أعربت 17 منظمة حقوقية تونسية عن قلقها إزاء التحريض والاعتداءات على الصحافيين والإعلاميين في البلاد، خاصّة منذ الإعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية والرئاسية، مشيرة إلى أنّ ما يحصل لا يخدم إلا “مصالح اللوبيات والأحزاب السياسية”.
وفي بيان مشترك شددّت على ضرورة التزام الإعلام بأخلاقيّات المهنة الصحافية والتعامل بإيجابية مع قرارات الهياكل التعديلية، لافتة إلى أن التحريض والاعتداء على صحافيين أو مُعلقين على الأخبار – “مهما كان زيغهم عن أخلاقيات المهنة الصحافية أو انخراطهم في حملات تضليل وتشويه لمرشحين في الانتخابات” – يعدّان انتهاكاً صارخاً للحق في حرية التعبير وتهديدا لسلامة العاملين في قطاع الإعلام.
وبينت أن السلوك لا يخدم “سوى مصالح اللوبيات والأحزاب السياسيّة التي عرقلت منذ 2011 كل الجهود الجادّة لإصلاح مختلف القطاعات وحمايتها من استشراء الفساد، بما في ذلك قطاع الإعلام، وعطّلت كذلك مدّة سنوات تأسيس المحكمة الدستورية”.
كما استغربت ما ورد أخيراً على لسان رئيس مجلس شورى “حركة النهضة” عبد الكريم الهاروني، في حديث لإذاعة “الديوان”، من “كلام فضفاض وخطير حول ضرورة الإسراع بتحويل الإعلام إلى أداة من أدوات الثورة” واستبدال “هيئة مراقبة الاتصال السمعي البصري” (الهايكا) بـ”هيئة مُنسجمة مع المرحلة القادمة” و”الإرادة الشعبية”، وهو ما “يُذكّر بشعارات وممارسات الأنظمة السياسيّة الأكثر استبداداً وانتهاكاً لحرية التعبير والصّحافة في العالم”.
وقالت هذه المنظمات، بينها النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين و”الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان”، إن موجة التحريض والاعتداءات الأخيرة تعيد إلى الأذهان ما حدث من 2012، بعد أسابيع قليلة من تشكيل حكومة “الترويكا” بقيادة “حركة النهضة”، إلى الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية والتشريعية الأخيرة.
وعددت المنظمات الاعتداءات على حرية الصحافة، ومنها تنظيم حملات تحريض واعتداءات على الصحافيين، ومُحاولات للهيمنة على الإعلام الرسمي، وخاصّة مؤسسة التلفزة التونسية، وتهديد رئيس “حركة النهضة” راشد الغنوشي ببيع مؤسّسات إعلامية رسمية للقطاع الخاص، وذلك في حديث أدلى به في 2012 لصحيفتين خليجيتين، وإعلاء مقاييس الولاء والطاعة فوق معايير الخبرة والاستقلال في الرأي في تعيينات على رأس مؤسّسات إعلامية رسمية، أو مؤسسات صودرت مثل “دار الصّباح” وإذاعة “الزيتونة”.
ومن ضمن الاعتداءات أيضاً تجاهل توصيات “الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتّصال”، وعرقلة تطبيق المرسومين 115 و116 الصادرين في 2011 والمُتعلقين بحرية الصحافة المكتوبة والإلكترونية والإعلام السمعي والبصري، لتمهيد السبيل لإنشاء قنوات إذاعية وتلفزيونية حزبية، من بينها قناة “الزيتونة” الموالية لـ”حركة النهضة”، خارج نطاق القانون، إضافة إلى وقوف حكومات وأحزاب مُؤثرة في المجلس التأسيسي، ثم في مجلس نواب الشعب، موقف المُتفرج أو الداعم لقنوات إذاعية وتلفزيونية خاصة مُتمردة على القانون وضاربة عرض الحائط بتوصيات وقرارات “الهايكا”.
كما تطرق البيان إلى تكاثر ضغوط رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية على مؤسّسات إعلامية رسمية، خاصّة مؤسّسة التلفزة التونسيّة و”وكالة تونس إفريقيا للأنباء”، للتأثير في خطها التحريري، وإعلاء مصلحة بعض القنوات الإذاعية والتلفزيونية الخاصّة فوق مصلحة الإعلام الرسمي، وعزل الرئيس المدير العام لمؤسّسة التلفزة التونسية (مؤسسة رسمية) في 2015 بسبب دفاعه عن استقلاليّة خطّها التحريري.
ودعت المنظمات الحقوقية مكونات المجتمع المدني لمزيد من اليقظة والعمل المشترك من أجل حماية ما تحقق من مكاسب في مجال حرية التعبير والإعلام والحريّات الأكاديمية من أطراف وأحزاب عرقلت سابقاً كلّ المحاولات الجديّة لإصلاح الإعلام.
يُذكر أنّ الرئيس التونسي المنتخب قيس سعيّد تعهد، أمس الإثنين، في تصريح صحافي، بحماية حرية الصحافة التي اعتبرها أكبر مكسب للثورة التونسية، داعياً كل الأطراف إلى ترك الإعلاميين يعملون من دون ضغوطات.