أفريقيا برس – الجزائر. أفرزت الانتخابات الرئاسية الجزائرية واقعا مفاجئا، بعدما طعن فيها الفائز والخاسر معا، وهو ما يحول الاستحقاق من فرصة لإيجاد الحلول للمشاكل والأزمات القائمة، إلى فصل جديد من أزمة سياسية مستشرية، فتحت معها جدلا سياسيا وإعلاميا حول جدوى الإصلاحات والخيارات التي انتهجتها السلطة خلال الخمس سنوات الأخيرة، في ظل العقاب الصامت الذي مارسه الجزائريون على النخب السياسية والرسمية.
انضمت مديرية الحملة الانتخابية للمرشح الفائز عبدالمجيد تبون، إلى لائحة الطاعنين في النتائج والبيانات المعلنة من طرف السلطة المستقلة للانتخابات، الأمر الذي يضع مصداقية الاستحقاق برمته على المحك، لاسيما في ظل الغموض والتضارب الذي أغاظ المرشحين الخاسرين، وعكر نشوة النصر على المرشح الفائز.
ووجدت السلطة المستقلة للانتخابات نفسها في زاوية ضيقة، بعدما انخرط المرشح الفائز في مسعى التنديد وانتقاد عمل وأداء الهيئة، رغم تحقيقه لفوز ساحق قدر بأكثر من 94 بالمائة من مجموع المصوتين، حيث بدا الرئيس الجديد – القديم غير راض على النتائج التي تبعث عن الشكوك في نظر الرأي العام الداخلي والخارجي، خاصة وأنها تعزز تُهم التضخيم والتزوير والحسم المُبكر.
وتحدث البيان الذي إطلعت عليه “أفريقيا برس”، وحمل توقيع مديري الحملات الانتخابية للمرشحين الثلاثة، عن “ضبابية وتناقض الأرقام المعلنة لنسب المشاركة، وتناقض الأرقام المعلنة من طرف السلطة المستقلة للانتخابات مع مضمون محاضر فرز وتركيز الأصوات المسلمة من طرف اللجان الانتخابية البلدية والولائية”.
وأضاف “غموض بيان إعلان النتائج المؤقتة للانتخابات الرئاسية، والذي غابت فيه جل المعطيات الأساسية التي يتناولها بيان إعلان النتائج كما جرت عليه العادة في كل الاستحقاقات الوطنية المهمة، فضلا عن الخلل المسجل في إعلان نسب كل مترشح”.
وأفاد البيان الذي وقعه كل من جمال بالول، ممثل مرشح جبهة القوى الاشتراكية، يوسف أوشيش، وإبراهيم مراد، ممثل المرشح الفائز عبدالمجيد تبون، وأحمد صادوق، مرشح حركة مجتمع السلم عبدالعالي حساني شريف؛ بأنهم يبلغون الرأي العام، ما أسموه، بـ”ضبابية وتناقض وغموض وتضارب الأرقام المقدمة من طرف السلطة المستقلة للانتخابات”.
الخاسر والفائز يطعنان في نتائج الانتخابات
وشكلت نسبة المشاركة المعلن عنها من طرف رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات محمد شرفي، في ساعة متأخرة من ليل الاقتراع، والوعاء الانتخابي المعبر عنه في صبيحة اليوم الموالي، تناقضا لافتا، رغم دخول مفردة “معدل نسبة المشاركة” على خط التداول، إلا أن ذلك وصف بـ”التلاعب” من طرف المحامي ورجل القانون عبد الله هبول، كون المصطلح “غير وارد في القانون ولا متداول في لغة الانتخابات الجزائرية”.
وأعلن شرفي، عن نسبة مشاركة فاقت الـ 48 بالمائة، لكن بالمقابل كشف على أن تعداد المصوتين قدر بحوالي خمسة ملايين و600 ألف صوت، وهو ما يجعل النسبة المذكورة تنحدر الى نحو 22 بالمائة، على اعتبار عدد الناخبين المقيدين في اللوائح يفوق 24 مليون مسجل، وهي أقل بكثير من تلك المسجلة في انتخابات العام 2019 (أكثر من 39 بالمائة).
وتفادى الرجل في إعلانه المقتضب التطرق إلى نسبة المشاركة، والأوراق الملغاة والأوراق البيضاء التي قدرت في بعض الاستحقاقات بمليون ورقة، واكتفى بسرد عدد الأصوات التي حصل عليها كل مرشح، والنسب المحصل عليها، الأمر الذي أثار الغموض والشكوك التي تسلسلت إلى مديريات الحملة الانتخابية للمرشحين الثلاثة.

ووصف أحمد صادوق، مدير حملة المرشح حساني عبدالعالي، النتائج المعلن عنها بـ”المهزلة”، وبـ”الفشل في تنظيم الانتخابات”، وأكد على أن المحاضر الواردة من 31 ولاية من مجموع 58 ولاية تشكل تراب الجمهورية، حصل مرشحهم على 371 ألف صوت، بينما لم تعلن الهيئة إلا على 178 ألف صوت.
أما جمال بالول، مدير حملة مرشح جبهة القوى الاشتراكية يوسف أوشيش، فقد أكد على أن “الأصوات سرقت من مرشحهم، وأن المحاضر التي بحوزتهم تشير إلى ضياع نحو 200 ألف صوت، في حين لم تعلن الهيئة إلا على 122 ألف صوت حاز عليها يوسف أوشيش”.
وعلق الخبير السياسي وأستاذ علم الاجتماع السياسي السابق ناصر جابي، على أزمة نتائج الانتخابات الرئاسية الجزائرية، في منشور له على صفحته الرسمية في الفيسبوك، بالقول “يصعب بناء مؤسسات ذات مصداقية مثل الهيئة الوطنية المستقلة للانتخابات، في نظام سياسي مغلق وغير شفاف، تعيش نخبه تدهورا كبيرا على المستوى الأخلاقي”.
سلطة الانتخابات في زاوية ضيقة
وأضاف جابي “الجزائر لا تملك نخبة جامعية وإعلامية يمكن أن تقوم بدورها لصالح حريات المواطنين والمواطنات، تساعدهم على توضيح الرؤية في أوقات صعبة، مثل التي عشناها هذه الأيام الأخيرة بمناسبة الإعلان عن نتائج الانتخابات التي عرفت حالة اضطراب قصوى، كما بينته عملية تنظيم الندوات والإعلان عن النتائج وطريقة حساباتها الغريبة، استمع فيها المواطن إلى أمور أغرب من الخيال جاءت على لسان رئيس الهيئة محمد شرفي”.
وتابع “شروط انتخابات رئاسية تنافسية في حدها الأدنى غير متوفرة في الحالة الجزائرية التي لازال فيها منصب رئيس الجمهورية بعيدا عن دخول سوق المنافسة السياسية الفعلية. وهو ما عبر عنه المواطن بهذا الشكل شبه الجماعي، وهو يقاطع هذه الانتخابات الرئاسية. موقف شعبي سفّه فيه المواطن الجزائري والأحزاب والنخب الرسمية التي اختارت سياسية التزلف والدفاع عن مصالحها الشخصية، كما يظهرها الإعلام بمختلف أشكاله وهو يتحول إلى خطر فعلي على الجزائر والجزائريين”.
من جهة أخرى بدا الحرج على الأذرع السياسية والإعلامية التي دعمت المرشح الفائز، خاصة بعد انضمامه إلى لائحة المنددين بممارسات الهيئة المستقلة للانتخابات، وظهر ذلك في ردود الفعل المحتشمة التي سجلت في أعقاب الكشف عن فوز مرشحهم بنسبة فاقت الـ 94 بالمائة من مجموعة المصوتين.

وصرح الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الحائز على أغلبية المجالس المنتخبة في البلاد عبدالكريم بن مبارك، بأن “المآخذ المسجلة على أداء الهيئة أضر بصدقية الاستحقاق الرئاسي، وأن الرئيس تبون، يؤكد على أنه لا يريد الاستحواذ على حقوق الآخرين، أو منحه فوزا مفبركا لا يعكس الالتفاف الشعبي حول شخصيته”.
وأضاف “مهما كانت نتائج الضبط التي ستصدر عن المحكمة الدستورية، فان الاستحقاق الرئاسي، بيّن مدى شعبية الرئيس وتعلق قطاع معتبر من الجزائريين بخياراته وانجازاته المحققة خلال الولاية الأولى، ولذلك تم تجديد الثقة فيه من أجل استكمال المسار الذي بدأه في 2019، قد بدأت بواكيره تظهر في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والديبلوماسية”.
وذهب عبدالقادر بن قرينة، رئيس حركة البناء الوطني الداعمة للمرشح الفائز، الى أن “التصريح بحسم النتائج لم يكن مبني على توجيه الاقتراع أو التلاعب بالأصوات، وإنما بناء على معطيات قاعدية كسبها عبدالمجيد تبون، من خلال المكاسب والإنجازات المحققة في الخمس سنوات الأولى، وتوسع شعبيته الى مختلف الفئات الشعبية والسياسية والأهلية.
لكن متابعين للشأن الجزائري، يرون بأن خطوة المرشح الفائز للتنديد بعمل السلطة المستقلة، هو مسعى للافلات من عواقب ستنجم عن بيانات الهيئة الغامضة والمتناقضة، وأن الرجل لا يريد بدء ولايته بعائق مفاجئ للبرنامج الذي وعد به أنصاره ومؤيديه، خاصة وأنه يريد الارتكاز على وعائه الانتخابي لتمرير سياساته وخياراته دون حرج أمام خصومه.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس