بين اهتراء المركبات وطيش السائقين.. حافلات تتحوّل إلى توابيت متحركة

3
بين اهتراء المركبات وطيش السائقين.. حافلات تتحوّل إلى توابيت متحركة
بين اهتراء المركبات وطيش السائقين.. حافلات تتحوّل إلى توابيت متحركة

أفريقيا برس – الجزائر. تحوّلت بعض الحافلات القديمة إلى مصدر خطر دائم في الشوارع الجزائرية، بعدما تعدّدت حوادثها وتقلّصت خدماتها، لتتحوّل من وسيلة نقل إلى ما يشبه “توابيت متحركة” تغامر بركابها، وتخنق الحركة وتهدّد المارة في الطرقات وحتى الأرصفة، وهو ما حدا بالسلطات العليا إلى حظر استخدام الحافلات التي يفوق عمرها 30 سنة، وسحبها من حظيرة النقل.

في عينة من شارع سيلاق الشعبي بسطيف، حيث تقصد مئات العائلات محلاته التجارية يوميا، تختلط أصوات الباعة بزمامير هذه الحافلات الضخمة التي تمتد طولا لتعطّل السير، وعرضا لتهدّد المشاة. هنا يروي أحمد، تاجر في المكان، كيف تحوّلت متعة التسوّق إلى مصدر خوف دائم: “كل يوم نعيش الرعب مع هذه الحافلات القديمة. السائقون أو بعضهم يقودون بعصبية ويتوقفون فجأة وسط الطريق لجمع الركاب. والله أصبحنا نخاف على أطفالنا من مجرد عبور الشارع”.

بعض هذه المركبات يعود تاريخ صنعها إلى سنوات القرن الماضي، لا تزال تجوب طرقات المدينة رغم تقادمها وفقدانها لأبسط معايير السلامة. لم تتغير قطع غيارها، ولم تتطوّر تجهيزاتها، وظلّت حاضرة رغم تعاقب الأجيال، وأضحت تمثل خطرا عموميا يطارد الناس في الطرقات.

الركاب في رحلة نحو المجهول

الخطر لا يقتصر على الحافلات ذاتها، بل يمتد إلى سلوكيات بعض سائقيها من فئة الشباب، الذين يقودونها بتهور شديد في سباق يومي على الركاب. يصف أحد المواطنين المشهد قائلا: “دائما ترى مناورة خطيرة أو سباقا بين سائقين، وكأننا في حلبة وليس في شارع حضري. هؤلاء لا يحترمون صغيرا ولا كبيرا”.

النتائج كانت مأساوية في أكثر من مرة، فالسنة الماضية، شهدت مدينة العلمة حادثا مروّعا إثر انقلاب حافلة وسط المدينة بعد اصطدامها بسيارة سياحية، ما أدى إلى وفاة رجل في منتصف الأربعينات مخلفا ثلاثة أطفال يتامى، إضافة إلى إصابة تسعة آخرين بجروح متفاوتة.

ولم يكد الرأي العام يستفيق من هذه الصدمة، حتى تكرر المشهد مع وفاة الطفل منصور، تلميذ المدرسة القرآنية بحي قوطالي بالعلمة، الذي فقد حياته بسبب تهور إحدى هذه الحافلات، ليترك مقعده شاغرا في مدرسته الابتدائية وكذلك القرآنية.

الركاب أنفسهم يشتكون من ظروف النقل داخل هذه الحافلات، حيث تغيب شروط الراحة والنظافة، وتبقى الرحلة محفوفة بالقلق. تقول السيدة فاطمة، ربة بيت: “كل مرة أركب فيها هذه الحافلات، أشعر وكأنني أغامر بحياتي. المقاعد مهترئة، النوافذ لا تفتح، والازدحام خانق. أحيانا أتساءل إن كنت سأصل فعلا إلى بيتي”؟

حافلات ترفض التقاعد

ومع تصاعد هذه الحوادث، سبق لمصالح أمن ولاية سطيف أن تحركت للحد من الاستهتار الذي يظهره أصحاب الحافلات، حيث وجهت تذكيرا وتحذيرا صارما لسائقي مختلف أنواع مركبات النقل الجماعي، لاسيما حافلات النقل الحضري والنقل بين المدن، للتذكير بأهمية الالتزام التام بالإجراءات الأمنية الكفيلة بحماية الركاب ومعاوني السائقين من قابضين أو مستخلفين. وجاء هذا التحرك على خلفية حادث أليم وقع بالقرب من الإقامة الجامعية للبنات “الصامو” بسطيف، أودى بحياة قابض شاب سقط بعد فقدانه لتوازنه لدى محاولته ركوب حافلة كانت تسير، ليلقى مصرعه متأثرا بجروح بليغة على مستوى الرأس والظهر.

وأكدت مصالح الأمن على منع الانطلاق قبل غلق الأبواب بشكل محكم، ومنع الركوب أو النزول أثناء سير الحافلة، مع التأكّد من أن الركاب في وضعية آمنة قبل التحرك، مذكّرة بأن هذا السلوك المتهور يشكّل مخالفة قانونية فضلا عن كونه سببا رئيسيا في الكوارث المسجلة.

ورغم الحملات والتحذيرات المتكررة، لازالت هذه الحافلات تصنع المآسي بعدما جمعت بين القرن الماضي والحالي وتتطلع للمزيد. وحسب المختصين في السلامة المرورية، فإن استمرار اعتماد هذه الحافلات يشكّل تهديدا مباشرا للأمن العمومي، خاصة تلك التي تجاوزت عمرها الافتراضي، والتي تحوّلت إلى قنابل موقوتة على الطرقات، كما أن غياب الصيانة الجدية وسوء تكوين بعض السائقين يزيد من احتمالية الحوادث. ولذلك، يؤكد المختصون على ضرورة ضبط برنامج صارم لسحب هذه المركبات تدريجيا وتعويضها بأسطول حديث، وإلا فإن الكوارث ستتكرر.

هكذا باتت شوارع المدن الجزائرية مسرحا لمغامرات “التوابيت المتحركة”، التي أصبحت تقفز حتى في الوديان، ولا تعرف سوى لغة السرعة والمناورة، في انتظار تدخل عاجل ينهي هذه الفوضى ويعيد الاعتبار للنقل الحضري.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here