برلمان تونس يفتح أبوابه من جديد والمعارضة تتمسك بعدم شرعيته

28
برلمان تونس يفتح أبوابه من جديد والمعارضة تتمسك بعدم شرعيته
برلمان تونس يفتح أبوابه من جديد والمعارضة تتمسك بعدم شرعيته

إلهام اليمامة

أفريقيا برس – تونس. انعقدت الاثنين الجلسة الأولى لمجلس نواب الشعب (البرلمان) وسط جدل تسبب فيه حكر التغطية الإعلامية على الإعلام العمومي وتصريحات المعارضة الرافضة للبرلمان ولـ”شرعيته”، فيما كان همّ الشارع التونسي العام بعيدا عن ذلك في خضم حيرته مع غلاء الأسعار وغياب الكثير من المواد الأساسية عن السوق.

بعد أن أغلقت أبوابه لحوالي سنة وثمانية أشهر، عادت الحركة إلى مجلس نواب الشعب إثر جلسة افتتاحية انعقدت صباح الاثنين بقمر المجلس بمدينة باردو في العاصمة، أدى خلالها النواب القسم وترأسها أكبر النواب سنّا بمساعدة نائب ونائبة من الشباب.

وقالت جبهة الخلاص الوطني، وهي ائتلاف معارض رئيسي يضم حركة النهضة ونشطاء حقوقين وسياسيين، إنها “لن تعترف ببرلمان ناجم عن انقلاب وانتخابات قاطعتها الأغلبية الساحقة”، وشددت على أنها “عاقدة العزم أكثر من أي وقت مضى على التصدي السلمي للمسار العبثي الذي يوشك أن يجر بلادنا إلى الخراب”. من جهتها أعلنت كتلة حركة “النهضة” التونسية بالبرلمان المنحل، عدم اعترافها بالبرلمان الجديد، وأوضحت الكتلة في بيان بامضاء رئيسها عماد الخميري، أن المجلس الجديد فاقد للمشروعية وانبثق عن انتخابات قاطعها ما يزيد عن 90 بالمئة من التونسيين. وأضافت أنها تتمسك بدستور 2014 وتعتبره مصدرا وحيدا للشرعية.

ولم تمر الجلسة الأولى للبرلمان الجديد التي نقلها التلفزيون الرسمي مرّ الكرام حيث أثارت جدلا وغضبا واسعين في أوساط الصحافيين ووسائل الإعلام الخاصة التونسية والدولية بعد أن تم منعهم من تغطية الجلسة في حين قال منظمون إنه يسمح فقط للتلفزيون والإذاعة الرسمية ووكالة الأنباء الرسمية بتغطية الحدث.

وانتقد مراقبون ووسائل إعلام هذا التغييب، الذي يسجّل لأول مرة في جلسات البرلمان منذ ثورة 2011، وصنّفوه ضمن خانة التضييق على الإعلام وعلى الرأي العام، حيث أن الجهات الرسمية لن تنقل إلا الصورة التي يريدها النظام.

وقال النائب السابق محمد الحامدي في تدوينة على صفحته على فايسبوك ” لم يُمنع الصحافيون من تغطية الجلسة فهي مغطاة وإنما منعوا من تعريتها”، في إشارة إلى ما كان يعرض في السابق من صراعات ومشاحنات تصل حد التلاسن والضرب بالأيدي بين النواب في البرلمان السابق.

حاتم المليكي، ناشط سياسي ونائب سابق في البرلمان التونسي

من جهته قال النائب السابق والناشط السياسي حاتم المليكي في تصريح لـ”أفريقيا برس”: أقيم جلسة البرلمان الجديد الأولى انطلاقا من ثلاث مسائل: الأولى: المنع غير المبرر للصحفيين لحضور الجلسة وهذا غير مقبول لأنه وقع التفريق بين الإعلام العمومي والإعلام الدولي والخاص وهذا ليس موجود في أي قرار متعلق أو مرسوم ليس له صبغة قانونية أو جهة رسمية تبنت هذا الموقف، وهذا مدان ونعتبره مس من حق المواطنين في الحصول على معلومة ومس من حرية التعبير والعمل الصحفي. الثانية: تتعلق باللخبطة الموجودة في تأويل الفصول القانونية خاصة فيما يتعلق بترشح النائب الأول والنائب الثاني وهذا يطرح إشكال لأن المجلس ليس له معطيات كافية ويبين أن رئيس الجمهورية هو من يرسم للمجلس في تحركاته وعمله. والثالثة: في تقديري بدأنا نرى في مجلس نواب تحت نظام رئاسي مختلف عن مجلس النواب في نظام برلماني ولا أرى حاليا أي دور جديد لهذا المجلس لكن سنكتشفه في الأيام المقبلة، ولكن هو مجلس في صلب نظام رئاسي ليس له تأثير كبير على مؤسسات الدولة ويبقى في تقديري مسار متعطل ومسار غير واضح ولن يفيد تونس كثير أمام التحديات التي تواجهها اليوم”.

في 26 أكتوبر 2014 توجه الناخبون التونسيون بأرقام قياسية لمكاتب الاقتراع، يومها كان نادرا مثل ذلك المشهد الذي يصطف فيه الناخبون للإدلاء بأصواتهم. لم يكن هناك تذمر من طول الصفوف وكثرة ساعات الوقوف، بالعكس كان المشهد أشبه بعرس، لكن هذا العرس لم تكتمل فرحته.

وعلى النقيض التام كان المشهد يوم 10 ديسمبر 2022، حيث كانت نسبة المشاركة ضعيفة جدا، حتى أن بعض مكاتب الاقتراع سجلت خلال الدور الثاني في 29 يناير 2023 صفر حضور، في مشهد عكس موقف الشارع التونسي ورفضه للمسار الذي آل إليه الوضع في البلاد.

مع انعقاد المجلس الجديد الجديد، استحضر التونسيون مشاحنات النواب وكثرة غياباتهم وتقديم مصلحة أحزابهم على مصلحة ناخبيهم، كما استحضروا صور الكثير من جلسات البرلمان السابق الصاخبة والمثيرة للسخرية والتهكم في أحيان كثيرة وللغضب والحسرة لما آل إليه الوضع في البلاد في أحيان أخرى مع رغبة في القطع عن هذه الصورة.

وكان الرئيس التونسي قيس سعيد أعلن يوم 25 جويلية 2021 تعليق أعمال وتوليه كامل السلطة التنفيذية والتشريعية، ثم أعلن عن حلّ البرلمان يوم 30 مارس 2022. وشهدت البلاد في ديسمبر 2022 الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية فيما انعقدت الجولة الثانية في يناير 2023، وقد سجلت أدنى نسب تصويت بمشاركة بلغت 11 بالمئة فقط.

ولن يتمتّع النواب في برلمان 2023 بصلاحيات برلمان ما بعد 2011، حيث تمنع السياحة الحزبية، ولن يكون بمقدور أي نائب تغيير الكتلة التي ينتمي إليها، وهو الأمر الذي كان مثار فوضى وتغيير الكثير من التوازنات في البرلمان السابق.

وتنص المادة 62 من دستور 2022 على “تحجير (منع) تنقل نواب البرلمان بين الكتل النيابية”. ووفق المادة 66 “لا يتمتع النائب بالحصانة البرلمانية بالنسبة إلى جرائم القذف والثلب (التشهير) وتبادل العنف المرتكبة داخل المجلس، كما لا يتمتع بها أيضا في صورة تعطيله للسير العادي لأعمال المجلس”.

وكان الرئيس التونسي قد قال عشية افتتاح أعمال البرلمان الحالي: :” ليعلم هؤلاء النواب أنهم تحت رقابة الشعب التونسي.. لن يكون البرلمان كما كان في السابق، والتشريعات يجب أن تعبر عن الإرادة العامة، لا عن إرادة بعض الجهات التي لازالت تحن إلى العشرية الماضية وإلى البرلمان الماضي”.

وشدّد على أن “من يتحدث عن تكوين الكتل والبيع والشراء هم خارج التاريخ.. لأنهم تحت رقابة الناخبين”، مضيفا أن “المجلس التشريعي الجديد يجب أن يضع تشريعات نابعة من الإرادة الشعبية، كما أن المجلس الوطني للجهات والأقاليم، سيعمل على تمثيل الفئات المهمشة للمشاركة في صنع القرار ووضع التشريعات الملائمة، وكثيرون لم يفهموا هذا الدور”.

ويعتبر المجلس الوطني للجهات والأقاليم، الغرفة الثانية في البرلمان. من صلاحيات البرلمان المقبل التشريع ومراقبة عمل الحكومة، في حين أن مجلس الجهات والأقاليم، يمثل قوة اقتراح ومتابعة كما انه من صلاحياته النظر في قانون المالية قبل عرضه على مجلس النواب.

والمجلس الوطنيّ للجهات والأقاليم يتكون من نوّاب منتخبين عن الجهات والأقاليم. وينتخب أعضاء كلّ مجلس جهويّ ثلاثة أعضاء من بينهم لتمثيل جهاتهم بالمجلس الوطنيّ للجهات والأقاليم، وينتخب الأعضاء المنتخبون في المجالس الجهويّة في كلّ إقليم نائبا واحدا من بينهم يمثّل هذا الإقليم في المجلس الوطنيّ للجهات والأقاليم.

وينتظر أن تنطلق هذه العملية التي وصفت بالمعقدة قريبا بعد أن حلّ الرئيس التونسي المجالس البلدية وتعويضها بنيابات خصوصية. وصدر بالرائد الرسمي للبلاد التونسية (الجريدة الرسمية) الأسبوع الماضي مرسوم رئاسي يقضي بـ “حلّ جميع المجالس البلدية إلى حين انتخاب مجالس بلدية جديدة”، مع تفويض “الكاتب العام للبلدية، تحت إشراف محافظ الجهة، مهمة تسيير الشؤون العادية للبلدية وإدارتها”.

وتضمن الرائد الرسمي أيضا مرسوما حول تنظيم انتخابات المجالس المحلية الجديدة وشروط الترشح لها، ومرسوما لتنظيم تركيبة المجالس الجهوية ومجالس الأقاليم وطرق عملها، والتي تمثل الجماعات المحلية والجهوية.

البرلمان الجديد في تونس انعقد وسط رفض غالبية القوى السياسية والمدنية. على الجانب الآخر، يبدو الشارع التونسي، بطبقته العامة، غير مبال كثيرا بهذه التجاذبات خاصة وأن انعقاد الجلسة تزامن من جهة مع انطلاق الامتحانات، وهي فترة هامة تعلن فيها أغلب العائلات التونسية حالة استنفار، ومن جهة أخرى تزامن ذلك مع الاستعداد لشهر رمضان، وهي مناسبة لها طقوسها وعاداتها التي يجد التونسي اليوم صعوبة في التقيّد بها والمحافظة عليها في ظل غلاء الأسعار وتراجع المقدرة الشرائية والأزمة الاقتصادية الخانقة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here