أفريقيا برس – الجزائر. كشفت مراجعة أجراها “مجلس المحاسبة”، حول الديوان الوطني للمطبوعات المدرسية التابع لوزارة التربية، عن تحسّن في إنتاج وتسويق الكتاب المدرسي خلال الأربع السنوات الأخيرة، غير أن الجوانب المتعلقة بتكلفة المناهج الدراسية ونظام مجانية الكتاب المدرسي لم تسجل تحسنا ملحوظا، جراء توسيع العملية لأشخاص لا يستحقون الاستفادة من “المجانية”، الأمر الذي خلّف خسائر بـ580 مليار سنتيم وتسبّب في تراكم ديون الوصاية خلال الفترة من 2014 وإلى 2019، لتصل 100 مليار سنتيم.
وأظهرت عملية التدقيق التي أنجزها “مجلس المحاسبة”، لتقييم تسيير المؤسسة للفترة من 2014 وإلى غاية 2019 عموما وتقييم قطاع الكتاب المدرسي بشكل خاص، من حيث ترشيد نفقات خفض تكلفة الكتاب المدرسي، عن بقاء الجوانب المتعلقة بتكلفة الكتاب المدرسي على حالها دون تغيير، في حين لم يتم تسجيل تحسّن ملحوظ أيضا في الآليات المرتبطة بالمراقبة والإشراف من طرف الوصاية على شروط ممارسة الديوان لمهمته، المتعلقة بالخدمة العمومية وتسيير موارده البشرية ونظام مجانية الكتاب المدرسي.
مليار دينار ديون سابقة للوزارة بسبب توسيع مجانية الكتب
واستناد إلى ما سبق، فقد لاحظ مجلس المحاسبة، أن معايير تخصيص مساهمة الدولة الموجهة لتسديد المصاريف المتعلقة بمجانية الكتب المدرسية لصالح التلاميذ المعوزين، المقدّرة بـ6.5 مليار دينار سنويا، لم يتم مراعاتها بدقة من قبل المصالح المختصة، حيث تستفيد منه فئات أخرى من التلاميذ الذين لا يستجيب أولياؤهم للشروط المحدّدة بأحكام المرسوم الرئاسي رقم 02-286 المؤرخ في 07 سبتمبر 2022، والذي استحدث منحة مدرسية خاصة لصالح الأطفال المتمدرسين المحرومين، وكذا المرسوم التنفيذي رقم 21-61، المؤرخ في 15 فيفري 2021، والمتضمن استحداث منحة مدرسية خاصة وتحديد شروط وكيفيات منحها.
ولفت المجلس إلى أن توسيع الاستفادة من “نظام المجانية” دون أساس قانوني، قد شمل دون تمييز جميع التلاميذ في الأقسام التحضيرية والسنة الأولى من التعليم الابتدائي، وأبناء مستخدمي القطاع التربية الوطنية، وكذلك التلاميذ ذوي الاحتياجات الخاصة.
ونتيجة ذلك، أكد المجلس نفسه على أنه وبالمحصلة، يستفيد أكثر من 40 بالمائة من التلاميذ من مجانية الكتاب المدرسي، وخلال الفترة 2014/2019، بلغ الأثر المالي على عاتق الخزينة العمومية نتيجة توسيع الاستفادة من مجانية الكتب المدرسية 5.8 مليار دينار، بالإضافة إلى دين سجل على عاتق الوزارة بما يقارب 1.10 مليار دينار.
“المناولة” تهيمن على إنتاج الكتب المدرسية
وكشفت معاينة المجلس، بأن غياب خطة متجانسة لتنمية الاستثمارات المنتجة من طرف الديوان الوطني للمطبوعات المدرسية، قد فتح المجال لمقدمي خدمات الطباعة لاحتكار شبه كلي لإنتاج الكتب المدرسية، وذلك خلال الفترة من 2014 وإلى 2019.
وإضافة إلى ذلك، فقد أظهرت التحقيقات تطورا شبه مستقر في حصة مقدم “الخدمات الخارجيين”، في إنتاج الكتب المدرسية خلال السنوات الأربع الأولى أي من 2014 وإلى غاية 2017، في حين يعود سبب الانخفاض في هذه المساهمة سنة 2019 إلى تشغيل آلة السحب “أوفست” المقتناة حديثا.
ترشيد النفقات كفيل باقتصاد مليار دينار سنويا
وفي هذا الصدد، شدّد المجلس على أن التسيير العقلاني والمطابق للإطار التنظيمي ساري المفعول لاعتمادات الباب الخاص بمجانية الكتاب المدرسي، كفيل باقتصاد مبلغ سنوي يزيد عن مليار دينار للخزينة العمومية.
وبخصوص عملية تقييم تسيير الديوان انطلاقا من سنة 2020، أفاد المجلس بأن المعاينة قد وقفت على مدى التزام الديوان الوطني للمطبوعات المدرسية، بتنفيذ توصياته، والتي أبانت عن تحسّن في تسيير أنشطة إنتاج وتسويق الكتاب المدرسي، ما أدى بشكل إلى تحكم أفضل في برمجة الإنتاج ودعم قدرات سلسلة الإنتاج، والشروع في تنفيذ إجراءات حساب التكلفة، وكذا توسيع شبكة توزيع الكتاب المدرسي.
صعوبات تواجه تسويق الكتب المدرسية
وفي مجال توسيع شبكة الكتب المدرسية، وقف المجلس على مواجهة الديوان لصعوبات حقيقية في إيصال الكتاب المدرسي، الذي يتم تسويق الجزء الأكبر منه في المؤسسات التربوية التي تعتبر المكان الطبيعي والأنسب بيداغوجيا الموصى به للتلاميذ وأولياء أمورهم، إذ سجل تراجع الأعوان المكلفين بالتوزيع، ولاسيما المقتصدين، عن القيام بالعملية، وذلك تحت ذريعة أنها لا تدخل في نطاق صلاحياتهم.
وفي نفس السياق، يضيف المجلس بأن الوزارة الوصية قد خصصت سنة 2021 منحة لفائدة المستخدمين المكلفين بالبيع “المقتصدين”، تعادل 5 بالمائة من المبيعات المحققة، وقد تم رفع هذه المنحة إلى 6 بالمائة خلال سنة 2022، وذلك بغرض تحفيزهم على التكفل بمهمة التسويق.
كما تم الوقوف أيضا على القيام بإجراءات أخرى لتوسيع شبكة التوزيع، من خلال فتح نقاط البيع داخل مراكز التوزيع بالولايات، وتنظيم المعارض واعتماد أكثر من 1400 مكتبة على مستوى التراب الوطني بخصم 8 بالمائة من سعر البيع.
وبطبيعة الحال، كشف التقرير بأن هذا الجهد لإتاحة الكتاب المدرسي يثقل كاهل نفقات الديوان، إذ بلغ مقدار العلاوات الممنوحة للمؤسسات التربوية عن عملية تسويق الكتاب المدرسي في سنة 2021 ما يقارب 69 مليون دينار، بينما تجاوزت الخصومات الممنوحة لصالح المكتبات 201 مليون دينار.
المعدات الجديدة سترفع حجم الطبع إلى 30 مليون كتاب
وأظهرت تحقيقات “مجلس المحاسبة”، أن دخول المعدات الجديدة حيز التشغيل، خلال السنة الدراسية 2022/2023، قد سمح بزيادة إنتاج الديوان والرفع من مساهمته في إجمالي إنتاج الكتاب المدرسي لنفس السنة من 21 إلى 28 بالمائة.
وإلى ذلك، لفت المجلس إلى أن دمج المعدات الجديدة في خط الإنتاج سيمكّن من زيادة حجم الطبع من 20 مليون كتاب إلى ما يقارب الـ30 مليون كتاب، وهو ما من شأنه أن يساهم، بشكل أكيد، في تحسين مؤشرات أداء الإنتاج والتخفيض التدريجي وعلى المدى الطويل، لتكلفة طبع الكتاب المدرسي من قبل الديوان، الذي لا يزال حاليا يعتمد إلى حد كبير على المناولة.
كما أشار المجلس، إلى أنه في ماي 2020، أبرم الديوان صفقة بقيمة 5.9 مليون أورو لاقتناء آلة طبع دوارة من 32 صفحة من مورد أجنبي، تتكون من أربع وحدات طبع وشريط على الوجهين مع مجفف، إذ تم استلام هذا التجهيز في شهر نوفمبر عوض شهر أفريل 2021، بسبب تداعيات جائحة “كورونا”، ثم تم تركيب هذه المعدات في مارس 2022، لتدخل حيز الخدمة شهرا بعد ذلك.
هيكل للمحاسبة لمتابعة إنتاج الكتب المدرسية
وحث المجلس الوزارة على ضرورة تعزيز نظام الإشراف والمراقبة على نشاطات الديوان، من خلال إلزامية وضع دفاتر شروط سنوية تشمل على بنود تحدّد على وجه الخصوص، قائمة الأنشطة والخدمات التي تشكّل جزءا من تبعات الخدمة العمومية التي تضمنها المؤسسة، وذلك لأجل تحقيق تسيير سلس لوسائل الإنتاج والوسائل البشرية، وكذا التحكّم في سعر الكتاب المدرسي والحد من توسيع الاستفادة من مجانية الكتاب المدرسي.
ودعا مجلس المحاسبة السلطة الوصية لإنشاء هيكل للمحاسبة التحليلية، في أقرب الآجال، للتمكّن من متابعة وتحديد تكاليف إنتاج الكتب المدرسية، وفق طريقة تتلاءم مع طبيعة أنشطة الديوان، إلى جانب مراجعة تنظيم المؤسسة للتكيّف مع متطلبات تسيير حديث اقتصادي وفعال لوسائلها.
وإضافة إلى ذلك، طالب المجلس بأهمية اعتماد “نظام أجور” قائم على الكفاءة والأداء والمردودية، علاوة على ضبط عدد المستخدمين وبالتالي، كتلة الأجور حسب الاحتياجات التقنية الموضوعية لنظام إنتاج وتوزيع الكتاب المدرسي، وكذا حصر الاستفادة من الكتب المدرسية المجانية للأطفال المحرومين فعليا من أجل خفض مساهمة الدولة.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس