عام الاعتقالات السياسية في تونس.. إنهاء كل رأي معارض

5
عام الاعتقالات السياسية في تونس.. إنهاء كل رأي معارض
عام الاعتقالات السياسية في تونس.. إنهاء كل رأي معارض

وليد التليلي

أفريقيا برس – تونس. تؤكد عائلة الأمين العام السابق لـ”التيار الديمقراطي” في تونس، المعتقل غازي الشواشي، في بيان، أن “أوضاعه الصحية متردية وخطيرة، لا يقدر على المشي بسهولة، لا ينام الليل من شدة الآلام، وأنه دخل في حالة اعتزال بزنزانته، رافضاً التعامل مع إدارة السجن والوظيفة القضائية، ولا يأخذ الدواء رغم أنه يعاني من أمراض مزمنة… يأكل فقط بعض الخبز والماء، يرفض مقابلة المحامين والعائلة”.

تلخّص هذه الحالة وضع المساجين السياسيين في تونس، المعتقلين منذ بداية العام الماضي بتهمة التآمر على أمن الدولة، بدون محاكمتهم إلى حد الآن، أو حتى استكمال التحقيق معهم، بينما تمدد السلطات سجنهم في كل مرة بدون مبررات، وفق تأكيدات هيئة الدفاع.

ووضع الرئيس التونسي قيس سعيّد في السجن أهم خصومه السياسيين، من كل العائلات الفكرية، منذ فبراير/شباط الماضي، بغاية إنهاء كل نَفَس معارض في البلاد، متهماً إياهم، في ظهور تلفزيوني في ذلك الوقت، بأنهم “إرهابيون” و”خونة”، ومحذراً من أن “من يجرؤ على تبرئتهم هو شريكهم”.

يقبع في السجن رئيس حركة “النهضة” راشد الغنوشي، ونوابه علي العريض ونور الدين البحيري ومنذر الونيسي، وعدد من الموظفين والقيادات الجهوية والمحلية في “النهضة”، والأمين العام لـ”الحزب الجمهوري” عصام الشابي، وغازي الشواشي، والناشط السياسي خيام التركي، والقياديان في “جبهة الخلاص” جوهر بن مبارك ورضا بلحاج، والمستقيل من “النهضة” عبد الحميد الجلاصي، ورئيسة “الحزب الدستوري” عبير موسي، ومدونون وصحافيون وناشطون ورجال أعمال، فيما ينتظر كثيرون دورهم القادم في التحقيقات.

وفي الأثناء، يؤكد سعيّد، يوم انتخابات المجالس المحلية التي لم تجمع أكثر من 11,66 في المائة من الناخبين، أن تونس “دولة موحدة وستبقى موحدة”. وقال: “سنواصل بناء الجمهورية الجديدة، ونحن نسير في اتجاه التاريخ”.

ويقول القيادي في “النهضة” رياض الشعيبي: “للأسف لم تكن سنة 2023 إلا فصلاً جديداً من فصول التراجع عن الديمقراطية. ولعل أبرز مظاهر هذا التراجع خلال هذه السنة هو التوسع في الاعتقالات السياسية والاحتجاز التعسفي، خصوصاً بعد إلغاء السلطة القضائية وتحويل القضاة إلى مجرد موظفين لدى رئيس الدولة كما ينص على ذلك دستوره الجديد.

منعطف اعتقال الغنوشي

شكّل اعتقال رئيس “النهضة” ورئيس البرلمان الذي تم تعليقه، راشد الغنوشي، منعطفاً بارزاً في الصراع السياسي في البلاد. ويقول الشعيبي: “منذ 17 إبريل/نيسان (الماضي) والشيخ راشد الغنوشي محتجز في ظروف اعتقال غير إنسانية، وينكل به جسدياً ونفسياً، حتى أن عائلته لم تتمكن من زيارته والاطمئنان عليه منذ أكثر من 6 أشهر”.

ويضيف: “هذا القتل البطيء والممنهج الذي يتعرض له الشيخ راشد الغنوشي في زنزانة ضيقة وعفنة، ليس له ما يبرره غير الرغبة في التشفي والقضاء على كل معارض لهذه السلطة”.

ويعتبر أن استمرار اعتقال الغنوشي “يعكس إمعان السلطة في المضي في المشروع الأحادي في طيّ صفحة الديمقراطية، وعدم استعدادها للقبول بأي صوت معارض لها”.

ويضيف: “البلاد تعيش أزمة وتسير في طريق مسدود بسبب الانحراف السياسي الخطير الذي فرضته السلطة على المسار الديمقراطي. هذا الانحراف لم يتوقف عند المجال السياسي، بل أظهر أيضاً عجزاً كبيراً في معالجة التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها البلاد. وما التوسع في استهداف قطاعات عديدة من المجتمع التونسي إلا دلالة واضحة على إفلاس هذه السلطة وانحسار شعبيتها”.

ويتابع: “لذلك لا مخرج للبلاد إلا باستئناف المسار الديمقراطي، وإعادة تركيز المؤسسات الدستورية الشرعية، وبالتوازي مع ذلك حكومة إنقاذ اقتصادي تتخذ الإجراءات العاجلة الكفيلة بتجنب سيناريوهات الإفلاس والانهيار التي بتنا قاب قوسين من الوقوع فيها”.

ضرب كل محاولات تجميع المعارضة في تونس

من جهته، يقول المتحدث الرسمي باسم “الحزب الجمهوري”، أسامة الصغير، إن “2023 كانت سنة تصفية الخصوم السياسيين، واعتماد الأجهزة الصلبة، للتمكن من الدولة، ووضع كل من خالف السلطة التنفيذية في السجون. وكانت سنة قمع الحريات وتقويض الدولة لصالح السلطة التنفيذية”.

ويضيف أن “العنوان الثاني لهذه السنة أنها كانت سنة الأزمة المالية والاقتصادية، وسنة غلاء الأسعار وفقدان المواد الأساسية وطوابير المواطنين على المواد المعيشية”.

ويؤكد الصغيّر أن “اعتقال عصام الشابي مثّل نقطة استغراب كبرى، عند مساندي قيس سعيّد ومعارضيه على حد سواء، لاقتناعهم بأنه شخص شريف ونقي التاريخ وأن اعتقاله مظلمة. وبعد 10 أشهر من اعتقال الشابي بدون تحقيق أو توجيه تهم، لا يُفهم الاعتقال إلا بأنه تصفية سياسية للخصوم”.

ويشير إلى أن “ذنب عصام الشابي هو ممارسته قناعاته في كل المحطات السياسية في مختلف مراحل نضاله، وسعيه لتوحيد المعارضة المدنية السلمية في سياق التعدد الذي جاءت به الثورة، وهو يدفع ثمن نضاله وصدحه بالحقيقة”. ويشدد على أن “توحيد المعارضة، ومعارضته لقيس سعيّد، هي التهم الرئيسية لتوقيف الشابي، وأما التهم الواردة في القضية فهي واهية” حسب تعبيره.

تراجع مكاسب الثورة وضرب حق الاختلاف

القيادي في حزب “ائتلاف الكرامة” زياد الهاشمي يقول، إنه “جرى العرف بعد الثورة على إبعاد ساحات القضاء عن الصراعات السياسية، وحتى الإعلامية. لذلك كانت إثارة القضايا بين السياسيين نادرة جداً، وضد الإعلاميين والمدونين أكثر ندرة، تكريساً لما قامت عليه الثورة من قيم ومبادئ”.

ويضيف: “يعتبر الجميع المرحلة انتقالاً ديمقراطياً وتمريناً على حرية التعبير بعد عقود من الجفاف والتصحر على جميع المستويات في البلاد، السياسية والإعلامية”.

ويلفت إلى أنه “كانت هناك أحياناً مبالغات في حرية التعبير، خصوصاً لدى من كان جالساً على مقعد المعارضة. ولكن بعد انقلاب 25 يوليو/تموز 2021، أُسدل الستار تدريجياً عن مرحلة كانت تعتبر الأكثر حرية منذ الاستقلال بلا مبالغة”.

وعن سنة 2023، يعتبر الهاشمي أنها “أحلك الفترات التي عاشتها الحريات في البلاد، بإطلاق المحاكمات العسكرية للمعارضين للانقلاب منذ ساعاته الأولى، حينما تم فتح المحكمة العسكرية في ساعة متأخرة من ليلة 26 يوليو، وانطلاق الأبحاث في شكوى من نقابات أمنية مساندة لـ25 يوليو ضد نواب معارضين له، أساساً من كتلة ائتلاف الكرامة”.

ويعتبر أن “التضامن السياسي كان ضعيفاً جداً مع نواب ائتلاف الكرامة، في اعتقاد غبي من الطبقة السياسية والحقوقية وقتها بأن موجة القضايا والاعتقالات ستقف عند حزب ائتلاف الكرامة، ولغباء من لم يتعظوا من التجارب السابقة في دول عربية مشابهة لتونس كمصر مثلاً”.

ويشدد على أن “آلة القمع طاولت في العام 2023 المعارضين لسعيّد، وبلغت من كانوا الركيزة الأساسية في تجييش الشارع ضد البرلمان، كعبير موسي وقيادات التيار الديمقراطي”.

ويتابع: “كانت المحصلة خمسة رؤساء لأهم أحزاب وازنة في البلاد في السجون، وملاحقة رؤساء حكومات ووزراء وقيادات صف أول من جميع الحساسيات السياسية والإيديولوجية بدون استثناء”، لافتاً إلى أن سعيّد “ألغى العرف بين السياسيين الذي يقصي القوة الصلبة من فضّ النزاعات السياسية ليحوّلها ويجعلها هي الأساس في الصراع… بل وأقحم المؤسسات التي كانت حيادية، العسكرية والقضائية والأمنية، مهدداً كل من لا يتحيز لوجهة نظره بقوله الشهير: من يبرئهم فهو شريك لهم”.

ويخلص إلى القول: “نحن في منعرج خطير جداً في تاريخ تونس، عندما يفقد عقل الدولة وقوتها الحياد فهذا يعني أننا فقدنا الأمل في الحوار، لأنه من الغباء محاورة سلطة تعتمد العنف المعنوي والمادي وسلب الحرية، وأحيانا الكرامة ضد من يخالفها الرأي”.

ويضيف: “سعيّد بدأ في تجريف الساحة من كل مترشح أو مكون سياسي أو مجتمعي قد يعطل سيطرته على البلاد، وخصوصاً عندما قال في 6 إبريل (الماضي) عند زيارة قبر الحبيب بورقيبة أنه لن يسلّم السلطة للخونة… وهذا أيضاً دليل إضافي على استبداد ونيّة السلطة التنفيذية في إلغاء أي فرصة للانتقال السلمي الديمقراطي، وبالتالي لن يتراجع في مساره، وكما قالها لا رجوع للوراء”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here