أفريقيا برس – تونس. يلقي الشح المائي بظلاله على اقتصاد تونس، وسط تحذيرات من تأثيرات سلبية على نسب النمو العامة خلال العام الحالي، بينما تكافح البلاد للخروج من ضائقة مالية خانقة وتحسين مؤشرات القطاعات المنتجة للثروة.
وتشهد الموارد المائية في تونس تراجعاً تاريخياً، إذ لم تصل نسبة تعبئة السدود إلى 30%، فيما دعت الجمعيات المدنية إلى ضرورة إعلان حالة الطوارئ المائي والبحث عن حلول سريعة تمنع انهيار القطاعات ذات الاستهلاك العالي للمياه.
ويهدد الإجهاد المائي أغلب القطاعات الاقتصادية في البلاد، التي يستأثر فيها القطاع الزراعي بنحو 80% من الموارد المائية، يليها الاستهلاك المنزلي بنسبة 14%، ثم القطاع الصناعي بنحو 5% وأنشطة الفنادق والمنشآت السياحية بنسبة 1%.
ومؤخراً، أقرّ البنك المركزي التونسي في بيان لمجلس إدارته بتأثير الإجهاد المائي على النمو الاقتصادي للعام الحالي، متوقّعاً أن يظل النمو في مستويات ضعيفة.
وقال البنك المركزي إنّ “آفاق النشاط بالنسبة لعام 2023 لا تزال رهن انتعاشة الطلب الخارجي وكذلك مجموعة من العوامل الداخلية المتعلقة على وجه الخصوص بوضعية المالية العمومية وتسارع التضخم واستمرار الإجهاد المائي”.
وتتطلّع تونس هذا العام إلى تحقيق نسبة نمو اقتصادي لا تتعدّى 1.8%، وفق ما ورد في تقرير الميزان الاقتصادي الصادر عن وزارة الاقتصاد والتخطيط أخيراً.
وأشار التقرير إلى أن تحقيق هذه النسبة مشروط برفع العراقيل الاقتصادية، غير أنه لم يذكر أي تأثيرات مرتقبة للإجهاد المائي على مساهمة الأنشطة الاقتصادية في النمو العام.
ويؤكد علاء المرزوقي، المتحدث باسم المرصد التونسي للمياه (منظمة مدنية)، أنّ “2022 كان الأكثر عطشاً بالنسبة لتونس، وتجلّت مشكلة شح المياه في كل البيوت دون استثناء”.
وقال المرزوقي إن القطاع الزراعي سجّل تراجعاً كبيراً في الإنتاج بسبب قلة الموارد المائية، وهو ما انعكس بشكل واضح على النمو الاقتصادي للدولة.
ويضيف أنّ كلّ القطاعات الاقتصادية في البلاد مرتبطة بتوفر الموارد المائية، مشيراً إلى أنّ القطاع الزراعي يسجل خروج منتجين من دائرة الإنتاج بسبب نقص المياه، وهو ما يحيل الآلاف على البطالة ويخلق موجات نزوح من مناطق العطش نحو المناطق التي لا تزال فيها الموارد المائية متاحة.
ويرجح المرزوقي أن تمتد أزمة المياه إلى القطاعات الخدمية مع بدء تقسيط المياه هذا العام، موضحاً أنّ قطاعات على غرار السياحة والمقاهي والنزل (الفنادق والإقامات السياحية) ستواجه مشكلات كبيرة بسبب انقطاع الماء، وهو ما يضعف قدرتها على التشغيل والمساهمة في زيادة نسب النمو.
بدوره، يقول المدير العام لمؤسسة “سيغما كونساي” لاستطلاعات الرأي حسن الزرقوني إنّ حصة الفرد الواحد من الماء انخفضت في موسم 2022/ 2023 إلى ما دون 400 متر مكعب مقابل نحو 450 متراً مكعباً سنوياً خلال السنوات العشر الماضية، معتبراً أنّ الأرقام تؤذن بدخول مرحلة شح المياه.
ويؤكد الزرقوني دخول تونس في مرحلة الإجهاد المائي، مشيراً إلى أنّ تقلّص كمّيات المياه المتاحة يمثّل عامل تقييد، وعائقاً أمام التنمية، وبمثابة اعتداء على الكرامة الإنسانية بالنسبة للحياة اليومية للمواطن التونسي.
ويشير إلى أنّ القطاع الزراعي، الذي يستهلك ما يقارب 80% من الموارد المائية السنوية مطالب حالياً بالتحول نحو استخدام أمثل لمياه الري عبر الاستثمار في أحدث تقنيات الري للاقتصاد في المياه.
ويقول إن شركة استغلال وتوزيع المياه الحكومية هي المسؤول الأول عن سياسات اقتصاد استهلاك الماء وفرض طرق الري الأنجح، نظراً لاحتكارها وظائف الجمع والتصرف في المياه الصالحة للري والشرب.
ويقترح إنشاء محطات تحلية مياه البحر باستخدام الطاقة المتجددة في أقرب الآجال للحد من ارتدادات الشح المائي على النمو الاقتصادي ووظائف القطاعات المهمة.
ويدفع التونسيون الذي يكابدون الغلاء والتضخم ثمناً عالياً لزيادة كلفة الإنتاج الناجمة عن نقص المياه وزيادة تسعيرتها، حيث يستمر معدل التضخم في الارتفاع، إذ بلغ 10.4% في فبراير/ شباط الماضي مقابل 7% خلال نفس الشهر من العام الماضي 2022. ووفق البنك المركزي فإن ارتفاع التضخم يرجع بشكل أساسي إلى تصاعد أسعار المواد الغذائية الطازجة.
وحذرت دراسة أجرتها وزارة البيئة التونسية بالتعاون مع السفارة البريطانية، العام الماضي، بعنوان “الآثار الاقتصادية للتغّيرات المناخية في تونس” من اتساع أضرار شح المياه على المدى الطويل، إذ أشارت إلى أنّ القطاع الزراعي الذي يمثل نحو 14% من إجمالي الناتج المحلي يواجه خطر فقدان الكثير من فرص العمل والعائدات سنوياً.
وتوقعت الدراسة تأثيراً كبيراً لنقص الأمطار على إنتاج الحبوب، لينخفض ما بين 30% و50% في غضون عام 2100 مع إمكانية فقدان مجال النشاط نحو 30% من فرص العمل.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس