محمد مسلم
أفريقيا برس – الجزائر. خلقت الأزمة المتفاقمة في العلاقات الجزائرية الفرنسية، حالة من الاستشراف التشاؤمي لمستقبل هذه العلاقات، التي قد لا تستعيد هدوءها المأمول، حسب المراقبين، قبل سنتين على الأقل، وهو العمر الذي تبقّى من العهدة الرئاسية الثانية، للرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في قصر الإيليزي.
وكان الرئيس عبد المجيد تبون قد ألمح في الحوار الذي أجراه مع صحيفة “لوبينيون” الفرنسية، إلى استحالة استعادة العلاقات بين الجزائر وباريس هدوءها في ظل حكم الرئيس الفرنسي الحالي. من هنا، يحاول المتابعون لهذه العلاقات استشراف مرحلة ما بعد ماكرون، في ظل ما تعرضه النقاشات السياسية في فرنسا حول هوية من سيخوضون سباق الانتخابات الرئاسية لخلافة ماكرون الذي، وبحسب الدستور الفرنسي، لا يمكنه خوض سباق عهدة ثالثة.
وفي هذا السياق، كشف آخر سبر للآراء في فرنسا من إنجاز معهد “إيفوب” المعروف بمصداقيته، أن المرشح المحتمل للانتخابات الرئاسية في فرنسا، الوزير الأول ووزير الخارجية الأسبق، دومينيك دوفيلبان، يتقدم الجميع بنسبة 51 بالمائة من الآراء الإيجابية، متقدما على نظيره الوزير الأول الأسبق، إدوار فيليب، الذي حصل على نسبة خمسين بالمائة.
والمثير في الأمر، هو أن وزير الداخلية، برونو روتايو، الذي جعل من استهداف الجزائر مشروعا سياسيا، لم يرد اسمه نهائيا في سبر الآراء، فيما حل الوزير الأول الأسبق، ميشال بارنيي في المرتبة الثالثة بواقع 46 بالمائة من الآراء الإيجابية، وفي المرتبة الرابعة، الوزير الأول الأسبق، غابريال أتال في المرتبة الرابعة بواقع 45 بالمائة من الآراء الإيجابية.
وتكمن مصداقية سبر الآراء هذا في كونه تم إنجازه بطلب من منبر إعلامي معروف بتوجهاته اليمينية المتطرفة “سيد راديو”، نشر الإثنين 12 ماي الجاري، وقد جاءت نتائجه في صالح شخصية لا تتقاسم مع اليمين المتطرف توجهاته السياسية، بل تعتبر هذه الشخصية المحسوبة على التيار الديغولي، أقرب شخصية من هذا التيار إلى اليسار، الذي يسيطر حاليا على غالبية أعضاء الجمعية الوطنية الفرنسية (الغرفة السفلى للبرلمان).
وفي حوار الرئيس تبون لصحيفة “لوبينيون” السالف ذكره، كان قد أشاد ببعض الشخصيات السياسية الفرنسية المعتدلة، التي لم تنل حقها من الاهتمام الإعلامي في فرنسا، الذي يسيطر عليه رجال مال معروفون بتوجهاتهم اليمينية المتطرفة، على غرار فانسون بولوري، وذكر منهم دومينيك دو فيلبان، باعتباره الشخصية التي تمثل بصدق، إرث الفكر الديغولي، الذي له تصور خاص بشأن العلاقات الفرنسية العربية، لا يمثله الكثير من الشخصيات السياسية الراهنة في هذا التيار، والإشارة هنا إلى وزير الداخلية، برونو روتايو، الذي يروج لذلك التوجه غير أن ممارساته على الأرض، تسير في اتجاه معاكس.
كيف يمكن قراءة نتائج سبر الآراء على مستقبل العلاقات الجزائرية؟
بهذا الصدد، يرى الدبلوماسي مصطفى زغلاش أن شخصية مثل دومينيك دو فيلبان يمكن أن تكون الأفضل مقارنة بما هو موجود في الساحة السياسية الفرنسية، لمستقبل العلاقات الجزائرية الفرنسية، وهو أفضل بكثير من الذي حل خلفه في المرتبة الثانية، إدوار فيليب، الوزير الأول الأسبق في عهد ماكرون.
وخلال الحوارات التي أدلى بها مؤخرا، كسب دومينيك دو فيلبان، نقاطا جديدة، بسبب مواقفه الجريئة من التصريحات العنيفة لوزير الداخلية الفرنسي، برونو روتايو، تجاه الجزائر، وكذا العدوان الصهيوني على قطاع غزة، وهي المواقف التي لاقت قبولا لدى أطراف سياسية معروفة بثقلها في الساحة، على غرار اليسار، الذي حصل منه على نسبة 55 بالمائة من الآراء الإيجابية و55 بالمائة من اليمين، و70 بالمائة من اليمين الذي ينتمي إليه “حزب الجمهوريون”، في ضربة موجعة لوزير الداخلية، روتايو.
وتعليقا على مخرجات سبر الآراء، يقول الدبلوماسي زغلاش، إن “نتائج سبر الآراء هذه، تقدم مؤشرات يمكن الاستئناس بها في التحليل من أجل بناء مواقف تخص المرحلة المستقبلية للعلاقات الجزائرية الفرنسية، التي تنحدر نحو أزمة غير مسبوقة”، لأن سياسة ماكرون يمكن اعتبارها ميؤوسا منها، في ظل عدم تخلصه من عقد “النيوكولونيالية”.
ويمكن تصنيف الرجلين بناء على مواقفهما المعبر عنها، يقول مصطفى زغلاش، حيث يقف إدوار فيليب، مثلا، إلى جانب المطالبين بإلغاء اتفاقية الهجرة الموقعة في سنة 1968 بين البلدين، ويذهب بعيدا في ذلك حينما يتحدث عن إمكانية مراجعتها من جانب واحد في حال استمر الموقف الجزائري على حاله، في حين أن دومينيك دو فيلبان، لا يقاسمه هذا الموقف.
وتعتبر قضية الهجرة في قلب العلاقات الجزائرية الفرنسية، ومن ثم فإن أي شخصية سياسية فرنسية تستهدف المهاجرين، فإنها تضر بالمصالح الجزائرية، يقول المتحدث، لأن الجزائر تتوفر على جالية أكبر من غيرها في فرنسا، ومن هنا يجب أن يكون موقف أي شخصية سياسية فرنسية من هذه القضية، هو المنطلق لبلورة موقف إزاءه في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس