أفريقيا برس – الجزائر. اقتربت حدة المواجهات العسكرية بين الجيش المالي والحركات المسلحة في أزواد من المسافة صفر مع الحدود الجزائرية، حيث شهدت منطقة تينزواتين المشتركة بين البلدين عمليات قصف جوي بالطائرات المسيرة أودت بحياة قادة في جبهة تحرير أزواد، الأمر الذي يغذي التوتر في المنطقة ويفتحها على سيناريوهات متعددة، خاصة في ظل رفض الجزائر امتداد الحرب الى حدودها البرية وتغلغل أكثر من طرف وقوة في اشعال وإدارة الصراع المسلح.
نفذ الجيش المالي هجوما جويا ضد الفصائل الأزوادية المسلحة، بمنطقة تينزواتين في أقصى شمال البلاد، في أول رد فعل له على اطلاق الحركات المناهضة لحكومة باماكو لجبهة تحرير أزواد، وطرحها لخيار تقرير المصير للشعب الأزوادي، بعد انصهار أربعة فصائل مسلحة، الأمر الذي يجدد قلق الجزائر من اقتراب المواجهات المسلحة من المسافة صفر، ووقوع شريطها الحدودي تحت خطر الاضطراب الأمني.
وفيما لم يصدر أي موقف أو تعليق من طرف الجزائر، عن الخطوة الجديدة المعلن عنها من طرف الفصائل الأزوادية المسلحة، فان هجوم الجيش المالي يعبر عن رسالة باماكو للقوى المسلحة الأزوادية، وتمسكها بما تصفه بـ”العمل الإرهابي وتهديد الوحدة الترابية”، واستعدادها لملاحقة هؤلاء حتى ولو كان العمل تهديدا للبلد المجاور في منطقة الشمال.
ويرى متابعون لشؤون المنطقة، بأن إطلاق جبهة تحرير أزواد، سيقلص حظوظ التسوية السياسية السلمية للوضع الأمني في مالي، وأن تداعياته ستمتد الى ربوع المنطقة التي تعيش على برميل ساخن خلال السنوات الأخيرة، على اعتبار أن المكون الأزوادي ينتشر في عموم دول المنطقة، وظهور الوازع القومي يضع عموم الجغرافيا المحلية تحت طائلة التفكيك، فضلا عن وجود أكثر من لاعب في الملف يحرك الخيوط عن بعد.
ويرى أستاذ العلوم السياسية عمر براس، بأن “تطورات الوضع في المنطقة هو تحصيل حاصل لحالة الاستقطاب التي فرضتها أطراف إقليمية ودولية بسطت نفوذها في المنطقة، خاصة بعد ظهور نخب عسكرية حاكمة في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وضعت التخلص من النفوذ الفرنسي التقليدي في طليعة أجندتها”.
وأضاف في تصريح لـ”أفريقيا برس”، بأن “الدور الروسي في المنطقة لم يعد خافيا، ودخول قوى أخرى على خط الأزمة والتمدد في عموم القارة الافريقية على غرار تركيا والامارات العربية المتحدة، الأمر الذي أجهض جهود دولية رعتها الجزائر طيلة سنوات من أجل إحلال السلام والمصالحة في دولة مالي”.
وأعلن الجيش المالي، في غضون هذا الأسبوع، أن قواته نفذت غارات جوية باستخدام طائرات مسيرة، على أهداف بمنطقة تينزاوتين على حدود الجزائر، قُتل خلالها عدد من القادة في الحركات الأزوادية المسلحة، وأنه تمكن من القضاء على العديد من المسؤولين التنفيذيين الفاعلين في الفصائل المتمردة، على غرار جغيب أغ الطاهر، البركة آغ الفقي، موسى آغ باي دكنان، بشار آغ أحمد، فهد آغ المحمود، محمد آغ الشريف، سيدي آغ باي، وجمال آغ البركة.
كما أعلنت جبهة تحرير أزواد، حديثة التأسيس في بيان لها، عن “مقتل رئيس الحركة فهد آغ المحمود، وستة من كبار قادة وأعيان قبائل الطوارق، في هجوم شنته طائرات الجيش المالي، على منطقة تين زواتين”.
وذكرت في بيان لها، بأن “الهجوم تم عبر عدة ضربات متزامنة، بطائرات بدون طيار، في بلدة تين زواتين، على بعد بضع مئات من الأمتار من الحدود الجزائرية، وأن مثل هذه العمليات لن تحيد الحركة الأزوادية عن أهدافها السياسية”.
ولفت المحلل السياسي عمر براس، في تصريحه، الى أن “الهجوم المذكور اقترب من المسافة صفر، وهو ما يجدد قلق الجزائر من اضطراب الوضع الأمني على الشريط الحدودي، ويجهض جهود التهدئة السابقة من أجل إبقاء المواجهات المسلحة بعيدا عن الشريط الحدودي، كما يكون قد تم الاتفاق عليه بين مسؤولين جزائريين ونظراء لهم من روسيا، على اعتبار أن موسكو باتت تدير دفة الوضع انطلاقا من باماكو”.
وأضاف: “وجود أكثر من فاعل في المشهد المالي، يفتح المنطقة على سيناريوهات خطيرة تضع دول المنطقة على رمال متحركة، خاصة في ظل الاستقطاب المشتد بين السلطات العسكرية الحاكمة في المنطقة، والفصائل الأزوادية المسلحة، وأن ظهور مفردة تقرير المصير في خطاب جبهة التحرير الوليدة، يقضي على حظوظ التسوية السياسية السلمية التي أقرتها وثيقة المصالحة الوطنية”.
وكانت أربع تنظيمات سياسية وعسكرية أزوادية، قد أعلنت عن إطلاق جبهة جديدة تتشكل من مختلف الفعاليات الناشطة في اطار الدفاع عن المكون الأزوادي في منطقة الساحل الصحراوي، وهو ما يمثل خطوة فارقة في تطورات الوضع المحلي، في ظل تراجع حظوظ الحلول السياسية السلمية والتوجه نحو التصعيد.
وعادة ما تتخذ الحركات الأزوادية من مدن وبلدات الشمال المالي قواعد خلفية لها، خاصة تينزواتين الواقعة على الحدود الجزائرية، مما يطرح فرضية تلقي مساعدات رسمية أو شعبية، على اعتبار المنطقة تتشكل من وعاء بشري واحد، تقسمه الحدود الجغرافية بين الجزائر ومالي وتحتفظ باسم واحد (تينزواتين).
وكانت الفصائل الأزوادية قد نفذت شهر سبتمبر الماضي، هجوما ميدانيا مضادا استهدف القوات المالية المدعومة من طرف الفيلق الافريقي (فاغنر) سابقا، وتمكنت من الحاق خسائر معتبرة بهم، مما فتح المجال أمام توجيه اتهامات للجزائر وأوكرانيا بتوجيه مساعدات عسكرية ولوجيستية للحركات الأزوادية.
وقررت كل من “الحركة الوطنية لتحرير أزواد” و”مجموعة إمغاد وحلفائها للدفاع عن النفس”، و”المجلس الأعلى لوحدة أزواد”، والحركة العربية لأزواد”، حل نفسها وإنشاء جبهة موحدة واحدة، تحت مسمى “جبهة تحرير أزواد”، التي تستهدف تحرير المنطقة، واللافت هو دخول “تقرير المصير”، كمفردة جديدة في الأدبيات السياسية للتكتل.
وتم الاتفاق على توحيد الحركات الأزوادية، خلال المؤتمر الذي انعقد خلال الفترة ما بين 26 و30 نوفمبر المنقضي، حيث أكد الناطق الرسمي للمؤتمر بلال آغ شريف أن هذا الكيان هو “الممثل الشرعي الوحيد لشعب أزواد، وهي تخوض كفاحها من أجل تقرير المصير”.
وأضاف: “قرار توحيد الحركات الأزوادية جاء استجابة لنداء زعماء القبائل والأئمة وقادة الرأي والشباب والنساء فيما يتعلق بالوحدة، إلى جانب عوامل أخرى فرضت هذا الاتفاق، ومن أبرزها سياق الساحل الصحراوي الذي يتسم بتزايد انعدام الأمن وعدم الاستقرار، وعدم التزام حكومة باماكو بالالتزامات الواردة في الاتفاقيات المختلفة التي وقعتها الأنظمة المركزية المتعاقبة منذ ضم أزواد إلى مالي، واستخدام المرتزقة الروس من جماعة فاغنر من قبل الجيش المالي”.
وأعلنت حكومة مالي منذ عدة أشهر، وقف العمل باتفاق المصالحة الوطنية الذي رعته الجزائر منذ العام 2015، رغم أنه يشكل وثيقة مرجعية دولية تعالج الأزمة السياسية والأمنية في البلاد، واعتبرت الفصائل المذكورة كيانات إرهابية تهدد الوحدة الترابية للبلاد.
ويرى مراقبون أن دخول تقرير المصير في أدبيات المكون الأزوادي، بقدر ما يشكل بؤرة توتر جديدة تفتح المنطقة على تحولات جديدة، فان تداعياته قد تمتد الى عموم دول المنطقة، بحكم التركيبة الاجتماعية والديمغرافية الموزعة داخل ترابها، خاصة في ظل ارتفاع الأصوات القومية للمكون المحلي.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس