رسائل الرئيس للوزراء… “الصحّ” في الميدان!

5
رسائل الرئيس للوزراء… “الصحّ” في الميدان!
رسائل الرئيس للوزراء… “الصحّ” في الميدان!

أفريقيا برس – الجزائر. أجمع خبراء اقتصاد على أن التعليمات الأخيرة لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون خلال اجتماع مجلس الوزراء تحمل تحوّلا جوهريا في أسلوب إدارة الشأن العام، بعد ما وجه رسائل تفيد بضرورة خروج الوزراء من المكاتب وكسر قيود البروتوكولات نحو الميدان، حيث يلتقون المواطن مباشرة من دون حواجز ويستمعون لانشغالاته عن قرب.

وسعى رئيس الجهاز التنفيذي سيفي غريب لتجسيد هذه الرؤية عمليا في ظرف ساعات فقط عبر خرجته إلى ولاية جيجل للإشراف على تدشين مصنع الزيوت “كتامي” وتوسيع ميناء جيجل، في خطوة تؤشر لمرحلة جديدة يُرتقب أن تعقبها خرجات ميدانية واسعة لبقية الطاقم الحكومي عبر مختلف الولايات والقطاعات، في مسعى لإرساء إصلاحات اقتصادية واجتماعية تلامس الحياة اليومية للمواطن وتضع الإدارة في خدمته.

الاستفادة من دروس الماضي.. سياسة تقوم على التقويم المستمر

وفي هذا الصدد، علّق الخبير الاقتصادي فارس هباش على توجيهات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون خلال اجتماع مجلس الوزراء، المنعقد الأحد، مؤكدا أن الرئيس قدّم تعليمات عملية وصارمة لكافة طاقم الحكومة بضرورة النزول إلى الميدان والاستماع لانشغالات المواطن وتبني حلول ناجعة حتى يكون هناك تلامس فعلي مع الجهات التنفيذية، وهي الرسائل التي تضمنها بيان رئاسة الجمهورية.

وأوضح الخبير أن هذه التوجيهات تأتي في إطار إعطاء ديناميكية أوسع للاقتصاد الوطني وتجسيد الإصلاحات الاقتصادية التي باشرتها الجزائر منذ سنوات، مع الحرص على الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن، وصون النسيج الاقتصادي والمؤسساتي، وتطوير بيئة ومناخ الاستثمار وإعطائه دفعا أكثر، إلى جانب إعطاء الأولوية للقطاعات الاقتصادية الاستراتيجية خارج قطاع المحروقات، ضمن استراتيجية شاملة ومتكاملة تهدف إلى أن تنعكس هذه الإصلاحات على المستوى المعيشي للمواطن وتحسن قدرته الشرائية، مع المحافظة على الطابع الاجتماعي للدولة.

وأكد هباش أن ما يترجم هذه التوجيهات عمليا هو زيارة الوزير الأول سيفي غريب إلى ولاية جيجل بعد ساعات فقط من انعقاد مجلس الوزراء، حيث أشرف على تدشين مصنع الزيوت “كتامي” وتوسيع ميناء جيجل، واعتبر أن هذه الزيارة تعد إشارة واضحة لهذه الاستراتيجية والنهج الذي طالب به رئيس الجمهورية، مضيفا أنه من المنتظر أن يكون هناك إنزال واسع للقطاعات الوزارية إلى الميدان لاحقا، بهدف الاستماع المباشر للمواطنين والمتعاملين الاقتصاديين، في إطار استراتيجية متكاملة لإيجاد حلول ناجعة وفورية تجعل الإدارة في خدمة المواطن.

وأضاف أن رئيس الجمهورية خلال اجتماع مجلس الوزراء ثمّن ما هو إيجابي، لكنه شدد في الوقت نفسه على تفادي نقاط الضعف التي سُجلت سابقا، مبرزا أن أي استراتيجية يجب أن تتضمن تقييماً وتقويماً مستمراً. وهذا ما قصده الرئيس، حسب هباش، حين تحدث عن الاستفادة من دروس الماضي عبر تقييم الوضعية واستخلاص نقاط القوة ونقاط الضعف والنتائج، لرسم السياسات المقبلة بشكل يضمن الحفاظ على عناصر القوة وإيجاد حلول لمكامن الضعف.

وفي السياق ذاته، أوضح فارس هباش أن الرئيس كان واضحاً حين أكد أن الجزائر لا تسير بالتقشف وإنما بالتسيير الذكي، في ردّ مباشر على من اعتبروا أن سياسة تنظيم الاستيراد الأخيرة تقشفية، وأكد أن مقاربة رئيس الجمهورية تقوم على التسيير الذكي وترشيد النفقات، من خلال استيراد ما يجب استيراده فقط والتخلي عن الإضافات غير الضرورية، بما يساهم في الحفاظ على احتياطات الصرف والموارد الكبرى والميزان التجاري.

وأضاف أن ذلك يدخل في إطار تسيير رشيد للتجارة الخارجية، حيث شدد الرئيس مرارا على ضرورة ترشيد عمليات الاستيراد لتكون ذات جدوى وأهمية اقتصادية فعلية.

الابتكار والرقمنة.. ولا تقشّف.. أدوات التسيير الذكي في مقاربة الرئيس

من جانبه، علّق الخبير الاقتصادي وأستاذ الاقتصاد بجامعة كندا، حمزة جرايمي، قائلاً إن التوجيهات الأخيرة التي قدّمها رئيس الجمهورية خلال مجلس الوزراء تعكس رؤية جديدة وصريحة في تسيير الشأن العام.

وأوضح أن التركيز على النزول الميداني يمثل خطوة مهمة وفي غاية الجدية، تعني أن القرار الحكومي لن يبقى حبيس المكاتب، بل سيكون مبنيا على واقع المواطن واحتياجاته اليومية، وهو ما يعزز ثقة المواطن في مؤسساته ويقوي الروابط بين الدولة والمواطن، كما يمنحه فرصة للتعبير مباشرة عن مشاكله ومشاغله أمام المسؤولين والوزراء.

وأكد جرايمي أن الاستفادة من التجارب السابقة تُعد دليلاً على نضج الممارسة السياسية، حيث إن مواصلة التقييم والاعتراف بالنقائص السابقة ومحاولة الارتقاء بالأداء يسمحان بتسريع الإصلاحات واستعمال الخبرة المتراكمة، والتعلم من النجاحات التي تحققت في العديد من القطاعات الحيوية على غرار السكن والفلاحة، ما يعني مواصلة النجاحات وتوسيعها.

وأضاف أن من أبرز النقاط المهمة التي تضمنتها توجيهات الرئيس هي اعتماد “التسيير الذكي” بدل التقشف، موضحا أن هذا المصطلح يحمل دلالات ذكية وإيجابية، كونه يقوم على تشجيع الابتكار والرقمنة وحسن تسيير الموارد، مع تجنب التبذير من دون التقصير في تلبية الاحتياجات.

واعتبر أن هذا النهج لا يعني حرمان المواطن أو تجميد المشاريع، وإنما تسييرها بصورة شفافة ومنحها التمويل اللازم، بما يعني عقلنة النفقات من دون تبذير المال العام، مع الحفاظ على القدرة الشرائية ودعم التنمية في الوقت نفسه.

وختم جرايمي بالتأكيد أن هذه التوجيهات تمثل انتقالا من إدارة الأزمات إلى ثقافة المبادرة والاستباقية وحسن التسيير والتنفيذ، وأشار إلى أنه في حال تطبيقها بجدية وبنزع كافة العوائق، وبصورة شفافة ومخلصة، فإنها ستكون قادرة على إرساء مرحلة جديدة قوامها الفعالية والشفافية والتنمية الحقيقية والذكية.

المصدر: الشروق

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here