أفريقيا برس – الجزائر. اختتمت بالجزائر، السبت، القمة السابعة لمنتدى الدول المصدرة للغاز، بمصادقة جميع الأعضاء على وثيقة “إعلان الجزائر” التي شددت على “رفض أي عقوبات أحادية الجانب ضد أي من الأعضاء، وتسقيف الأسعار لأسباب سياسية”.
وتلا الإعلان في اختتام أعمال القمة التي انطلقت في وقت سابق بالجزائر وزير الطاقة والمناجم الجزائري محمد عرقاب.
وعبر الإعلان عن إدانة المنتدى “لجميع القيود الاقتصادية أحادية الجانب المتخذة دون الموافقة المسبقة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة و لأي تطبيق للقوانين و التنظيمات الوطنية خارج الحدود ضد الدول الأعضاء في منتدى الدول المصدرة للغاز والتي تؤثر سلبا على تطوير الغاز الطبيعي و تجارته و تشكل تهديدا على أمن الإمدادات بالغاز الطبيعي”.
ورفض “أي استخدام للتغير المناخي كمبرر لإنفاذ إجراءات تعيق الاستثمارات في مشاريع الغاز الطبيعي، ولاستحداث أي وسائل للتمييز الاعتباطي أو أية قيود مقنّعة تخالف بشكل مباشر قواعد التجارة الدولية”.
كما رفض المنتجون، وفق الإعلان “تسقيف أسعار الغاز لدوافع سياسية”، في إشارة لإجراءات الاتحاد الأوربي عقب الحرب الروسية الأوكرانية.
وقال الإعلان في هذا الصدد: “نرفض أي تدخلات مصطنعة في أسواق الغاز الطبيعي، بما فيها محاولات التأثير على آليات وضع الأسعار ووظائف إدارة المخاطر في الأسواق، إلى جانب تسقيف الأسعار بدوافع سياسية”.
وعبر عن رفضه أيضا “للتطبيق أحادي الجانب للإجراءات والتدابير الجبائية غير المسبوقة والمبررة تحت طائلة ضمان أمن الإمدادات بالطاقة بالنسبة للبعض، على حساب قواعد أسواق الغاز الطبيعي، مما قد يهدد باستفحال اختلال التوازنات على حساب الشعوب التي تعيش أوضاعا هشة.
وأكد الإعلان على الحقوق السيادية المطلقة والدائمة للدول الأعضاء على مواردها من الغاز الطبيعي، والتزام الأعضاء بأهداف المنتدى وعزمهم على تعزيز دور التكتل الطاقوي بالتركيز على مساهمته في أمن وعدالة واستدامة الطاقة في العالم.
وعبر عن دعم المنتدى لحوار قوي وهادف بين المنتجين والمستهلكين وكذا الأطراف المعنية الأخرى ذات الصلة قصد ضمان تأمين كل من العرض والطلب، وتعزيز استقرار السوق والدفاع من أجل أن تكون أسواق الغاز الطبيعي منفتحة وشفافة وخالية من العوائق ودون تمييز.
وأقر الإعلان، بالدور الأساسي للغاز الطبيعي في تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، ومساهمته هذا المورد الصديق للبيئة في مواجهة التحديات التي يفرضها تغير المناخ وأهميته في تحقيق انتقالات طاقوية عادلة ومنصفة ومنتظمة وشاملة ومستدامة.
ولفت إلى أن “المخاطر والتحديات التي يواجهها سوق الغاز الطبيعي الناجمة عن الوضعية الجيوسياسية والاقتصادية، خاصة من حيث التدفقات المادية للغاز وقواعد عمل السوق والترتيبات التعاقدية وتدفق الاستثمارات المستدامة وسلامة المنشآت الحساسة للغاز الطبيعي”.
وشدد الإعلان، على “الأهمية البالغة لضمان الطلب على الغاز الطبيعي، ووضع أطر قانونية وتنظيمية شفافة وغير تمييزية، إلى جانب سياسات طاقوية وتجارية وجبائية وبيئية يمكن التنبؤ بها لدى الدول المستوردة للغاز ودول العبور”.
وفي وقت سابق السبت، انطلقت أعمال القمة السابعة لمنتدى الدول المصدرة للغاز بالجزائر بحضور رؤساء وقادة 9 دول هي إيران والعراق وقطر وموريتانيا والسنغال وتونس وليبيا وموزمبيق وبوليفيا.
والدول الأعضاء في المنتدى هي الجزائر، بوليفيا، ومصر، وغينيا الاستوائية، وإيران، وليبيا، ونيجيريا، وقطر، وروسيا، وترينيداد وتوباغو، والإمارات وفنزويلا، إضافة إلى موريتانيا والموزمبيق الذين حصلا على صفة عضو في قمة الجزائر.
كما تساهم 6 بلدان بصفة “مراقب”، وهي أنغولا، أذربيجان، العراق، ماليزيا، والبيرو، إضافة إلى السنغال التي حصلت على العضوية في قمة الجزائر أيضا.
ومنتدى الدول المصدرة للغاز، منظمة حكومية دولية، تأسس عام 2001 في العاصمة الايرانية طهران، كمنصة للتشاور غير الرسمي وتبادل وجهات النظر بين الدول المصدرة للغاز.
وجرى في 2008 التوقيع على النظام الأساسي لمنتدى الدول المصدرة للغاز في موسكو، لإضفاء الطابع الرسمي على الوضع القانوني والإطار المؤسسي للمنظمة.
وتتوفر البلدان الأعضاء في التكتل الطاقوي على 70 بالمئة من احتياطات الغاز الطبيعي المؤكدة في العالم، ونحو 40 بالمئة من الإنتاج.
الحرب الروسية على أوكرانيا
وبخصوص تداعيات التوترات الجيوسياسية الحالية على سوق الغاز، أكد الخبير الطاقوي، عبد الرحمان عيّة، أن أسعارها بلغت، بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، مستويات قياسية تاريخية خلال السداسي الأول من 2022.
وأوضح الخبير عيّة أن إمدادات الغاز الروسي نحو الاتحاد الأوربي تراجعت من 150 مليار متر مكعب في 2021 إلى 43 مليار متر مكعب سنة 2023.
وارتفع السعر في الأسواق الأوروبية، حسب إحصاءات معهد الطاقة التابعة لـ”شركة بي بي”، من 3 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية سنة 2020 إلى 37.48 دولارا كمتوسط عام 2022، بالنسبة إلى مؤشر “تي تي إف” الهولندي لأسعار الغاز الأوروبية، مثلما يضيف الخبير الطاقوي.
والاتجاه نفسه عرفته الأسعار في كل من سوقي ألمانيا وبريطانيا، إذ بلغ الارتفاع 160% سنة 2022 و270% على التوالي، مقارنة بسنة 2021.
وينطبق الأمر كذلك على أسواق آسيا، إذ ارتفع السعر في سوق اليابان وكوريا الجنوبية إلى 33.98 دولارا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، بعدما كان في حدود 4.39 دولارات سنة 2020.
لكن أسعار الغاز عادت تدريجيا إلى مستواها الأول (أي قبل الحرب الروسية الأوكرانية) ابتداء من الثلاثي الرابع لسنة 2022، بعد انفتاح أوروبا على إمدادات الغاز المسال القادم خاصة من الولايات المتحدة، كما أوضح الخبير عبد الرحمان عيّة.
زيادة مداخيل الدول العربية المصدرة للغاز
وإثر ذلك، استفادت الدول العربية المصدرة للغاز الطبيعي من الارتفاع الكبير لأسعاره في الأسواق العالمية سنة 2022، فقد ارتفعت مداخيلها بشكل لافت، وفق المؤشرات التي قدمها الخبير عيّة.
وانتقلت، على سبيل المثال، حصيلة صادرات الغاز الطبيعي في قطر من 129.3 مليار دولار، حسب إحصاءات “أوبك” سنة 2021، إلى 164 مليار دولار سنة 2022، بينما قفزت ذات الحصيلة بالنسبة للجزائر، حسب البنك المركزي، من حوالي 7 مليارات دولار سنة 2020 إلى 27 مليار دولار سنة 2022.
أما في مصر، فقد بلغت العوائد سنة 2022 نحو 8.4 مليارات دولار مقارنة بنحو 3.5 مليارات دولار خلال 2021، أي تحقيق مداخيل إضافية بـ5 مليارات دولار.
وبشأن هجمات البحر الأحمر والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.، يعتقد الخبير الجزائري أن أسعار الغاز لم تتأثر بهما لحد هذه اللحظة، لأسباب سياسية، إذ إن ناقلات الغاز المسال لا تشكّل هدفا لجماعة الحوثي اليمنية، على اعتبار أن معظمها عربي أو إيراني أو قادم من روسيا أو متجه إلى الصين.
وأضاف المحلل الطاقوي سببا آخر يتعلق بتجنب الاصطدام المباشر بين الولايات المتحدة وكبار المنتجين في المنطقة، مشيرا إلى السعودية وقطر وإيران.
لا بديل عن الطاقات الأحفورية
ومن جهة أخرى، قال الخبير الدولي في الانتقال الطاقوي، عمر هارون، إن العالم كان يخطط للتخلي عن الطاقات الأحفورية في آفاق 2050، قبل أن تخلط الأزمة الروسية الأوكرانية كل الأوراق، مما جعل احتياطات الغاز الأوروبية تتراجع في شتاء 2023 لأقل من 60%.
واعتبر المحلل هارون أن هذا المورد الطبيعي يبقى الطاقة الأكثر طلبا والأقل تلويثا والأقدر مستقبلا على ضمان ديمومة تموين المصانع الكبرى بالطاقة اللازمة للإنتاج.
وكشف المتحدث أن أعضاء “قمة الجزائر” يسيطرون على 47% من الصادرات العالمية عبر الأنابيب و40 من الغاز المسوق، كما أنهم يملكون نحو 70% من احتياطات العالم الغازية.
ونبّه الخبير عمر هارون إلى أن حماية إمدادات الطاقة تطغى اليوم على النقاشات العالمية، موضحا أن عديدا من الدول غير قادرة على تأمين عمليات الاستخراج والنقل، نظرا للتطورات الأمنية المحيطة بها، على غرار العراق وليبيا والموزنبيق.
وأردف المحلل الطاقوي أن البحر الأحمر لم يعد ممرا آمنا للشحنات البحرية بفعل الحرب على غزة ودخول اليمن على خط المعركة.
وأشار عمر هارون إلى أن تراجع قوى كبرى عن الاستثمار في الغاز الأفريقي بمناطق مستقرّة سياسيا وأمنيا، مثل الجزائر، مقابل التوجه للتنقيب في بؤر متنازع عليها، قد يعقد الخريطة الطاقوية العالمية مستقبلا، خاصة بالنسبة للقارة الأوروبية، على حد تعبيره.
ارتفاع الطلب العالمي على الغاز
ويرى المحلل عمر هارون أنّ قرار الرئيس الأميركي جو بايدن بوقف الصادرات الجديدة للغاز الطبيعي، لأجل غير مسمى، يضر بالاقتصاد الأوروبي المتعطش للطاقة، و”لن يجد بديلا عن الغاز لسدها، حتى وإن تطلب الأمر تخفيض البصمة الكربونية، وهو ما تعمل عليه جل الدول المصدرة للغاز”.
وفي السياق، توقع تقرير مستقبل الغاز في عام 2050 الصادر عن منتدى البلدان المصدرة للغاز، المعروض على هامش القمة السابعة بالجزائر، ارتفاع الطلب العالمي على الغاز، مقدرا انتقال مساهمته في المزيج الطاقوي العالمي من 23% حاليا إلى 26% بحلول 2050.
وبالمناسبة، قال الأمين العام للمنتدى، محمد حامل، إن “العصر الذهبي للغاز الطبيعي أمامنا وليس وراءنا”، مؤكدا أن التطور المرتقب سترافقه استثمارات عالمية في صناعة الغاز بقيمة 9 تريليونات دولار.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس