قمة ببغداد.. القادة العرب ليسوا على قلب رجل واحد

1
قمة ببغداد.. القادة العرب ليسوا على قلب رجل واحد
قمة ببغداد.. القادة العرب ليسوا على قلب رجل واحد

أفريقيا برس – الجزائر. غاب الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، عن قمة بغداد، كما غاب عن قمة القاهرة الاستثنائية، ليتأسس بذلك موقف أو حتى انطباع جزائري حول آلية العمل العربي المشترك، ورغم أن تيارا شعبيا ركب موجة شبكات التواصل الاجتماعي أسابيع قبل القمة، حيث ألح عليه بعدم السفر الى بغداد لأسباب تتعلق بسلامته الشخصية وباستقرار البلاد، إلا أن غياب الرجل لا يمكن أن يكون من قبيل تلبية رغبة هؤلاء، وانما المسألة تتصل بقناعات بدأت تتكرس حول تلاشي فرص التكافؤ في معالجة قضايا وملفات العالم العربي.

موجة الخطاب الشعبوي تلاشت سريعا تحت ضغط الأحداث والأولويات المطروحة في البلاد، ورغم تبنيها من طرف الاعلام الحكومي والمقرب من السلطة، في محاولة لاضفاء حالة من التناغم والتعاطف بين الشارع الجزائري وهرم السلطة، إلا أن طبيعة الديبلوماسية لا يمكن أن تذعن لمزاج شعبي عارض أو حالة صنّعت داخل مخابر توجيه الرأي العام، ولذلك لا يمكن أن تكون سببا لغياب الجزائر عن قمة بغداد، خاصة وأن ناشطين ونخب سياسية وإعلامية حذرت من مغبة التماهي الرسمي مع مثل هذه الوضعيات.

لكن للمحلل السياسي كمال بوزيد، رأي آخر أدلى به لـ “أفريقيا برس”، وهو أن “الموجة الشعبية تقاطعت مع موقف سياسي ولو على تماس خفيف، يتمثل فيما بقي من فورة الشارع العربي لنصرة القضية الفلسطينية، وبين بعض المواقف السياسية المناهضة لخط التطبيع أو التقارب العربي- الإسرائيلي بدعوى السلام في المنطقة، وهو ما بقي يميز التوجه الجزائري لحد الآن، حتى ولو كان معزولا أو هشا، قياسا باختلال موازين القوى داخل الصف العربي، بين ما يعرف بـ (المطبعين) الأقوياء والنافذين داخل المجموعة العربية، وبين (المناهضين) والرافضين للوضع القائم، خاصة قي قطاع غزة، وهم على قلتهم يفتقدون للامكانيات وآليات حشد العمل العربي المشترك”.

وأكد أن “الأسباب التي حالت دون حضور الجزائر في قمة القاهرة الاستثنائية خلال شهر مارس الماضي، لا زالت قائمة، وأن المسألة تتعلق بموقف مناهض للانفراد بالقرار والجامعة العربية معا، وظهور مجموعة من الصفوف داخل الهيئة، وهي الصف النافذ والمقرر، والصف المتماهي مع التوجهات المستجدة، والصف المتفرج الذي لا يملك القدرة على فرض المراجعة على الخيارات المتخذة”.

وفيما كان بالإمكان أن يمر غياب الرئيس تبون، عن قمتي القاهرة وبغداد مرور الكرام، لأنه لم يحدث أن اكتمل النصاب العربي في قممهم منذ تأسيس الجامعة العربية، لكن ارتفاع صوت الجزائر منذ شهر مارس الماضي، عبر برقية وكالة الأنباء الرسمية، التي تكفلت بترجمة غضب الجزائر من “مجريات تحضير القمة، واعتماد سياسة الاحتكار والاقصاء في آن واحد”، يوحي الى أن غياب تبون، هو ردة فعل على وضع غير مطمئن له في أروقة العمل العربي المشترك، وقد يكون منعرجا جديدا في مساره المستقبلي.

والى غاية القمة العربية التي احتضنتها العام 2022، ظلت الجزائر متمسكة ببعد ورسالة قومية موروثة عن عقيدتها السياسية، بينما المتغيرات كانت أسرع في المنطقة قبل وبعد القمة، فلغة المصالح وموازين القوة صارت هي المعيار الجديد في تحديد المشهد الجديد، بما في ذلك القضية الجوهرية، ولذلك استغرب البعض حماسة الجزائريين في احتضان القمة، وكأنهم لا يعلمون أن المتغيرات تسير في الاتجاه المعاكس.

ووضعت قمة القاهرة معالم خارطة طريق تسوية نتائج الوضع داخل قطاع غزة، من خلال وقف العدوان المسلح وإدخال المساعدات واعمار القطاع، مع رفض تهجير الفلسطينيين، لكن لا شيء تحقق من ذلك لحد الآن، لأن القمة افتقدت لروح وجرأة المعالجة الحقيقية للوضع، وهو الحصار والعدوان وسياسات الاحتلال الإسرائيلي، وقمة بغداد التي وصفت بـ “الباهتة”، من حيث الآليات والمخارج، الأمر الذي راكم ثقلا جديدا على الوضع العربي المأزوم.

وحملت رسائل الجزائر الى قمة بغداد، محاذير الاختلال داخل المنظومة العربية، وغياب التكافؤ والتوازن داخلها، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية أحمد عطاف، خلال قراءته لرسالة الرئيس تبون، التي ضمنها ضرورة، “توازي التنمية المستدامة في العالم العربي مع التضامن مع الدول الجريحة، وفي مقدمتها فلسطين، وباقي الأقطار التي تعيش أزمات ونزاعات، وأن أمن وازدهار المنطقة العربية يرتبط بتعافي هذه الدول، وزوال الظلم الواقع عليها، وعودتها إلى مسار الاستقرار والنماء”.

وشدد على أن، “التكامل يجب ألا يبقى مجرد حلم مؤجل تتناقله الأجيال، بل ينبغي تحويله إلى واقع ملموس يخدم شعوب المنطقة”، لكن ذلك يتنافى مع وتيرة التجارة البينية التي لا تمثل سوى 8 بالمائة من إجمالي التجارة العربية مع بقية العالم، فضلا الى أن الاستثمارات البينية هي الأخرى تعاني من فجوات كبيرة وتفاوت مجحف بين دولة عربية وأخرى”.

وعلى الصعيد السياسي، حذر الرئيس الجزائري، من محاولات الكيان الإسرائيلي فرض ما وصفه بـ “سلام عبثي” يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، ومن “تدهور العديد من الأقطار العربية بشكل متسارع، وسط تكالب التدخلات الخارجية التي تسعى لبث الشقاق والتناحر بين أبناء الوطن الواحد”.

وقال: “قضيتنا المركزية (الفلسطينية) تشهد مخططات التصفية تنهال عليها، وسط إصرار الاحتلال الإسرائيلي على فرض رؤيته العبثية لسلامٍ لا يمكن أن يتصوره إلا على مقاسه، وتماهيا مع أهوائه، وإشباعا لأطماعه”.

وأضاف: “السلام الذي تريده إسرائيل يقوم على أنقاض القضية الفلسطينية، وتحرم فيه دول الجوار من أبسط مقومات أمنها وطمأنينتها واستقرارها، ويضمن لها هيمنة مطلقة دون حسيب أو رقيب أو منازع”.

ومع عتاب الجزائر المعبر عنه منذ أسابيع من طرف الوكالة الرسمية بالقول: “هذا القرار (مقاطعة قمة القاهرة) جاء على خلفية الاختلالات والنقائص التي شابت المسار التحضيري لهذه القمة، حيث تم احتكار هذا المسار من قبل مجموعة محدودة وضيقة من الدول العربية، التي استأثرت وحدها بإعداد مخرجات القمة المرتقبة بالقاهرة دون أدنى تنسيق مع بقية الدول العربية المعنية كلها بالقضية الفلسطينية”.

وأن الرئيس تبون، “حزت في نفسه طريقة العمل هذه، التي تقوم على إشراك دول وإقصاء أخرى، وكأن نصرة القضية الفلسطينية أصبحت اليوم حكرا على البعض دون سواهم. في حين أن منطق الأمور كان ولا يزال يحتم تعزيز وحدة الصف العربي وتقوية التفاف جميع الدول العربية حول قضيتهم المركزية، القضية الفلسطينية، لاسيما وهي تواجه ما تواجهه من تحديات وجودية تستهدف ضرب المشروع الوطني الفلسطيني في الصميم”.

ولفت المحلل السياسي كمال بوزيد، الى أنه ” لا يمكن تصور انتهاج الجزائر لأسلوب الكرسي الشاغر، كما قد يعتقد البعض لأنها تبقى عضو فاعل في الجامعة العربية، وأن تجديد دعوتها لاصلاح الجامعة العربية، وهو المطلب الذي رفعته منذ أكثر من عقد من الزمن، وتتقاسمه معها عدة دول عربية ترى في الإصلاح مواكبة لوتيرة التكتلات الاقليمية الفاعلة، سيكون بمثابة كرة في مرمى المحافظين الذين يريدون الاستمرار في نفس الأداء والآليات خاصة في ظل تفرد قوى التطبيع داخل المجموعة مع إسرائيل”.

وأكد على أن “أسباب وخلفيات الغياب المغاربي، لم يكن نتيجة تنسيق أو تشاور مسبق، بل هي مواقف أفرزتها الصدفة السياسية، ولكل طرف أهدافه وأسبابه، وما يقرأ عن الموقف الجزائري أو التونسي، لا يمكن أن يكون هو الموقف المغربي، قياسا بالشرخ الواسع بين الطرفين، خاصة فيما يتعلق بملف التطبيع والوضع في قطاع غزة”.

ودعا الرئيس تبون، في هذا الشأن، إلى “ضرورة إعادة تقييم آليات العمل العربي المشترك، وإعادة الاعتبار لمبادئ التضامن والتنسيق في إطار الجامعة العربية، وأن الظروف الحالية تفرض حتمية إصلاح الجامعة العربية، لأنها تأسست في زمن غير زماننا، وسياق غير سياقنا، ومحيط غير محيطنا، ما يجعل من الضروري تكييفها مع متطلبات العصر الجديد”.

وشدد على أن “الدفاع عن القضية الفلسطينية ليس جودا ولا تكرما، بل هو وفاء لأمانة تاريخية تحملها الأمة العربية، ومسؤولية قانونية وأخلاقية تقع على عاتق الإنسانية جمعاء، وأن وحدة الصف العربي حول هذه القضية تبقى شرطا أساسيا لأي تحرك فاعل في مواجهة التحديات الراهنة”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here