمل قطاع المطاعم والأكلات السريعة على غرار “بيتزا هت” و”ماكدونالدز” و”كنتاكي”.

واعتباراً من عام 2016 منحت وزارة التجارة 20 رخصة امتياز أجنبية لمزاولة العمل في القطاعات المقيّدة، شملت التوزيع والسياحة والتدريب المهني وبعض قطاعات الخدمة.

في المقابل، تعتبر بعض الأطراف المهنية أن الترخيص للمستثمرين لاستغلال علامات عالمية، له مزايا، من ذلك مساهمتها في التشغيل، باعتبار أن المستثمر الذي سيستغل العلامة الأجنبية يفتح العديد من نقاط البيع، وهو ما سيساهم في توفير فرص عمل جديدة.

كذلك تساعد في إحداث حراك تجاري جديد في البلاد وتنويع العرض والمنتجات، باعتبار أن القانون التونسي يفرض على العلامات الأجنبية استعمال المنتجات المحلية، وهو ما يخلق ديناميكية في العديد من القطاعات الفلاحية وتحسين دخل المزارعين والمنتجين.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here