التعديل الحكومي في الجزائر.. بين مزاعم التغيير وإعادة الإنتاج

6
التعديل الحكومي في الجزائر.. بين مزاعم التغيير وإعادة الإنتاج
التعديل الحكومي في الجزائر.. بين مزاعم التغيير وإعادة الإنتاج

أفريقيا برس – الجزائر. أوحى التعديل الحكومي الذي أجراه الرئيس عبدالمجيد تبون، الى أن السلطة تنتهج نمط التغيير داخل المحيط الموثوق، بتدوير وتعديل الحقائب بين الوجوه الوزارية أو استقدام آخرين، مما أعطى الانطباع بأن خطاب التغيير والجزائر الجديدة المروج له، لا زال بعيد المنال في الجزائر، كما أن الحكومة الجديدة لا تملك حظوظ مجاراة التحديات القائمة، خاصة وأن استحقاقات انتخابية منتظرة بعد أقل من عام.

ويبدو أن الانسداد الاجتماعي والاقتصادي الذي وصلته الحكومة السابقة، عُلق بالكامل على رقبة رئيس الوزراء محمد نذير العرباوي، بينما بقي الفريق الوزراء المتسبب في العديد من الانتكاسات كاستمرار ظاهرة الندرة والغلاء وحوادث السير المميتة الناجمة عن اختراء البنى التحتية وتهالك المركبات ووسائل النقل العمومي.

وبهذا التعديل يكون الرئيس الجزائري قد استهلك ست حكومات، وأربعة رؤساء وزراء في ظرف ست سنوات، الأمر الذي يترجم حالة من عدم الاستقرار داخل المؤسسة الأولى في تنفيذ البرنامج الانتخابي، وارتباك في اختيار الطاقم البشري القادر على تجسيد ما يعرف بـ “التعهدات 54″، التي أطلقها تبون في حملته الانتخابية الأولى في 2019.

ورغم تحرر الرئيس تبون، من ضغوط الشراكات السياسية والحزبية، وافرازات الاستحقاقات الانتخابية، واعتماده على الوجوه التكنوقراطية وقيادات المجتمع المدني، إلا أن اعترف في أكثر من مرة بفشل بعض الوزراء في تنفيذ برنامجه الانتخابي، مما طرح مسألة المعايير المطبقة في اختيار الطاقم الوزاري، وأسباب فشله في العثور على التشكيل المثالي، وهو الذي استغرق بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة مهلة ثلاثة أشهر في تعيين حكومته، حيث صرح لوسائل اعلام محلية، بأنه “يبحث عن الكفاءات القادرة على رفع التحديات وتنفيذ البرنامج”، الا أنه انتهى الى نفس المطاف الذي انتهت اليه الحكومات السابقة.

والملاحظ أن الرئيس الذي يريد نحت بصمة مميزة عن باقي رؤساء الجزائر، لا زال في نفس المربع، فعلاوة على التساؤلات المطروحة حول البرنامج الانتخابي في حد ذاته، والذي استهلك ست حكومات وأربع رؤساء وزراء، دون أن يتحقق ولو جزئيا، فان الحكومات المتعاقبة هي نسخ كربونية لبعضها البعض، كونها حملت نفس الأفكار والتصورات التي تنتهجها السلطة، بينما يغيب عنها التغييرات التي يطمح اليها الشارع الجزائري.

ست سنوات.. ست حكومات وأربعة رؤساء وزراء

ويرى المحلل السياسي رفيق بوهلال، في تصريح لـ “أفريقيا برس”، بأن “التعديل الحكومي الأخير، لا يعدو الا مجرد تدوير وتبادل للمسؤوليات والأدوار بين نفس الوجوه، بدليل بقاء نفس الوجوه التي كانت محل غضب واستياء الجزائريين، خاصة خلال الصائفة الماضية، بعد حادثة الباص الذي انحرف الى وادى الحراش بالعاصمة، وأودى بحياة 20 شخصا”.

وأضاف: “لا يمكن الحديث عن تغيير حكومي أو حتى سياسي في البلاد، ما دام النمط الأحادي هو الذي يخيم على مفاصل الدولة، وما يجري هو تدوير للحقائب داخل المحيط الموثوق في السلطة، فثلثي الأعضاء من الحكومة السابقة، والثلث الآخر وجوه مقربة من السلطة، وليس من الأحزاب السياسية أو الشخصيات المستقلة، وأما حضور المعارضة فذلك ضرب من الخيال”.

وتابع: “الحكومة الجديدة ستكون كسابقاتها، ولا شيء في الأفق، قياسا ببقاء نفس البرنامج الغامض ونفس الوجوه التي تتحمل قناعات تتنافى مع انتظارات الشارع الجزائري، وحتى الاستغناء عن رئيس وزراء واستقدام آخر لا يقدم ولا يؤخر في المسألة شيئا، في ظل عدم امتلاك الحكومة برمتها لسلطة القرار بسبب دور ونفوذ حكومة الظل”.

ويشار في الجزائر الى حكومة الظل، بمجموعة المستشارين والخبراء التابعين لرئاسة الجمهورية، والذين يضطلعون بمختلف الملفات، وعلى رأسهم مدير الديوان بوعلام بوعلام، والسكرتير الخاص عميروش حماداش، ومدير الاتصال كمال سيدي سعيد.. وغيرهم من الشخصيات الذين تم تنظيم مهامهم وأدوارهم بموجب مرسوم رئاسي صدر في الجريدة الرسمية العام 2023.

وتوحي الخطوة المنتهجة من طرف الرئيس تبون، في تثمين محيطه، الى عدة دلالات تتمحور حول هشاشة المؤسسات واهتزاز الثقة داخل أروقة السلطة، وأن الحكومة التي يعينها الرئيس نفسه لا تحوز على اطمئنانه، ولذلك لجأ الى تقنين حكومة الظل عكس الرؤساء السابقين، رغم ما للمسألة من أخطار على التنسيق وعلى التداخل في المهام والصلاحيات.


حكومة الظل وحكومة الواجهة

وتفيد معلومات من محيط قصر المرادية، أن الحكومة الجديدة لن يكون لها حضورا مميزا أو مسارا مختلفا عن سابقاتها، في ظل تغول حكومة الظل، وانتفاخ محيط الرئيس تبون، حيث باتت التوجيهات وحتى التعليمات في بعض الأحيان تصدر من هذا المستشار أو ذاك الى هذا الوزير أو ذاك.

وترجم الحضور اللافت لمدير الاتصال في رئاسة الجمهورية كمال سيدي سعيد، الى جانب وزير الاتصال السابق محمد مزيان، في مختلف الأنشطة والتظاهرات الرسمية، وحتى الادلاء بالتصريحات لوسائل الاعلام، وبروزه في اجتماعات وزارية، حالة التمدد التي اللافت لمقربي الرئيس تبون، في مختلف الاتجاهات والهيئات.

وحملت حكومة سيفي غريب، مفارقات غير مسبوقة، فعلى تعيينه في بداية الأمر بالنيابة خلفا لنذير العرباوي، وهو ما يتنافى مع دستور البلاد، وكشفت الرئاسة عن طاقمها في اليوم الذي استقبل فيه من طرف رئيس الجمهورية، ليعينه رسميا في منصبه ويكلفه بمشاورات اعداد التشكيل الحكومي، يبدو أنها كانت مهيأة ولا يملك فيها الوزير الأول أي رأي.

واستنادا للنظام الرئاسي الذي تتبعه البلاد، وما يعرف بالصلاحيات “الامبراطورية” التي يحوزها رئيس الجمهورية، فان الانطباع الذي كرسه الرئيس تبون، يوحي الى أنه حولها الى هيئة تنفيذية عادية والوزراء عبارة عن مجموعة من الموظفين الحكوميين، حيث عمد في أكثر من مرة الى اقالة وزراء واكتفت رئاسة الجمهورية ببيان مقتضب تبرر القرار بـ “الخطأ الجسيم” كما حدث مع وزير النقل السابق عيسى بكاي العام 2022.

وعكس الفتور الذي يميز الشارع الجزائري تجاه خيارات وقرارات السلطة خاصة في السنوات الأخيرة، فان الوزير الأول الجديد حظي باطراء ومديح كبيرين من قبل دوائر السلطة، على غرار أحزاب الموالاة والاعلام المحلي، مستندين في ذلك الى رصيده المهني والأكاديمي وسنه الشاب، وأبدى هؤلاء رهانا على تحريك الرجل للعمل الحكومي لمواجهة التحديات القائمة، خاصة في المجالين الاجتماعي والاقتصادي.

تدوير الحقائب بين زبائن السلطة

ولفت بيان حزب التجمع الوطني الديمقراطي، فرغم فقدانه لحقيبة التجارة التي كانت بحوزة القيادي طيب زيتوني، الى أن “الحكومة الجديدة كانت بحاجة الى قاطرة أمامية والى دماء جديدة، تنصهر مع عامل الخبرة المتوفرة”. في اشارة الى تركيبة الحكومة الجديدة، بداية من الوزير الأول، والوجوه المستقدمة، أو التي حافظت على حقائبها الأصلية أو التي حولت الى قطاعات أخرى.

لكن منسق الحركة الديمقراطية والاجتماعية فتحي غراس، يرى بأن “عزلة السلطة وانغلاقها على نفسها، هو الذي كلفها محدودية الخيارات، فأمام خوفها من الانفتاح السياسي وبناء تعددية حقيقية والقيام باصلاحات ديمقراطية حقيقية، لم يبقى أمامها الا رصيدا محدودا ومتآكلا، فتعمد الى تدوير المسؤوليات بين نفس الوجوه التي تدفع بالبلاد الى نفق مسدود”.

وأضاف: “السلطة تعمد الى تجاهل أو الانقلاب على المطالب الحقيقية للحراك الشعبي الذي نادى بالتغيير الشامل وبرحيل النظام السياسي القائم، ولذلك فهي تسعى الى تطويق المجتمع عبر فرض سياسات القمع والأحادية، والى تجديد نفسها بثوب جديد يبدو أنه أكثر قتامة من ثوب السلط السابقة”.

ولفت في تصريحه لـ “افريقيا برس”، الى أن “المناصب السامية في الجزائر تخضع لمنطق الولاءات وليس الكفاءات، ولذلك يجري تهميش الطاقات المبدعة في مختلف القطاعات، والابقاء على الوجوه المستهلكة حتى ولو أضرت بالسلطة نفسها، كما هو جار مع قطاع التجارة والنقل والأشغال العمومية والطاقة”.

واستطرد: “السلطة تسير عكس انتظارات المجتمع ومطالب الشارع، وحتى ما كان في السابق توسيعا لدائرة الريع، فان الرئيس تبون، حصر مؤسسات الدولة في دوائر ضيقة تتمثل في محيطه وفي محيط الدوائر الفاعلة في السلطة، وحتى طبقة الموالاة الحزبية والسياسية لم يعد لها مكانا، الأمر الذي فاقم عزلتها والفجوة بينها وبين الفواعل الأساسية”.

حكومة الانسداد السياسي والاجتماعي

ومن جانبه يرى القيادي في التيار الوطني الجديد، غير المرخص له، والناشط السياسي سيف الاسلام بن عطية، بأن التدوير الحكومي كان متوقعا من حيث المضمون والشكل وطريقة الإخراج، من تعيين وزير أول بالنيابة وصولا إلى ترقية الفاشلين والاحتفاظ بهم، يعكس تماما حالة الانسداد التي تعيشها السلطة. هذه الأخيرة أضحت غير قادرة على تصحيح المسارات الخاطئة، وبدل ذلك تركّز على استقرار المنظومة الحاكمة كأشخاص، لا كنظام سياسي. لقد بات واضحا أن علاقة الثقة والقرب من “الباب العالي” هي التي تحدد من يبقى ومن يرحل، لا الكفاءة أو الفشل أو النجاح في التسيير، ولا حتى رأي الكتل الشعبية الواسعة.

وذكر في منشور له، على صفحته الرسمية في الفيسبوك، بأن “الحكومة الحالية، التي ستوكل لها مهمة الإعداد للانتخابات التشريعية والمحلية في الربيع القادم، فضلًا عن صياغة الترسانة القانونية الخاصة بها، لن تكون سوى حكومة انسداد سياسي واجتماعي بامتياز. ومن المنتظر أن تنتج هذه الحكومة قوانين أكثر تطرفًا وانغلاقًا، وهو أمر طبيعي بالنظر إلى ظروف ميلادها وما تحمله من جينات مشوهة ومعوقة”.

وخلص الى أن “الاستمرار في هذا النهج العبثي لن يقود إلا إلى مزيد من الفوضى السياسية والانفجار الاجتماعي، وسيجر البلاد إلى مصير مجهول في ظرف دولي خطير عنوانه انهيار السيادات الوطنية وارتهان القرار المحلي للخارج. إن خيار الحوار الشامل والجاد مع كل القوى الوطنية لم يعد ترفا أو شعارا للاستهلاك، بل ضرورة عاجلة وملحّة لإنقاذ الدولة من الطوفان القادم. وأي تأجيل أو تجاهل لهذا الاستحقاق سيحول الأزمة الحالية إلى كارثة وطنية شاملة لن ينجو منها أحد.

ويأتي هذا الموقف من أحد ناشطي احتجاجات الحراك الشعبي العام 2019، والمبادر الى جانب شلة من النخبة المعارضة الى اطلاق التيار الوطني الجديد، كفصيل سياسي أفرزه الشارع الجزائري، لكن السلطة التي أغلقت اللعبة سريعا بتجديد مؤسساتها وتوزيع رموزها على مفاصل الدولة، لا زالت تصد الأبواب أمام مطالب الاصلاح والتغيير.

وبين مزاعم التغيير التي تحاول السلطة اضفاءها على خطواتها منذ العام 2020، وبين تهم الانغلاق واعادة الانتاج التي تكيلها المعارضة، تسير الجزائر على مسار مجهول تحفه تجاذبات اقليمية وتحولات جيوسياسية عميقة ومتسارعة، الكل يحذر منها، والكل مختلف على التعامل معها.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here