مدرسة النهضة بالقرآن: جيل متميز من الحفاظ

5
مدرسة النهضة بالقرآن: جيل متميز من الحفاظ
مدرسة النهضة بالقرآن: جيل متميز من الحفاظ

أفريقيا برس – الجزائر. في زمن تزدحم فيه الحياة بمغريات العصر ومتغيراته السريعة، تظل مدارس تعليم القرآن الكريم منارات مضيئة ترشد الأجيال إلى درب النور والهداية، حيث تنبعث أصوات البراعم من حلقاتها بآيات عذبة، تملأ أرجاءها سكينة وخشوعا، ومع حلول شهر رمضان المبارك، تتجدد في النفوس نفحات الإيمان ويشتد تعلق القلوب بالقرآن، فتتحول المدارس القرآنية إلى قبلة يسعى الكثيرون لاستثمارها في الحفظ والمراجعة والتدبر.

من داخل مقر مدرسة النهضة بالقرآن النموذجية، بباب الزوار في العاصمة، حيث تتعالى أصوات الصغار بتلاوة عذبة تخشع لها القلوب، وقفت “الشروق” على صورة مشرقة لجيل ينشأ على حب القرآن الكريم، هناك حيث لا يقتصر التعليم على الحفظ والتجويد، بل يمتد ليكون تجربة متكاملة تمزج بين المنهجية الأصيلة للحلقات القرآنية وأساليب التعليم الحديثة.

في قاعات المدرسة، يتنافس الصغار والكبار، ومن مختلف المستويات التعليمية، في حفظ كتاب الله، بإشراف أساتذة أكفاء، تعرفنا خلال جولتنا عن قرب على مناهج المدرسة، وطريقة تدريسها، فالنهضة بالقرآن مؤسسة رائدة تسعى إلى بناء جيل قرآني متوازن، يتلقى العلم بروح الانضباط، ويتعامل مع التكنولوجيا كأداة لتعزيز تعليمه، لا كوسيلة تشتيت، من خلال برامجها المبتكرة، مثل مخيمات الحفظ المكثف، والأكاديميات الرقمية، ومسابقة “نخبة الحفاظ”.

براعم “النهضة” تتفتح على نور القرآن

في الطابق الأول من مدرسة النهضة، وتحديدا في قاعة الشيخ ابن باديس، الخاصة بتدريس أطفال المستوى الابتدائي، يسود جو من السكينة والوقار بالحلقة القرآنية، تتردد أصواتهم العذبة بآيات من الذكر الحكيم، فيما تصحح لهم معلمتهم مخارج الحروف وأحكام “الغنّة والمدود”، مشهد يعكس الشغف الكبير الذي يحمله هؤلاء البراعم نحو كتاب الله، بعد انتهاء الحلقة، كانت لنا الفرصة للحديث مطولا مع الأستاذة لبنى حول أجواء الدراسة والتعليم القرآني في المدرسة، بعد أيام من انطلاقها، التي نوهت بدورها إلى مهمة المعلم في مثل هذه الحلقات، قائلة إنه يلعب دورا مهما في ترغيب الأطفال، ليس فقط على تلقين الآيات، بل يتجاوزه إلى التحفيز والتوجيه وغرس حب القرآن في نفوسهم والتحلي بأخلاقه، مضيفة أن المعلم عليه أن يتحلى بالضمير المهني والصبر، والتفاني في العمل، لأن التعامل هنا يكون مع كتاب الله، كما أن وضع قوانين صارمة داخل الحلقة يساهم في ترسيخ الانضباط، كما يساعد بحسبها- الاحتكاك المستمر مع التلاميذ على بناء علاقة ثقة تزيد من رغبتهم في التعلم، وترى الأستاذة لبنى أن الطفل يحتاج إلى بيئة محفزة تدعمه، وأستاذ مخلص يوجهه، ومنهجية تدريس قائمة على التدرج والتشجيع المستمر، مؤكدة أن هذه العوامل مجتمعة تجعل من حفظ القرآن تجربة ممتعة وملهمة للأطفال.

في ركن آخر من المدرسة، وبينما كانت مجموعة من التلميذات يستعددن في صفوف منتظمة إلى الخروج من قاعات التحفيظ، بادرنا بالحديث مع الطفلة رودينا، ذات عشر سنوات، للاستفسار منها حول شعورها في أثناء تواجدها بحلقات القرآن، التي لم تخف سعادتها بتجربتها لأول مرة داخل مدرسة النهضة بابتسامة بريئة، كشفت لنا عن سعادتها الكبيرة خلال حفظها آيات وسور جديدة بدرجة الإتقان، وذلك بتشجيع من معلمتها ووالديها… رودينا، التي تدرس في الصف الخامس ابتدائي، بدأت رحلتها مع كتاب الله منذ فترة، وهي اليوم تحفظ أربعة أحزاب كاملة، وتسعى إلى المزيد مع إتقان أحكام التجويد.

قصص كثيرة للأطفال في مدرسة النهضة ولكل منهم حكاية مختلفة، الطفلة خديجة، ذات تسع سنوات أيضا، التحقت بالحلقة عن طريق الصدفة، لكنها اليوم واحدة من أكثر التلاميذ تفانيا، بابتسامة خجولة، روت لنا قصتها قائلة: “كنت ألعب مع أصدقائي خارج منزلنا، الذي لا يبعد الكثير عن هذا المكان، وصدفة لمحت واجهة المدرسة الجميلة، فأثارت فضولي”.. وبعد التقرب من الإدارة للاستفسار، أخبرت والدتها بعد عودتها أنها ترغب في التسجيل لمواصلة تعليمها القرآني، طموحاتها لم تقف عند هذا الحد، حيث أسرت لنا بأنها تحلم بأن تصبح طبيبة في المستقبل، وتقوم باستثمار عطلتها الأسبوعية عندما تكبر لتعليم القرآن للأطفال، كما يفعل أساتذتها معها اليوم…

التحفيظ.. بين الطريقة الأصيلة والمنهجيات الحديثة

مدرسة النهضة فضاء تربوي رسم علاقة الأطفال بالقرآن الكريم، بأساليب تجمع بين المنهجية الأصيلة للحفظ والمقاربات الحديثة والتقنيات المتطورة في التعليم، فإلى جانب الحفظ والتجويد، يتلقى الأطفال تحفيزا معنويا مستمرا من أساتذتهم، ويجدون في المدرسة بيئة تشجعهم على جعل القرآن جزءا من حياتهم اليومية.

التجربة التي تخوضها رودينا وخديجة وغيرهما من الأطفال، تظهر كيف يمكن للحلقات القرآنية أن تغرس في قلوب الصغار حب كتاب الله، ليس فقط كمنهج دراسي، بل كمصدر إلهام يرافقهم في مختلف مراحل حياتهم، وبينما تتعالى أصواتهم الصغيرة بترتيل الآيات، تظل مدرسة النهضة شاهدة على ولادة جيل جديد، يرى في القرآن نورا يهتدي به نحو المستقبل.

تقارير الحضور والنشاطات والتقييمات بكبسة زر واحدة

وفي سياق جولتنا بالمدرسة، كان لنا حديث مع المشرف العام للمدرسة وعضو بالمؤسسة المكلف بمشروع المدارس القرآنية النموذجية، أمحمد بن الحاج جلول، الذي شرح لنا طريقة التعليم الحديثة عبر المنصة وتطبيق “مدرستي”، الخاص بمدارس القرآن، ونوه المتحدث إلى أن المؤسسة تحرص على انتقاء طاقم تعليمي وإداري متميز، يضم أساتذة مجازين ذوي خبرة في التعليم القرآني، ويعملون على مدار الأسبوع من التاسعة صباحا حتى التاسعة ليلا، كما تعتمد المؤسسة على التطبيق الإلكتروني “مدرستي” لإدارة المدارس القرآنية النموذجية، يتيح للأولياء متابعة مسار أبنائهم التعليمي بكل تفاصيله، مثل الحضور والمراجعة وما تلقوه من سور وأحكام، كما يربط بين الطاقم الإداري والتعليمي والأولياء عبر نظام إلكتروني متكامل.

وكشف محدثنا أن التحوّل من التعليم التقليدي إلى التعليم الإلكتروني كان خطوة ضرورية بعد جائحة كورونا، حيث تم إطلاق المخيمات الإلكترونية التي تطورت لاحقا إلى مقارئ سنوية، ثم إلى أكاديمية النهضة للقرآن الكريم، وأخيرا مشروع المدارس القرآنية النموذجية المهيكلة، التي تمزج بين الأصالة والمعاصرة، مشيرا إلى أن كل المجالات شهدت تطورا، فلمَ لا يواكب التعليم القرآني هذا التطور على حد قوله، من خلال إنشاء منصة إلكترونية شاملة تتيح متابعة جميع الجوانب الإدارية والتعليمية، حيث يمكن للأساتذة تسجيل الحضور والغيابات، وتدوين الملاحظات عن كل تلميذ، كما يمكن للأولياء الاطلاع على تقدم أبنائهم بالمنصة، ومعرفة مسارهم التعلمي بالمدرسة عن بعد.

“نخبة الحفاظ”… مسابقة وطنية لاكتشاف المتميزين

تفخر المؤسسة بخريجيها الذين مثّلوا الجزائر في المحافل الوطنية والدولية، ولفت المتحدث إلى أن أحدث مشاريعها التي تعمل عليه منذ فترة هو “نخبة الحفاظ”، وهي مسابقة وطنية لسرد القرآن الكريم كاملا في جلسة واحدة، حيث شارك في تصفياتها النهائية أزيد من 500 حافظ وحافظة سردوا القرآن الكريم كاملا، تميز منهم 5 حفاظ و12 حافظة في إتمام العرض دون أخطاء، وتم تكريمهم في حفل خاص بجامع الجزائر شهر جانفي الفارط.

وتمتلك مؤسسة النهضة تجربة ثرية في مجال التعليم القرآني، منذ 2013، حيث بدأت بتنظيم مخيمات الحفظ المكثف، وهي دورات مغلقة، ثم تطورت مشاريعها لتشمل المقارئ الإلكترونية وأكاديمية النهضة للقرآن الكريم، التي تمزج بين التعليم الميداني والتقنيات الحديثة، وصولا إلى مشروع المدارس القرآنية النموذجية.

وأشار بن الحاج جلول إلى أن هذه المشاريع جاءت كثمرة خبرة متراكمة في التعليم القرآني، إذ تستقبل المدرسة جميع الفئات العمرية، بدءا من الأطفال في سن 4 سنوات وحتى المستويات الجامعية، بالإضافة إلى الكبار من الرجال والنساء، مع تصنيفهم وفق مستويات متدرجة، كما تعتمد المدرسة على رواية ورش عن نافع من طريق الأزرق في تحفيظ القرآن الكريم وفق أحكام التلاوة، إلى جانب تدريس التفسير والتدبر والمتون العلمية والأحاديث والأدعية والأذكار.

“العائلة القرآنية”.. نحو مجتمع أكثر ترابطا

وكشف بن الحاج جلول أن المؤسسة تعمل أيضا على مشروع العائلة القرآنية، الذي يهدف إلى تعزيز الارتباط بالقرآن داخل المجتمع، حيث يتأثر الأولياء بأبنائهم الحفظة، ما يدفعهم إلى الالتحاق بالحلقات القرآنية، ولأجل ذلك تم فتح أفواج خاصة بالنساء والأمهات والعاملات، لتكون الأسرة كلها مرتبطة بالقرآن، مضيفا أن هذه النماذج في التعليم القرآني ستعمل مستقبلا للحفاظ على أصالة وهوية مجتمعنا وحمايته من أي “انزلاق” قد يمس بأخلاق مجتمعنا الإسلامي والمحافظ، خاصة مع تطور المواقع الافتراضية واستحواذها على عقول شبابنا وحتى أطفالنا، على حد قول المتحدث.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here